نكبة فلسطين التي أحيت جماهير شعبنا ذكراها ال60 لم تقتصر على الارض والانسان، بل طالت أحد العناصر الاساسية للهوية القومية للفلسطينيين الباقين على ارضهم ألا وهي اللغة العربية. لقد عادت نكبة اللغة العربية لتحتل العناويين الرئيسية مؤخرا في أعقاب إقتراح عضوة الكنيست عن حزب الليكود ووزيرة المعارف سابقا، ليمور ليفنات لقانون يلغي مكانة اللغة العربية كلغة رسمية اساسية ويثبت اللغة العبرية كلغة رسمية اساسية وحيدة، وفي أعقاب ردرود الفعل المتشنجة من قبل أعضاء الكنيست العرب وبعض المثقفين على هذا الاقتراح.
أولا وقبل كل شيء، لا يشرف اللغة العربية أبدا أن تكون لغة رسمية في دولة عنصرية هي المسؤولة الاولى عن نكبة الشعب الفلسطيني. ولا يشرفنا نحن، الناطقون بهذه اللغة العريقة، أن تكون لغتنا رسمية في مثل هذا الكيان العنصري.
مشكلتنا ليست عضوة الكنيست ليفنات ومن على شاكلتها من أعضاء عنصريين تنضح بهم الكنيست، بل مشكلتنا الحقيقية تقبع في داخلنا نحن، الناطقين بهذه اللغة. لنسأل أعضاء الكنيست العرب الاشاوس بمن فيهم الوزير العربي والذين يتسابقون "للدفاع" عن اللغة العربية: ما دامت اللغة العربية، على مدار 60 سنة، كانت لغة رسمية، فكم خطابا القيتموه من على منصة الكنيست باللغة العربية؟ وكم التماسا قدمتموه بهذه اللغة؟
قبل أن تطالبوا بجعل اللغة العربية لغة رسمية للدولة لماذا لا تجعلوها لغتكم الرسمية أولا؟ ولمعلوماتكم فقط، عندما تذكرون بلجيكا كمثال على دولة بها لغتان رسميتان، هل تعلمون أن أعضاء البرلمان من الفلمنك يلقون خطاباتهم باللغة الفلمنكية ومن لا يجيد هذه اللغة من الناطقين بالفرنسية فهذه مشكلته؟.
إلا أن نكبة اللغة العربية في هذه البلاد أعمق من ذلك بكثير، وهي تتعدى المتأسرلين على كافة انواعهم وأشكالهم وتكاد تخييم على كافة تصرفاتنا وتفكيرنا. وهذه بعض الامثلة على نكبة اللغة العربية في هذه البلاد:
سرت بالشارع الرئيسي في مدينة سخنين. نظرت يمينا وشمالا الى المحلات التجارية من مطاعم ومقاهي وحوانيت مختلفة وحتى مكاتب اطباء، وكلاء تأمين، ومحامين فوجدت أن لغة الدعايات المكتوبة على اليافطات بالخط العريض الذي يؤذي العيون هي اللغة العبرية، اما اللغة العربية فإما أت تكون معدومة تماما واما انها تظهر بخط رفيع هامشي وكأن صاحبها يخجل من إبرازها. حتى المجمع التجاري الجديد الذي لم يفتح ابوابه بعد فقد وضع واجهته لافتة عملاقة باللغة العبرية "سخنين مول" ولا يوجد أي ذكر للغة العربية. اتابع المسير عرابة البطوف واشاهد الواقع المرير نفسه: يافطات ضخمة، على اليمين وعلى الشمال باللغة العبرية، بالرغم من أن جميع أصحاب هذه المصالح عرب ومعظم زبائنهم عرب. مدننا وقرانا العربية الاخرى لا تختلف في هذا المجال، من حيث المبدأ، عن سخنين وعرابة. هل يوجد وضع أتعس من ذلك؟
مثال آخر: دخلت أحد اقسام البلدية وكان الموظف بصدد كتابة رسالة داخلية الى مدير قسم آخر. سألني عن معنى كلمة باللغة العبرية فأجبته، ومن ثم سالته: لماذا تكتب باللغة العبرية رسالة داخلية الى زميل لك باللغة العبرية؟ فأجابني: هذه هي الاوامر، إذ أن جميع مراسلاتنا باللغة العبرية.
إذا كنا عاجزين عن جعل اللغة العربية لغتنا الرسمية في بلدياتنا وفي مجالسنا المحلية فبإية عين يمكننا أن نطالب الآخرين بأن تكون كذلك؟
لا أريد أن اتكلم عن ظواهر تشويه اللغة العربية بكلمات ماخوذة من اللغة العبرية في حياتنا اليومية، حتى اصبح المثقف منا قبل غير المثقف عاجزا عن إجراء محادثة عادية بسيطة بلغة عربية سليمة. هذه الظاهرة معروفة لنا جميعا، نتكلم عنها كثيرا ونكتب عنها في الصحف ومع ذلك فإنها تتفاقم اكثر فأكثر. ناهيك الى اننا نصدرها الى البلدان المجاورة حتى أصبحنا نعرف في الاردن ومصر من خلال استعمالنا للعربية يشوبها الكثير من المفردات الغريبة القادمة من العبرية.
لنعود الى اقتراح قانون السيدة ليفنات. بالرغم من دوافعها العنصرية ومن نواياها السيئة، فلن يعود قانونها هذا إذا ما قبل الا بالفائدة وبالخير على اللغة العربية. يجب أن نعمل كل ما في وسعنا لكي نحافظ على استقلالية اللغة العربية وفصلها عن المؤسسات الرسمية لهذه الدولة. علينا أن نعمل أكثر من المستحيل لكي نجعل اللغة العربية لغتنا الرسمية الوحيدة، في حياتنا اليومية، في حديثنا وتفكيرنا وأحلامنا. علينا أن نعمل المستحيل وأكثر من المستحيل لكي نحافظ على هذه اللغة وعلى نقائها من خلال التعليم والثقافة والفن. لأنها في ظروفنا الراهنة هي الضمان الوحيد للحفاظ على هويتنا القومية.