الفكرة الخاطئة التي أصبحت تيارا انتهازيا
15 عاما على تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي.
علي زبيدات – سخنين
في مثل هذه المناسبات الاحتفالية، جرت العادة، أن يقدم ممثلو الأحزاب والحركات السياسية والسلطات المحلية والجمعيات الأهلية والضيوف المنتقون خصوصا إذا أتيحت لهم الفرصة ووصلوا إلى المنصة، التهاني للحزب المحتفل في عيد ميلاده وغالبا ما تكون هذه التهاني تحفة في فن المجاملات التي يتقنها هؤلاء الممثلون وتلاقي رواجا في مجتمعنا. في المقابل يقوم الحزب المحتفل بنفش ريشه كالطاووس يتبختر قادته على المنصة بعد أن يعيدوا كتابة التاريخ حتى يبدو وكأن النضال لم يبدأ إلا مع تأسيس هذا الحزب وأن الانجازات التي حققها الحزب بالرغم من المؤامرات والملاحقات لا تحصى ولا تعد. بينما يبقى كل شيء اسمه نقد أو نقد ذاتي مدفونا في صفحات الكتب.
لم أكن ضيفا في المهرجان الاحتفالي الذي نظمه التجمع الوطني الديمقراطي بمناسبة 15 عاما على تأسيسه، وبطبيعة الحال لم أقدم له التهاني. ومن جهة أخرى لا تربطني بهذا الحزب أية علاقة تنظيمية تجعلني أقدم على أي نوع من النقد أو النقد الذاتي. هذا سيبقى متروكا لكوادر الحزب الشابة عندما تبدأ بطرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة المناسبة. لكن إعادة كتابة التاريخ والمغالطات المقصودة التي تضمنتها في الأساس كلمة الأمين العام للحزب عوض عبد الفتاح ورئيس الحزب واصل طه كما تناقلتها وسائل إعلام الحزب نفسه ووسائل إعلام أخرى جعلت السكوت عنها خطيئة خصوصا وأنها تمس نواحي مفصلية تهم كل فرد من أبناء شعبنا.
يقول الأمين العام للتجمع، أن فكرة إقامة حزب قومي عربي جاءت على خلفية التراجع العام الذي خيم على الجماهير الفلسطينية وأحزابها السياسية في أعقاب التوقيع على اتفاقيات أوسلو والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل وعزل جماهير الداخل عن الحل مما أدى إلى اللجوء للأحزاب الصهيونية، خصوصا وأن الحزب الشيوعي الإسرائيلي لم يهتم بتعزيز الهوية العربية الفلسطينية بينما كانت باقي الحركات الوطنية مثل الحركة التقدمية وأبناء البلد تمر بأزمات صعبة، مما حتم ضرورة إقامة حزب جديد لوقف هذا التقهقر. وهكذا بدأت تتحول هذه الفكرة إلى حزب سياسي حتى تحول خطاب التجمع، على حد قول رئيس الحزب: " إلى خطاب السواد الأعظم من أبناء شعبنا".
صحيح أن الحزب تأسس بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو التي فرطت بالعديد من الثوابت الوطنية، وصحيح أن تلك الفترة تميزت بالتقهقر على كافة الأصعدة السياسية والنضالية. ولكن تأسيس التجمع لم يكن ردا على اتفاقيات أوسلو بقدر ما كان نتيجة لها، ولم يكن الهدف منه تكوين سد لوقف حالة التقهقر بقدر ما كان إنجارفا معها. في ذلك الوقت كان زعماء هذا الحزب يكثرون من ترديد عبارة: "التجمع هو سياج هويتنا" ولكن سرعان ما تبين كم هذا السياج منخفض يمكن القفز عنه بسهولة، وكم كان مليئا بالفجوات والخروق. لقد اتضح أن سقف هذا السياج هو زج الحركات التي كانت تطلق على نفسها وطنية للدخول إلى الكنيست الإسرائيلي. ما زلت أذكر النقاشات التي زجت بها حركة أبناء البلد مثلا حيث كان في صفوفها القابل والمتردد والرافض لتحقيق "المشروع القومي العربي" في أروقة الكنيست الإسرائيلي. الرافضون وبعض المترددين هربوا من هذا السياج بعد فترة قصيرة وبقي الآخرون.
