لماذا مقاطعة منتوجات المستوطنات فقط؟
علي زبيدات – سخنين
في الأسبوع الماضي بشرنا بانطلاقة حملتين محلتين لمقاطعة بضائع المستوطنات. الحملة الأولى تحت رعاية وبمبادرة جمعية "إعمار" المقربة للحركة الإسلامية الشمالية والثانية تحت اسم:"الهيئة الشعبية لمقاطعة منتوجات المستوطنات" بمبادرة ومشاركة لجان شعبية، جمعيات أهلية، نشطاء سياسيين وشخصيات مستقلة. وقبلها بعدة أيام أصدرت السلطة الفلسطينية قانونا يدعو إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات.
لا أريد هنا التطرق إلى مسألة ما إذا كنا بحاجة إلى حملتين منفصلتين تم الإعلان عنهما بفارق يوم واحد من نفس المدينة ولكن من فندقين مختلفين في الوقت الذي يدعو الجميع إلى الوحدة وتضافر الجهود بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والمشارب السياسية حتى أن القيمين على هاتين الحملتين لم ينفوا إمكانية وضرورة توحيد الجهود، ولكن متى؟ وكيف؟ الله أعلم.
المسألة الأهم من ذلك حسب رأيي هي: لماذا الدعوة إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات فقط؟ وليس إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية بشكل عام؟ عندما ذكرت هذه الفكرة في اجتماع حملة "قاطع" سارع عدد من المشاركين بوصمها بالمزايدة أو باللاواقعية أو بكلتا الصفتين معا.
في الاجتماع المذكور وزع المبادرون قائمة بحوالي 600 بضاعة يتم إنتاجها في مستوطنات الضفة الغربية والجولان والتي ينبغي مقاطعتها. معظم هذه البضائع غير معروفة وغير ضرورية على صعيد الاستهلاك العادي اليومي. في المقابل يوجد هناك العديد من البضائع الإسرائيلية التي لا تنتج بالضرورة في مستوطنات الضفة والجولان، يستعملها المستهلكون يوميا وتوظف أرباح هذه البضائع لدعم الاحتلال وتستعمل بشكل مباشر أو غير مباشر لقتل أبناء شعبنا، فلماذا الدعوة إلى مقاطعة مثل هذه المنتوجات تكون من باب المزايدة أو الخيال بينما مقاطعة منتوجات لا يعرفها إلا القليلون هي موقف وطني واقعي ومتزن؟
كما قال سكرتير لجنة المتابعة في الاجتماع المذكور وأنا أوافقه الرأي: "إن الهدف من مقاطعة منتوجات المستوطنات هو موقف سياسي، المهم هنا هو ثقافة المقاطعة".
إذن الدعوة إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات ليست دعوة بريئة. فوراء الأكمة ما وراؤها. بالنسبة للقانون الذي أصدرته السلطة الفلسطينية النوايا واضحة. من يأخذ مصداقية هذا القانون على محمل الجد بينما التنسيق الأمني بين السلطة ودولة إسرائيل يجري على قدم وساق؟ وكيف تدعو إلى مقاطعة بضائع الاستيطان وفي الوقت ذاته يقوم رئيس الحكومة الفلسطينية بإقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة على الأراضي المحتلة؟ ما الفرق بين دعوة السلطة إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات وبين دعوتها إلي مقاطعة المفاوضات إذا لم يتوقف الاستيطان؟ السلطة تستعمل كلا الأمرين كورقة ضغط ولكنها ورقة متهرئة لا تضغط حتى على ذبابة. فها هي تعود إلى المفاوضات بشكل أسوأ من السابق. إذا كانت 20 سنة من المفاوضات المباشرة لم تحقق شيئا فماذا سوف تحقق المفاوضات غير المباشرة؟
يؤكد المقاطعون المحليون أن حملة المقاطعة التي أطلقوها لا علاقة لها بحملة السلطة الفلسطينية. هذا ممكن. ولكن هذا لا يقول إنها لا تخدم الغاية السياسية ذاتها. يبدو أن المجتمعين في الناصرة قد نسوا أن يخبروا المشاركين بأن قائمة بضائع المستوطنات التي تم توزيعها قد تم إعدادها من قبل منظمات إسرائيلية ليبرالية تدعو هي الأخرى إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات. وقد أعلن بعض قادة هذه المنظمات عن نيتهم في حضور والمشاركة في جلسة الكنيست التي سوف تناقش هذا الموضوع.
