الخلافات الوهمية بين أمريكا وإسرائيل
علي زبيدات – سخنين
الخلاف الإسرائيلي الأمريكي الذي طبلت له مؤخرا وزمرت وسائل الإعلام وخصوصا في العالم العربي لا يعدو كونه أكثر من زوبعة في فنجان. منذ قيامها وحتى هذا اليوم اقترفت إسرائيل، وما زالت تقترف، على مرأى ومسمع من العالم وخصوصا ما يسمى "العالم الحر" وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، جرائم تفوق بما لا يقاس من حيث بشاعتها ما تقوم به حاليا في القدس. لنذكر على سبيل المثال لا الحصر جرائم التطهير العرقي في عام النكبة، سلب الأراضي ونهب الممتلكات واحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية والمجازر العديدة التي لم تتوقف حتى يومنا هذا. كانت جميع هذه الجرائم تحظى بدعم وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها عالمها الحر بشكل صريح ومفضوح غالبا وبشكل مبطن أحيانا. واليوم يريدون أن يقنعوننا بأن الخلاف الإسرائيلي – الأمريكي غير مسبوق، وعلى ماذا؟ لأن الحكومة الإسرائيلية أعلنت عن نواياها لبناء 160 وحدة سكن في القدس أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي. وماذا سيحدث لو أعلنت إسرائيل عن مخططها هذا قبل الزيارة أو بعدها فهل سيتغير من الأمر شيء؟ العالم بأسره يعرف إن إسرائيل بدأت استيطانها في القدس الشرقية منذ اليوم الأول من احتلالها في الخامس من حزيران عام 1967، حتى وصل عدد المستوطنين إلى أكثر من 350 ألف مستوطن ( طبعا هذا لا يشمل الاستيطان في القدس الغربية العربية أصلا). هذا الاستيطان لم يكن لينجح لولا الدعم السياسي والاقتصادي الذي قدمته أمريكا وأوروبا لإسرائيل. الخلاصة: هل من المعقول أن يسبب بناء بعض الوحدات السكنية أزمة في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية؟ طبعا ليس هذا من المعقول.
إذن ما هو السر في تطبيل وسائل الإعلام العربية، من حيث الأساس، لهذا الخلاف المفتعل؟ الذي انتهى أصلا بكلمة "اعتذار" قدمها رئيس الحكومة الإسرائيلية رد عليها بايدن، نائب الرئيس الأمريكي بفيض من مشاعر الحب للدولة الصهيونية. في الحقيقة لا يوجد هناك سر ولا يحزنون اللهم إلا في أعين الأغبياء أو إذا لطفنا الكلمات في أعين السذج من الناس. الإعلام العربي الرسمي يريد أن يبرر موافقة دول الجامعة العربية العودة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة هذه المرة. وقد بلغ استخفاف هذا الإعلام الرسمي بعقول الشعوب العربية ذروته: ترى، 20 عاما من المفاوضات المباشرة لم تحقق شيئا يذكر فهل المفاوضات غير المباشرة قادرة على ذلك؟ الإعلام العربي الرسمي مفلس وهذا أمر طبيعي لأنه يروج لأنظمة مفلسة.
إذا كان الخلاف الإسرائيلي – الأمريكي زوبعة في فنجان فإن الأنظمة العربية تطيش على شبر من الماء. العلاقة بين كيان الاستيطان الصهيوني في فلسطين وبين الامبريالية الأمريكية هي علاقة عضوية لا تتأثر بهذا الرئيس أو ذاك، برئيس الحكومة هذا أو ذاك. أنها علاقة تربط نظام امبريالي عالمي واحد متعدد الأذرع. من يراهن على خلاف إسرائيلي – أمريكي تكون نتيجته أن تتخلى أمريكا عن إسرائيل أو أن تمارس ضغطا حقيقيا عليها فرهانه خاسر.
عندما كان لدينا في الماضي تنظيمات يسارية، مهما كانت تعني هذه الكلمة الفضفاضة، ومهما كانت هذه التنظيمات تعاني من جمود عقائدي ومن قطيعة شبه كاملة بين النظرية والممارسة، كانت على الأقل ترفع بعض الشعارات الصحيحة. وأحد هذه الشعارات التي يجب العودة إليها ورفعها عاليا هو الشعار الذي يقول أن النضال من أجل الحرية والتحرير يجب أن يكون ضد العدو المشترك المكون من الصهيونية والامبريالية العالمية والرجعية العربية.
اليوم أصبحت الصورة واضحة تمام الوضوح وأكثر من أي وقت مضى، هناك معسكر واحد موحد، يمارس سياسة واحدة، كل طرف من مكوناته يقوم بدوره على أتم وجه. لا يمكن الانفراد بطرف والتغاضي عن طرف آخر. إذا كان هذا المعسكر يضم الامبريالية العالمية والصهيونية والرجعية العربية وكافة الأنظمة الرجعية في العالم، فلا بد من مواجهته بمعسكر آخر مكون من الشعوب والطبقات المضطهدة في العالم. يجب مواجهة العولمة الامبريالية الرجعية بأممية إنسانية تقدمية. هذا ليس شعارا أكل الدهر عليه وشرب كما قد يظن البعض بل هو حقيقة واقعة ويصبح أمرا واقعيا كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه. إذا كان العالم قد أصبح بالنسبة للنظام الرأسمالي العالمي قرية صغيرة فلماذا ندع هذا النظام يسرح ويمرح بها؟ أليست هي قريتنا أيضا.
ليس من الضروري أن يكون المرء ماركسيا أو إسلاميا لكي يرى كيف تتحول قضايا محلية إلى قضايا عالمية وكيف تتطور التناقضات وتتغير التحالفات وتتحول الظواهر إلى نقيضها.
لقد آن الأوان، في هذه البقعة من الأرض، أن ندرك أن نضالنا من أجل الحرية هو جزأ لا يتجزأ من النضال التحرري الذي تخوضه الشعوب الأخرى في جميع أرجاء العالم لأن معسكر الأعداء واحد. يجب إلا نخدع بالذين يضعون الأقنعة الوطنية والقومية على وجوههم ولكنهم في الحقيقة يخدمون الامبرياليين.
No comments:
Post a Comment