فزاعة يهودية الدولة
علي زبيدات – سخنين
تشدد الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة عبر مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية ووسائل إعلامها على شعار: "يهودية الدولة" الصهيونية. فقد طلبت الحكومة الإسرائيلية من الفلسطينيين والعرب أن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية. ومن ثم جعلت هذا المطلب شرطا مسبقا للعودة إلى طاولة المفاوضات وصرحت في مناسبات عديدة أنه لا يمكن التوصل إلى وضع حد للنزاع وإلى التوصل لاتفاقية سلام بدون الاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية دولة إسرائيل.
بالمقابل عارضت الأطراف الفلسطينية الرسمية، وبالأساس غير الرسمية، الاعتراف بهذا المطلب. وفي وقت قصير نسبيا أصبحت هذه المسألة المعركة الأساسية على الساحة السياسية والفكرية في المنطقة. وبذلك نجحت إسرائيل مرة أخرى في تغييب الجوهر الحقيقي لطبيعة الصراع وجره إلى متاهات وهمية لا مخرج منها.
يقول المثل: مجنون رمى حجرا في بئر ومائة عاقل لم يقدروا على إخراجه.
على عكس هؤلاء السياسيين والكتاب والمفكرين، الفلسطينيين والعرب، ممن نواياهم حسنة وقصدهم شريف، وممن ساءت نيته وركب موجة المعارضة لمآرب ذاتية، الذين انبروا لشرح وتفسير لماذا يجب أن نعارض تعريف إسرائيل لنفسها بأنها دولة يهودية، حسب رأيي أنه من الطبيعي أن تقوم دولة إسرائيل بتعريف نفسها من حين إلى آخر لكي تذكر من نسى أو تناسى "كدولة يهودية". وإلا؟ ماذا تريدون منها؟ أن تعرف نفسها كدولة عربية؟ حتى تتسابقوا إلى ضمها لجامعة الدول العربية؟ أم تعرف نفسها كدولة إسلامية وتنضم إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وتأخذ على عاتقها حماية القدس والأقصى؟
هل كانت إسرائيل أصلا من قبل دولة غير يهودية؟ بالرغم من إشكالية هذا المصطلح المبهم الذي يعرف كنهه حتى أصحابه؟ ولكن هذا نقاشا آخر سوف أتطرق إليه فيما بعد. حتى قبل قيامها قبل 62 سنة عندما كانت لا تزال فكرة أو مشروعا غير مكتمل كانت الحديث يدور عن "دولة يهودية".
وعد بلفور ينص بصريح العبارة عن:" إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".لاحظوا أن اليهود الذين ينتمون إلى دول مختلفة وقوميات مختلفة يتم الحديث عنهم كشعب واحد بحاجة إلى وطن. بينما وفي هذا الوعد نفسه يتم الحديث عن الشعب الفلسطيني الساكن في وطنه كطوائف لا غير.
وبعد ذلك في صك الانتداب عام 1922 ذكر أيضا بصريح العبارة أن الهدف من الانتداب هو تهيئة الظروف لتنفيذ وعد بلفور، أي لإقامة "الوطن القومي للشعب اليهودي" في فلسطين. وفي عام 1947 نص قرار التقسيم على إقامة دولتين الأولى دولة يهودية وقد قامت، توسعت، نمت وترعرعت حتى أصبحت غولا يهدد أمن وسلامة العالم، والأخرى عربية أجهضت وهي جنين. وعندما قرأ دافيد بن غوريون ما يسمى وثيقة الاستقلال الإسرائيلية قال: "إننا نقيم الدولة اليهودية، دولة إسرائيل".
إذن لماذا يعود حكام إسرائيل اليوم إلى طرح هذا الموضوع القديم الجديد؟ وما هو جوهر هذه الدولة اليهودية التي يريدوننا أن نعترف بها؟. كنت أتوقع أن يقوم أحد المفكرين العرب بطرح هذا السؤال على ليبرمان مثلا والمشكوك أصلا بيهوديته؟ أو على الرابي عوفاديا يوسف. هل المقصود دولة تقوم على أساس الشريعة اليهودية وقوانين التوراة؟ ولكن معظم اليهود المتدينين المتشبثين بالشريعة اليهودية يعارضون الصهيونية وبعضهم لا يعترف بدولة إسرائيل أصلا. أم المقصود دولة دينية قومية؟ وهل بالإمكان تحويل الدين إلى قومية بهذه السهولة؟ أم المقصود دولة اليهود الذين ما زال أكثر من 60% منهم يسكنون خارج فلسطين المحتلة؟ أم المقصود دولة صهيونية علمانية تتقنع بالديانة اليهودية؟
قبل أن تأتوا إلينا بمطلب الاعتراف بيهودية الدولة نرجوكم أن تعودوا إلى بيوتكم وتتفقوا أولا: من هو اليهودي؟ ومن هو الشعب اليهودي؟ وما هي طبيعة هذه الدولة اليهودية؟
يجمع الكتاب الفلسطينيون أن الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل يعني التخلي نهائيا عن حق عودة اللاجئين. وكأن الدولة قبل ذلك كانت تفتح ذراعيها لاستقبال اللاجئين. ويؤكدون أن الهدف الثاني من هذه الدعوة هو تنفيذ عملية الترانسفير في حق من تبقى في فلسطين بعد نكبة 1948، وكأن دولة إسرائيل أخفت في يوم من الأيام أحلامها ونواياها في ترحيل من تبقى من الفلسطينيين.
لتعرف دولة إسرائيل نفسها كما تشاء. هذا لن يغير من طابعها الكولونيالي الاستيطاني حتى بمقدار وزن جناح بعوضة.
القضية ليست الاعتراف بيهودية الدولة أو عدم يهوديتها. حتى لو أعلنت غدا أنها دولة كل مواطنيها أو دولة ثنائية القومية أو دولة عربية أو إسلامية. القضية هي عدم الاعتراف بهذه الدولة تحت كل التسميات وحسب جميع التعريفات. لأن جميع التسميات وجميع التعريفات لا تمس جوهرها الاستيطاني الزائل.
No comments:
Post a Comment