من أجل إنقاذ الأرض من يوم الأرض
علي زبيدات - سخنين
لم يعد من السهل الكتابة عن يوم الأرض. خلال 34 سنة منذ يوم الأرض الأول وحتى هذا اليوم كتبنا كل ما يمكن أن يكتب حول هذه الذكرى من كافة أشكال المدح والتقييم والتحليل ولنقد. لذلك ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذه السطور خصوصا وأنني كنت قد كتبت السنة الماضية في هذه الذكرى مقالا بعنوان: "ماذا تبقى من يوم الأرض" ووجدت أن ما كتبته في السنة الماضية يصلح لهذه السنة أيضا، وكأننا لم نتحرك قيد أنملة. وخشيت من اجترار كلماتي وأفكاري تماما كما كنت أنتقد خطباء يوم الأرض الذين يعتلون المنصات في المهرجانات القطرية والندوات المحلية ويتحفوننا بخطاباتهم المجترة التي تفيض بالشعارات الرنانة وكأن الثورة على الأبواب أو وكأنها في مراحل انتصارها الأخيرة.
للوهلة الأولى، هذا الواقع يدفع الشخص إلى الإحباط والحزن. ويطرح السؤال نفسه: متى نتعلم من التاريخ؟ ومتى نتحرر من هذه العقلية التي تقودنا دائما إلى الهزيمة؟ كما كتب نزار قباني قبل أكثر من 40 سنة في أعقاب هزيمة حزيران 1967:
" إذا خسرنا الحرب لا غرابة
لأننا ندخلها
بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة"
فهل من غرابة أننا خسرنا الأرض أيضا؟ مع أننا نحقق انتصارات باهرة في خطاباتنا من على المنصات؟. الجميع يعلم أن 97% من أراضينا قد صودرت منذ قيام هذه الدولة وحتى اليوم ونحن ما زلنا نتغنى بصمودنا وبتشبثنا بالأرض . يقول بيان لجنة المتابعة بأن ذكرى يوم الأرض هي مناسبة وطنية نضالية وكفاحية وحدوية. وأنا أتساءل: بعد أن افرغ يوم الأرض من مضمونه النضالي والكفاحي ماذا تبقى غير الخطابات الملتهبة من على المنصات؟
ويواصل البيان، بعد ذكر سياسة الحكومة في ملاحقة القيادات العربية وتنامي مظاهر العنصرية والفاشية ومواصلة سياسة التمييز العنصري وتصعيد مشاريع التهويد وخصوصا في القدس والمساس بالمقدسات ومواصلة حصار غزة-وكأن هذه السياسة حصرا على الحكومة الراهنة وليست صادرة عن طبيعة الدولة ككل: تناشد لجنة المتابعة الجماهير العربية: "بالمشاركة الواسعة لتكون على مستوى الإحداث والتحديات..." كان حري بهذه اللجنة أن تكون قدوة للجماهير وأن ترتقي هي أولا إلى مستوى الأحداث والتحديات. ولكنها هذه السنة كما في السنوات الماضية كانت غارقة في الجدل البيزنطي هل يجب إعلان الإضراب العام في يوم الأرض أم لا؟ وكان القرار كما هو معروف إسقاط خيار الإضراب وعلينا أن نكتفي بما تجود به قريحة الخطباء من جواهر نضالية.
وهكذا، كلما ابتعدنا عن روح يوم الأرض النضالية كلما ارتفع صراخنا ودوت شعاراتنا الثورية. وبقينا مع ذكرى يوم الأرض ولكن بدون الأرض. وأصابنا ما أصاب النظام المصري المرتمي في أحضان الامبريالية والصهيونية الذي يحتفل سنويا بثورة يوليو ولكن بدون ثورة، أو كما أصاب السلطة الفلسطينية التي تحتفل بالانطلاقة بعد أن أجهضتها وأخمدت أنفاسها.
مما لا شك فيه أن قيادات لجنة المتابعة وخصوصا أعضاء الكنيست العرب والزعامات الحزبية المختلفة سوف يشاركون في فعاليات يوم الأرض وسوف نراهم كتفا إلى كتف في الصف الأول من المسيرة وسوف يتهافتون على الكاميرات ووسائل الإعلام ويحتفظون بخطاباتهم الملتهبة في جيوبهم لكي يفجروها من على المنصات. وفي النهاية سوف يعودون إلى مواقعهم سالمين ولسان حالهم يقول: لقد حققنا نصرا باهرا جديدا. ولكن السؤال يبقى: أين الأرض؟؟
لكي لا تتكرر المأساة، لكي لا نحقق هزيمة جديدة مغلفة بقشور انتصار وهمي، لكي لا نحول يوم الأرض إلى ذكرى ونخسر الأرض، علينا أن نتخلص من العقلية التي تكلم عنها نزار قباني في قصيدته، علينا أن نعيد التفكير في هذه الإستراتيجية العقيمة التي تحول بشكل بهلواني الهزيمة إلى انتصار.
النضال من أجل الأرض هو جزء من النضال من أجل الوطن وكلاهما لا يمكن أن يتم من خلال مؤسسات مخترقة حتى النخاع من قبل الدولة الصهيونية.
No comments:
Post a Comment