لنلق نظرة سريعة على "خطاب التجمع الذي أصبح خطاب السواد الأعظم من أبناء شعبنا" ماذا يقول:
دولة المواطنين أو دولة كل مواطنيها: هذا المصطلح الذي استقاه الدكتور عزمي بشارة من قاموس الثورة الفرنسية الأولى قبل حوالي قرنين ونصف والذي أثبتت الثورة الفرنسية نفسها زيفه وعقمه إذ لا يمكن أن تكون الدولة الطبقية مهما تبجحت بديمقراطيتها دولة لجميع مواطنيها. فكم بالأحرى أن تصبح دولة كولونيالية عنصرية كدولة إسرائيل دولة لجميع مواطنيها؟ نظريا هذا ممكن في حالتين فقط: إما أن يتحول أبناء الشعب الفلسطيني المشرد واللاجئ والرازح تحت نير الاحتلال إلى كولونياليين وأما أن يتحول الكولونياليون إلى مواطنين عاديين. وكلا الحالتين لا تمت إلى الواقع والمنطق بصلة. لا يمكن لدولة إسرائيل أن تخرج من جلدها وتصبح في الوقت نفسه دولة للجميع. هل دولة المواطنين هي تحدي للصهيونية وليهودية الدولة كما يزعم التجمع أم هي محاولة بائسة لمنحها شهادة براءة؟
الحكم الذاتي: هذا الشعار الذي طرحه التجمع منذ اليوم الأول سرعان ما وضعه في سلة المهملات ولم يشرح لنا ما هو مضمون هذا الحكم؟ وكيف يتمشى مع المطالبة بالمواطنة الكاملة ومع سياسة الاندماج في المؤسسات الحكومية؟ ألا يوجد هنا تناقض صارخ؟ إن دل هذا على شيء فأنه يدل على تخبط التجمع على صعيد النظرية والممارسة. إذا كنت تطالب بالمواطنة كاملة فما هي ضرورة الحكم الذاتي؟ مع العلم أن كل حكم ذاتي يبقى منقوصا بالمقارنة مع الاستقلال.
الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية القومية العربية: يطالب التجمع، مثله مثل باقي الأحزاب العربية الإسرائيلية، بالاعتراف بالجماهير الفلسطينية في المناطق المحتلة منذ عام 1948على أنها أقلية قومية. وهذا يعني ضمنا الاعتراف بالسكان اليهود كأكثرية قومية. من هذا المنطلق تستطيع إسرائيل أن تزعم بأنها دولة جميع مواطنيها ولا يوجد هناك تعارض مع تعريفها لنفسها بأنها دولة يهودية ديمقراطية. وبذلك يستطيع قادة التجمع بلا حياء أن يضيفوا توقيعهم على وثيقة الاستقلال الإسرائيلية إلى جانب توقيع الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
الكلام عن الجماهير الفلسطينية في الداخل كأقلية قومية تعني أيضا فصلنا عن شعبنا الفلسطيني في جميع أماكن تواجده حتى ولو كررنا ألف مرة في اليوم أننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. كما تعني قبولنا لواقع تمزيق فلسطين والحدود التي فرضت علينا بالقوة. كما تعني سلخنا عن امتدادنا العربي من المحيط إلى الخليج مهما رددنا عبارات التواصل. يجب أن نعيد تعريف من يشكل هنا الأقلية ومن يشكل الأغلبية.
يجب ألا نحكم على الأحزاب السياسية من خلال ما تقوله عن نفسها في المهرجانات والاحتفالات أو على أساس الانجازات والانتصارات الوهمية التي تحققها. بل يجب الحكم عليها على أساس رؤيتها وخطها السياسي ومن خلال ممارستها السياسية. لنكن جريئين وصريحين ولو لمرة واحدة: هل يوجد لدينا حزب يتمتع برؤيا وخطا سياسيا؟ هل يوجد لدينا أحزابا سياسية أصلا؟ اللهم إذا اعتبرنا هذه القوائم الانتخابية والتركيبات المصلحية والتحالفات الموسمية أحزابا سياسية.
No comments:
Post a Comment