العمى الآني والمستقبلي للإسرائيليين من أصل عربي فلسطيني
أتحفتنا مؤخرا اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل ممثلة برئيسها الذي هو في الوقت نفسه رئيس لجنة المتابعة معززا ب 40 من "المثقفين" و"الناشطين" بورقة هزيلة سموها وثيقة وإختاروا لها عنوانا براقا: "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل". نظرة سريعة على هذه الورقة لا تبقي مجالا للشك بأن هذا التصور إن دل على شي فأنه لا يدل إلا على عمى في البصر والبصيرة للذين كتبوه، وهو لا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد الى جماهيرنا العربية الفلسطينية. بل يعبر عن أحلام وأوهام المتأسرلين (الذين يبذلون كل طاقاتهم لكي تحتضنهم إسرائيل وتمنحهم المواطنة) والذين هم في احسن الاحوال يعودون بأصولهم للشعب العربي الفلسطيني. هذا ما سأحاول إثباته في السطور التالية.
أنا أعرف، ويعرف الكثيرون غيري أن صدى وتأثير هذه الورقة (على الدولة وعلى الجماهير) لن يكون أكثر من زوبعة في فنجان بالرغم من تضخيمها من قبل المبادرين اليها وتوجههم للاعلام الاسرائيلي وإستجدائه كي يروج لهذه الورقة الصفراء.
لقد كان من الافضل تجاهل ما جاء في هذه الورقة حتى تموت موتا طبيعيا في لحظة ولادتها أو بعد عمر قصير. غير أن الوقاحة التي ظهر بها المبادرون فاقت كل حد حتى أصبح من العار والشنار على كل من قرأ هذه الورقة وشعر انها تطفح ليس فقط بتزيف الحقائق والتاريخ بل بتزييف الهوية أيضا أن يصمت. وأقصد بالوقاحة تلك الجملة التي إستهلوا بها منطلقهم: " نحن، العرب الفلسطينيين في إسرائيل، أهل الوطن الاصليون ومواطنون في الدولة وجزء من الشعب الفلسطيني والامة العربية والفضاء الثقافي العربي والاسلامي والانساني"
من الذي أعطاكم الحق بالكلام بإسم الجميع؟ وهل سألتم أحدا غير انفسكم قبلوا أن تنشروا هذه الورقة التافهة؟ لو تكلمتم بإسمكم فقط، وعرضتم بها وجهات نظركم، والله لما كانت هذه الورقة تستحق العناء ليس لكتابة سطر عنها فحسب، بل لا تستحق عناء قرائتها ايضا. ولكن لكي لا تقولوا مستقبلا أن السكوت هو علامة الرضى.
وبما أن المبادرين معروفون ولم يستحوا أن يذيلوا أسماءهم في نهاية الورقة فلن أستحي بدوري أنا أيضا من ذكرهم في ردي هذا.
أولا من هي اللجنة القطرية؟ ومن هم رؤساء السلطات المحلية؟ لا أظن اني اتجنى على أحد، والكل يعلم ذلك، إذا قلت أن نصف هؤلاء الرؤساء على الاقل ينتمون بشكل مباشر او غير مباشر للأحزاب الصهيونية وطول حياتهم وهم يعتاشون على الفتات الذي تقدمه المؤسسات العنصرية الاسرائيلية مقابل خدمات هم يعرفونها جيدا. اما النصف الاخر من الرؤساء المحسوبين على "الاحزاب العربية الاسرائيلية" فهم ليسوا بحالة أفضل من زملائهم السابقين حيث تم إنتخاب جميعهم على اساس عائلي أو طائفي وعن طريق الصفقات الرشوات.أعطوني رئيس سلطة محلية واحد انتخب على أساس برامج سياسية واجتماعية ,انا على استعداد لأقدم إعتذاري للجميع. كلنا نعرف بعضنا البعض جيدا.
