في سياق دفاعه عن النظرية الماركسية الثورية ومن خلال نضاله ضد التحريفيين على مختلف انواعهم ومشاربهم كتب لينين يقول:" لو أن البديهيات الهندسية كانت تصدم مصالح الناس لسعوا بكل تأكيد الى دحضها وتشويهها". فكم بالاحرى المبادئ السياسية الثورية والتقدمية التي من غير شك تصدم مصالح الكثيرين؟. ولعل أكثر مبدأ على الساحة الفلسطينية تعرض للتشويه هو شعار الوحدة الوطنية. لقد أصبح هذا الشعار جسرا يعبر فوقه الانتهازيون من كل حدب وصوب وأصبح قناعا يختبئ خلفه أعداء الوحدة وأعداء الوطنية.
لقد سمعت هذا الشعار يكرر بشدة خلال جنازة الحكيم جورج حبش، حيث هتف رفاق الجبهة الشعبية: "الحكيم وصانا وصية صونوا الوحدة الوطنية". هذا الشعار كما سبق وقلت هو شعار سليم لا يمكن أن تتخلى عنه اية حركة تحرير وطني ولكن.. قبل أن نهتف هذا الشعار يجب أن نعي تماما ماذا تعني الوحدة؟ وماذا تعني الوحدة الوطنية؟ هل الوحدة تعني فرض هيمنة طرف على طرف آخر؟ هل الوحدة تعني فقدان استقلالية أي تنظيم ناشط على الساحة النضالية وقبول التبعية؟ بالطبع لا. فقد كان نضال الحكيم ضد هيمنة طرف معين على منظمة التحرير الفلسطيني جزؤ لا يتجزأ من نضاله الوطني العام. وهل كان الحكيم يطرح شعار الوحدة الوطنية على أساس التفريط بالثوابت الوطنية؟ بالطبع لا، بل على العكس من ذلك تماما، كان شرطه للوحدة الوطنية هو التشبث بهذه الثوابت والدفاع عنها.
عاد هذا الشعار ليحتل مؤخرا مكانا مركزيا في نشاطتنا السياسية بعد الصراع الدامي الذي شهدته جهات معينة من فتح وحماس وحسم الوضع لصالح حماس في قطاع غزة. وأصبحنا نردد كالببغاوات:" يا هنية ويا عباس وحدتنا هي الاساس". وقد كان يمكن التغاضي عن ذلك ما دامت هذه الهتافات تصدر بحسن نية من قبل جماهير اثار سخطها التشرذم السائد والذي لا يفيد سوى إسرائيل التي تقصف وتغتال في غزة وتبني المستوطنات والجدار في الضفة وتقتل وقت الحاجة ايضا ولا يسلم من شرها أحد. ولكن عندما يتناول هذا الشعار سياسيون لكي يمرروا مفهومهم الخاص له تتغير النظرة تماما. مثلا عندما نشر الشيخ ابراهيم عبدالله في جميع وسائل الاعلام العربية مقالا تحت عنوان: "نعم هناك حل للأزمة الفلسطينية" وبه يحاول أن يلقي المسؤولية بالتساوي على الطرفين (فتح وحماس)، يقفز عن أسباب الصراع وجوهرة ويطالبهما بالعودة للوحدة وكأن الامر لا يعدو كونه أكثر من طوشة عمومية يمكن إحتواءه ببوس اللحى.
والمثال الآخر، ما قاله الشيخ هاشم عبد الرحمن رئيس بلدية أم الفحم التي استضافت المظاهرة القطرية ضد إجتياح غزة يوم الثلاثاء الماضي والذي هتف من على المنصة: "يا هنية ويا عباس وحدتنا هي الاساس" و "يا عباس ويا هنية وحدتنا وحدة قوية" وفسر كلامه لاحقا عندما قال: أن المقاومة لا تجدي بدون الوحدة وأن المفاوضات ايضا لا تجدي بدون الوحدة، وعلى المقاوم والمفاوض أن يتحدوا.
ولكن كيف يمكن يا شيخ أن يتحد المقاوم الذي يقدم الشهداء مع المفاوض الذي يقدم للعدو التنازلات المجانية عن الثوابت الوطنية؟ كيف يمكن أن تقاوم القوات الاسرائلية الغازية وتتحد مع الذين يقدمون لعدوانها التبريرات بل وأكثر من ذلك يساهمون بفرض الحصار ويلهثون وراء أوهام الحلول الامريكية – الاسرائيلية؟. هل يمكن أن نسمي مثل هذه الوحدة وحدة وطنية؟
مما لا شك فيه أن الوحدة الوطنية تطوي في أحشائها عنصر التنازلات المتبادلة. ولكن ألا ينبغي أن يكون هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها؟ لقد أصبح واضحا أمام كل مراقب قيام معسكرين متناقضين بل متناحرين الاول يضم أمريكا واسرائيل وحلفائهما من الانظمة العربية "المعتدلة" في المنطقة بما فيها رئاسة السلطة الفلسطينية ومعسكر المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية وجماهيرها الداعمة. وكلما تفاقمت الازمة كلما تسارعت عملية الفرز وإشتدت التناقضات . حتى أصبحت الوحدة بين طرفين أو أكثر متواجدين في كلا المعسكرين مستحيل أن تكون وحدة وطنية. إذ لا يعقل أن تسير في ركب الامبريالية الامريكية وتدعي مقاومة الامبريالية، لا يمكن أن تقدم التازلات عن الثوابت الوطنية لاسرائيل على طبق من ذهب وتدخل في عملية مفاوضات عبثية وعقيمة وتدعي مقاومة الاحتلال.
لا يمكن الاستخفاف بعقول الجماهير الى هذا الحد. كل فرد فينا، حتى اولئك البعيدين كل البعد عن النشاط الوطني المباشر والذين بنقصهم الوعي السياسي، يعرف ما هي سياسة اسرائيل الحقيقية. وهي لا تخفيها اصل، بل تعلنها بمناسبة ومن غير مناسبة وفي كافة وسائل الاعلام العبرية والعربية والعالمية انها لن تقبل في يوم من الايام عودة اللاجئين الفلسطينيين ولن تنهي الاحتلال ولن تقتلع المستوطنات. ولنسأل انفسنا سؤالا بسيطا: ماذا كانت نتائج المفاوضات طوال 15 سنة منذ توقيع اتفاقيات أوسلوا وحتى اليوم؟
نعم للوحدة الوطنية على اساس الثوابت الوطنية المتعارف عليها ولا للوحدة مع عملاء على شاكلة لحد وكرزاي. نعم لوحدة القوى التي تخوض النضال من أجل انتزاع الحقوق الوطنية المشروعة ولا للوحدة مع تيار التفريط والمساومة.
علي زبيدات - سخنين
No comments:
Post a Comment