المهم ألا نزعل الدولة والقوى الديمقراطية اليهودية.
علي زبيدات – سخنين
انتهى يوم الأرض وعدنا إلى بيوتنا منتشين من ذلك النجاح الباهر للمسيرة التي قدرت بعشرات الآلاف، لولا حادثة الصورتين المزعجتين. هكذا نحن دائما، معيارنا الوحيد للنجاح هو الكم وليس الكيف. قبل سنتين، خلال حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، نفشنا ريشنا كالطاووس بعد تنظيم أكبر مسيرة عرفتها الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والتي وصلت حسب التقديرات إلى 150 ألف متظاهر. ولكن هذه المظاهرة "الجبارة" لم تستطع أن تغطي عجزنا نصرة شعبنا في غزة بأية خطوة عملية وأظهرت عقمنا المزمن. كانت تلك المسيرة كما كانت مسيرة الأرض الأخيرة بالنسبة للأحزاب السياسية والزعامات المحلية متنفسا هدفه نزع الفتيل من غضب الجماهير. ومن أجل ذلك دولة إسرائيل مستعدة أن تكون متسامحة إلى أقصى حدود التسامح ولسان حالها يقول: ماذا يضرنا إذا تجمع ألآلاف من العرب في زاوية نائية بإحدى القرى لمدة ساعتين إذا كنا سننعم بهدوء تام كل السنة؟
لم تكن وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية هي الوحيدة التي انقضت على قضية رفع صورة السيد حسن نصر الله وعماد مغنية من قبل ملثمين في مسيرة يوم الأرض في الأسبوع الماضي وجعلت منها القضية الأساسية. الصحف العربية المحلية وخصوصا الحزبية منها هي الأخرى نسيت يوم الأرض وما يمثله والتهت بحادثة الصورتين ولكن من زاوية أخرى وبصورة تختلف عن الصحف الإسرائيلية. فبينما كان هدف الأولى التحريض على الجماهير الفلسطينية التي شلحت من أراضيها وتخويف السكان اليهود حتى يزدادوا عنصرية وكراهية للعرب، كان هدف الثانية الاعتذار أمام ما يسمى القوى الديمقراطية اليهودية والتذلل أمام الدولة. فهذا رجا زعاترة ينشر مقالا على موقع الجبهة الديمقراطية الالكتروني ويتساءل: لمصلحة من رفع صورة نصر الله؟ ويجيب بلا تردد: لمصلحة أعداء شعبنا. ويجزم أن من رفع الصورة من المدسوسين. كان على زعاترة أن يعلمنا كيف عرف ذلك. ويضيف جادي الغازي ممثل "القوى اليهودية الديمقراطية" الذي منحته جماهيرنا شرف الوقوف على المنصة ومخاطبتها بكلام ظاهره معسول وباطنه ملوث: الذين رفعوا الصور هم مستعربين لإثارة الشغب. أما محمد زيدان، رئيس لجنة المتابعة العليا، والذي ألقى الخطاب الرئيسي في مهرجان يوم الأرض باسم كافة الجماهير العربية فقد قال: الشخص الذي رفع الصورة إما أن يكون مدسوسا من قبل المخابرات وإما أن يكون متطرفا وفي كلا الحالتين مرفوض من قبلنا.
وأنا أتساءل هنا: أية ديمقراطية هذه التي تخاف من رفع صورة وتمنعها وتلاحق رافعيها؟ ولماذا في مناسباتهم يرفعون صور هرتسل وجابوتنسكي وبن غوريون وغيرهم من القادة الصهاينة الذين اقترفوا جرائم عديدة في حق الشعب الفلسطيني والإنسانية. ولا يمنعون رفع صور لمجرمين حتى حسب القانون الإسرائيلي نفسه، مثل صور كهانا والسفاح غولدشطاين.
وأتساءل أيضا: لمصلحة من قام البعض بإزاحة اللثام عن وجوه الفتية الذين رفعوا الصور؟ هل حقا لكشف المدسوسين أم ربما كانوا هم المدسوسين؟ لقد شاهدنا هذا الفلم مرات عديدة عندما كان يقوم البعض، وجماهير شعبنا تعرف جيدا لأية جهة سياسية ينتمون، بإزالة اللثام عن وجوه "المدسوسين" الذين رفعوا العلم الفلسطيني في مظاهرات يوم الأرض عندما كان رفع العلم جريمة يعاقب عليها القانون الإسرائيلي الديمقراطي جدا. اليوم طبعا تغيرت الأوضاع وانضم حماة النظام ومكافحي الشغب إلى "المدسوسين" وبات جميعهم يرفع العلم الفلسطيني ويتنافسون فيما بينهم من علمه أكبر.
لقد قررت دولة إسرائيل أن نصر الله من ألد أعدائها كما قررت أن لبنان وسوريا وبعض الدول الأخرى هي دول معادية وكل من يتصل أو يتواصل أو يفكر بالاتصال بها فهو أيضا معاد ويجب معاقبته حسب القانون الإسرائيلي. أي على الفلسطيني الذي بقي في أرضه بعد عام النكبة أن يتبنى النظرية التي تقول أن عدو دولة إسرائيل هو عدوه أيضا حتى ولو كان أخاه. وعليه أن يبرهن كل صباح مدى إخلاصه للدولة ألتي هدمت بيته، سلبت أرضه ومزقت عائلته.
الدولة التي تتغنى بالديمقراطية وتدعي بأن جميع مواطنيها يتمتعون بحرية التعبير عن الرأي إلى جانب الحريات الأخرى وتمنع رفع صورة، مهما كانت ترمز له هذه الصورة هي دولة مريضة تتبنى ديمقراطية مريضة.
لكل شعب الحق في أن يرفع صور أبطاله القوميين ورموزه وشهدائه ومناضليه. فلماذا يحرم الشعب الفلسطيني من ذلك؟ أرى انه من الحق ومن الواجب، في يوم الأرض وفي ذكرى النكبة وفي ذكرى الانتفاضة وكافة المناسبات الوطنية أن نرفع صور قيادتنا الوطنية حتى وإن كنا لا نتفق على كل ما قدموه وعلى كل ما يرمزون إليه. يحق لكل فرد منا، كل حسب قناعاته أن يرفع صورة القائد الذي يريده. ونحن كشعب فلسطيني مشرد ومحتل يناضل من أجل العودة والحرية أن يرفع صورة عزالدين القسام وسلطان باشا الاطرش وعمر المختار وعبد القادر الجزائري وعبد الكريم الخطابي وجمال عبد الناصر وياسر عرفات وأحمد ياسين وجورج حبش وحسن نصر الله وغيرهم من القادة الأحياء منهم والأموات الذين ناضلوا والذين ما زالوا يناضلون من أجل قضايانا العادلة.
حتى اليوم لم نهتم بهذه الناحية التربوية والتعبوية وكلي أمل أن تكون مناسباتنا القادمة مليئة بالصور التي تكرم قياداتنا الوطنية والقومية المخلصة.
No comments:
Post a Comment