وثانيا، من هم الباحثون الاكاديميون والناشطون الذين صاغوا هذه الورقة الهزيلة بعد أكثر من سنة من التداول والاجتماعات وألايام الدراسية في الفنادق والذين بلغ عددهم حوالي 40 باحث وناشط على حد قول إحدى المشاركات الاساسيات؟ هل تمخض الجبل فولد فأرا؟ أهذا كل ما تفتقت عنه عبقرية 40 باحث وناشط؟ ولماذا الرقم 40؟ هل له علاقة بقصة علي بابا والاربعين حرامي؟؟
نظرة سريعة على القائمة المذيلة ونستطيع أن نقرأ المكتوب من عنوانه. تفيد هذه القائمة بأن معظم الناشطين نموا وترعرعوا على أموال صناديق الدو كيوم (التعايش) مثل صندوق أبراهام، اسرائيل الجديدة، فورد، الاتحاد الاوروبي، كونراد ايدنهاور، هاينريخ بويل، فريدريخ نويمان، الخ. الخ. وجل نشاطهم يبذل في مكاتب جمعيات ومنظمات الدو كيوم المكيفة والدافئة مثل مساواة، سيكوي، فان لير، غيفعات حبيبة، ايبكري وغيرها. غني عن القول أن جميع هذه الجمعيات وهؤلاء الناشطين لم يتمرمغوا ابدا في غبار العمل الوطني وبين الجماهير.
أما "الباحثون" فهم من العاملين في الجامعات والمعاهد الاسرائيلية ولكي يحافظوا على وظائفهم وينالوا رضى رؤسائهم هناك، عليهم أن يتبنوا وينشروا ثقافة الدو كيوم وعند الضرورة أن يضفوا عليها صبغة وطنية.
أما القلائل من الاسماء المحسوبة على التيار الوطني الفلسطيني فلا أدري ماذا يفعلون هناك هل جروا ليكونوا شهداء زور أم ذهبوا بمحض إرادتهم وفي كلا الحالتين لا يشرفهم أن يكونوا هناك ويقوموا بهذه المهمة، وأخص بالذكر واكيم واكيم وراوية الشنطي المنتمين الى حركة أبناء البلد التي تعتبر نفسها حركة فلسطينية عربية وها انا أكتشف أنها إسرائيلية أيضا مثل غيرها.
هل يمكن أن تكون إسرائيل دولة للفلسطينيين؟
عندما وقف ثيودور هرتسل قبل أكثر من قرن على شرفة منزله في مدينة فينا في النمسا والتقطت له الصورة التي أصبحت رمزا من رموز دولة إسرائيل وقالوا أنها تجسد الحلم الصهيوني بإقامة وطن قومي "للشعب اليهودي" هل كان هرتسل في الوقت نفسه يهدس بالهم الفلسطيني ويحلم بأن تكون هذه الدولة وطن قومي للشعب الفلسطيني أو لجزء منه أيضا؟
كلنا يعرف كيف قامت دولة إسرائيل، ونردد صباح مساء أنها قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني وإقتلاعه من أرضة وتشريده ونهب أرضه ودياره. ومنذ ذلك الحين وحتى هذا اليوم ما زالت هذه الدولة تعمل على تخليد عملية التشريد للشعب الفلسطيني وتمنع عودته وتمارس القتل والبطش في حقه. هل يمكن لهذه الدولة أن تكون دولة لفلسطيني واحد يحترم نفسه؟ يحترم هويته وإنتماءه؟ يحترم دماء شهداءه؟ هل يعقل أن تكون دولة إحتلال إستيطاني دولة للشعب المحتل، المشرد والمضطهد؟ المنطق يقول ان ذلك مستحيل وتاريخ الشعوب التي ناضلت ضد الاحتلال والاستعمار من أجل الحرية والاستقلال يؤكد ذلك أيضا.