هذه المنظمات الإسرائيلية اليسارية تقول بصراحة ما يجبن عن قوله مقاطعونا. فهذا أوري افنيري يصرح أن منظمته "غوش شالوم" تقوم منذ عشرة أعوام بمقاطعة والدعوة إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات. لأن هذه المستوطنات تكرس الاحتلال وتمنع إقامة الدولة الفلسطينية وتعمل على استمرار الصراع بالإضافة إلى إنها تخرق القوانين الدولية التي تمنع الدولة المحتلة من بناء مستوطنات مدنية على أراضي محتلة.
إذن، الدعوة إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات تنسجم مع الموقف السياسي الذي يطالب بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وجاءت لتخدم هذه الغاية. فلماذا لا يبق مقاطعونا الحصوة ويقولنها صراحة مثل "غوش شالوم"؟
بالمقابل الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية تنسجم مع الموقف السياسي الذي يقول أن دولة إسرائيل كلها دولة استيطان وأن منتوجاتها كلها منتوجات مستوطنات ويجب العمل على مقاطعتها.
وبما أن الهدف في نهاية المطاف هو سياسي تثقيفي ورفع مستوى الوعي عند المستهلكين فما المانع من الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية؟ أنا هنا لا أدعو إلى تجويع المواطنين أو حرمانهم من السلع الضرورية للحفاظ على جودة عالية من حياتهم اليومية. يوجد هناك العديد من البضائع التي يمكن الاستغناء عنها كما يوجد البديل لها من المنتوجات الوطنية المحلية.
كبداية أرى انه من الضروري إتباع الخطوات التالية كوسيلة لرفع مستوى الوعي عند المستهلكين:
أولا: محاربة ثقافة المجمعات التجارية (الكانيونات). لقد أصبحت هذه الأماكن مركز حياتنا ليس للتسوق فحسب بل للترفيه والتسلية وقضاء الأعياد والمناسبات السعيدة. معروف أن أصحاب الشركات الكبيرة في هذه المجمعات هي التي تسيطر على اقتصاد الدولة وسياستها، فلماذا لا نبدأ بمقاطعتها؟. في الفترة الأخيرة نحاول إدخال هذه الثقافة إلى مدننا وقرانا حتى أصبح مقياس تطور المدينة العربية إذا كان فيها " كنيون" أم لا. وغني عن القول إننا بذلك ندخل ونروج للشركات الإسرائيلية.
ثانيا: ما زال تشجعينا للبضائع الوطنية المحلية تشجيعا كلاميا، لأننا نعاني من تأثير الدعاية الاستهلاكية التي تروج للبضائع الإسرائيلية. فلبنة "تنوفا" أفضل من لبنة طمرة وطحينة "تلما" أجود من طحينة "الأمير" وسلطات "شمير" أفضل من سلطات "الشام" الخ. حركة مقاطعة تحترم نفسها يجب أن تقاوم عملية مسح الدماغ هذه.
ثالثا: يجب تشجيع التسوق في الأسواق الشعبية والحوانيت الصغيرة المنتشرة في الأحياء لأنها مصدر رزق لقطاعات واسعة من شعبنا.
إذا كانت مقاطعة منتوجات الاستيطان، حسب الهيئات الشعبية، حق وواجب فإن مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية هي أسمى الحقوق وأعلى درجات الواجب.
No comments:
Post a Comment