أما "المتصورون" فيقولون أن هذا ليس ممكنا فحسب بل هو واجب وضروري أيضا. جاء في الورقة:" لذلك نطالب بنظام ديموقراطي توافقي يمكننا من المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار والسلطة لضمان حقوقنا القومية والتاريخية والمدنية الفردية والجماعية" ماذا يعني ذلك؟؟ هل يجب علينا أن نشارك في القرار الذي يتخذه اولمرت وبيريتس بشن الغارات على غزة وهدم بيت حانون وأغتيال عائلات بكاملها؟ وهل يجب أن نطالب الدولة بأن تشاركنا بالقرارعندما تشن الهجوم على أهلنا في النقب ونساهم في نهب أراضيهم ومنحها للمستوطنات؟ وفي مكان آخر يقول المتصورون في سياق المكانة الحقوقية للفلسطينيين:" نسعى الى تحقيق المساواة والشراكة الفعليتين على المستوى القومي-الجماعي والى مكافحة ظروف التبعية الرسمية والتبعية الاقتصادية..." هكذا إذن يجب أن نكون شركاء حقيقيين في نهب أموال الغائبين ويجب أن نكون شركاء في نهب هضبة الجولان وخيراتها ومياهها. ويجب أن تكون شركاء فعليين في قمع أهلنا في الضفة وغزة. وفي مكان آخر يقولون:" يتطلعون (اي الفلسطينيون) الى تحقيق المواطنة الكاملة في الدولة ومؤسساتها وتحقيق إدارة ذاتية تضمن لهم حق إدارة شؤونهم..." إذا لم يكن هذا الكلام أسرلة مفضوحة فهل من أحد يتكرم ويشرح لي معنى الاسرلة؟
تريدون المواطنة الكاملة في دولة عنصرية كولونيالية؟ هذا حقكم مارسوه لوحدكم وكما شئتم ولكن رجاء، لا تتكلموا بإسمنا ولا تجرونا معكم الى هذا المستنقع العفن. تريدون تحقيق المواطنة الكاملة في مؤسسات هذه الدولة أيضا؟؟ وهل تدرون ما هي مؤسسات الدولة التي تلهثون وراءها؟ إنها الجيش الغاصب الذي لم يتوقف عن قتل الفلسطينيين من عام 1948 وحتى اليوم، أنها الشرطة التي تطلق النار على المتظاهرين العزل، أنها السجون التي تحتجز خيرة أبنائنا، انها المخابرات على جميع أشكالها والتي جعلت من القمع خبزها اليومي.
كفى كفى لقد فقأتم عيوننا وانتم تكتبون في كل سطر: العرب الفلسطينين في إسرائيل. نحن العرب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة منذ عام 1948، المغتصبة، الممزقة، المغدورة،التعيسة، المتاجر بها بثمن بخس، ولكننا لسنا العرب الفلسطينيين في إسرائيل، ولماذا لا تبقوا الحصوة تقولها صراحة: الاسرائليين العرب الفلسطينيين؟؟؟ يستطيع كل واحد منكم أن يقف على منصة الكنيست ويقسم يمين الولاء ويشارك في المؤتمرات التي تنظمها جمعيات الدوكيوم ويقول بفخر وإعتزاز: نحن العرب الفلسطينيون في إسرائيل أو الاسرائيليون، او مواطنوا الدولة، المعنى واحد وواضح في الوقت نفسه.
بالنسبة لنا الامر يختلف تماما. يوجد هناك تناقض مباشر وتناحري بين هويتنا كعرب فلسطينيين وبين أن نكون إسرائليين. لا يمكن أن تكون عنصري ومعاد للعنصرية في آن واحد، لا يمكن أن تكون فاشيا وديموقراطيا في آن واحد ولا يمكن أن تكون فلسطينيا وإسرائيليا في آن واحد أيضا.
نعم هذا الوطن(السليب) هو وطننا وهذه الارض (المغتصبة) هي أرضنا ولكن هذه الدولة ليست دولتنا ولا يمكن أن تكون كذلك. الدولة وعلى مدار تاريخها ترفضنا كمواطنين، وهي على حق في ذلك فقد قامت رغما عنا، ونحن من جانبنا يجب أن نرفضها كدولتنا ونحن على حق في ذلك. ينبغي أن يكون الشعور متبادلا.
هل نحن أقلية؟ أم أقلية قومية؟
جميع نشطاء الدوكيوم والمثقفين المتأسرلين يستعملون هذا المصطلح في كل مناسبة ومن غير مناسبة. هذا المصطلح الذي كان محببا على مؤسسات الدولة في الماضي، حيث كانوا يصفوننا ب: أبناء ألاقليات "בני מיעוטים" ولا أدري لماذا تركته هذه المؤسسات. فجاء مثقفونا وزادوا عليه كلمة قومية فأصبحت أقلية قومية. وكأننا قبل ذلك كنا نعتبر من سكان إسكندنافيا. وأصبحنا نستعمله نحن أيضا في مناسبة ومن غير مناسبة بدون أن نفقه ما نقوله.
الاقلية القومية تشير في الوقت ذاته على أغلبية قومية، فمن هي هذه الاغلبية القومية يا ترى؟ طبعا المقصود الاغلبية اليهودية، وهذا يعني اننا تبنينا المبدأ الاساسي الذي تروج له الايديولوجية الصهيونية وهو أن جميع اليهود ينتمون الى قومية واحدة، فاليهودي الامريكي واليهودي الاثيوبي واليهودي المغربي ينتمون الى قومية واحدة. وهذا أمر غير واقعي وغير صحيح ويرفضه حتى معظم اليهود الذين فضلوا أن يبقوا خارج "الوطن القومي اليهودي".
والاقلية القومية تعني الاعتراف بسلخنا عن شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. ولا يفيدنا لو كررنا الف مرة مقولة: نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. وهو يعني سلخنا عن أمتنا العربية التي تجاوزت 250 مليون نسمة، وإلا كيف نكون أقلية؟؟ وهي تعني ألاعتراف بحدود الدولة الراهنة التي لا تعرف هي نفسها أين حدودها. لذلك يجب مقاطعة ومحاربة أستعمال هذا المصطلح المشوه.
يشكل هذا جانب واحد من رداءة وسوء هذه الورقة، ورد في المحور الاول المسمى: "العرب الفلسطينيون في إسرائيل وعلاقتهم بالدولة" وفي المحور الثاني بعنوان: "المكانة الحقوقية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل". هذا لا يعني إن الجوانب الاخرى، أو المحاور الاخرى كما أطلقت عليها الورقة هي بأفضل حالا. فجميعها ينضح بالكلام المغشوش، حتى ولو تقنع بشعارات رنانة أكل الدهر عليها وشرب.
في "التصور المستقبلي" لا يوجد أي تصور لحل القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين. هل سقط ذلك سهوا أم كان مقصودا لإرضاء الاحزاب العربية الاسرائيلية ونشطاء ومثقفي الدو كيوم؟ أن معظم هؤلاء يحمدون ربهم بأن أتفاقيات أوسلو تجاهلتهم واراحتهم من مسؤولية القضية الفلسطينية، ويستطيعون الاكتفاء بترديد الجملة التي لا تعني وتقول:" يجب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين".
باقي الكلام حول سياسة الاراضي والتخطيط والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والرؤية التربوية لجهاز التربية والتعليم العربي لا يعدو كونه أكثر من إجترار لأقوال أصبحت ممتهنة من شدة تكرارها وهي لا تشكل أي تصور تحرري تقدمي.
خلاصة الكلام. يريد المتصورون أسرلتنا من رؤوسنا الى أخمص أقدامنا. والمصيبة ان ذلك يجري تحت قناع الهوية الفلسطينية العربية. إلا أن هذا القناع مهترئ ولا يستطيع أن يخدع إلا مروجيه. أنني اناشد أبناء جماهيرنا الفلسطينية الغيورين حقا على هويتهم الوطنية أن يفضحوا هذه الورقة وأن يتبينو ويبينوا الغايات الحقيقية للذين يقفون من ورائها.
والاهم من ذلك، ألا تدعوا أحد مهما كان اللقب الذي يضعه أمام أسمه ومهما كانت المعاهد التي يعمل بها والجمعيات التي تحتضنه والصناديق التي تموله أن يتكلم بإسمكم. هويتنا الوطنية هي نحن وهي عزيزة علينا فلا ندع أحدا يعبث بها.
علي زبيدات
19/12/2006
سخنين