Tuesday, March 02, 2010

الدنيا ما زالت بكل خير


علي زبيدات – سخنين

للوهلة الأولى يبدو وكأن العالم بأسره يقف وراء إسرائيل، يدعم مواقفها، يمدها بالمال والسلاح، يغفر جرائمها ويتجاوز عن خطاياها. فهذه الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة العظمى الوحيدة على كرتنا الأرضية في ربع القرن الأخير تلعب دور الأم الحنون التي تضم إلى أحضانها هذه الدولة المارقة وتؤمن لها الحماية التامة، أما دول الاتحاد الأوروبي فلا تتخلف كثيرا وراء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعامل هي الأخرى دولة إسرائيل برفق ودلال وتمدها بالمساعدات وتتفهم جرائمها وتشاركها في بعضها مثل فرض الحصار الجائر على قطاع غزة. حتى الدول العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر تتسابق إلى طلب القرب من إسرائيل إما علنا وعلى رؤوس الشهود وإما سرا وخجلا من التحت الطاولة.
هذا صحيح، العالم يقف داعما ومؤازرا دولة إسرائيل، ولكن أي عالم هذا؟ انه عالم الأنظمة المكون من المادة نفسها، عالم الطبقات الغنية المسيطرة على زمام السلطة، فما الغرابة في ذلك؟ ألا يقول المثل: الطيور على أشكالها تقع؟
ولكن يوجد هناك عالم آخر، عالم إنساني يتحلى بالأخلاق والضمير الحي. عالم لا يملك المال والسلطة والأسلحة ولكنه يملك ما هو أهم من ذلك بكثير، يملك العاطفة الإنسانية النبيلة التي ترفض الظلم والاستبداد وتختار الوقوف إلى جانب المظلومين أينما وجدوا. وهذا العالم يقف داعما للشعب الفلسطيني ولحقه في الحياة الحرة والكريمة.
إذن، العالم، عالم الشعوب ما زال بألف خير. وقد لمست ذلك مؤخرا خلال رحلتي الأخيرة إلى عقر بعض الدول التي تقدم الدعم اللامحدود لدولة إسرائيل مثل فرنسا وهولندا.
كم كنت سعيدا عندما حضرت حفلا موسيقيا لفرقة محلية تقدم الموسيقى التراثية لإقليم بريتونيا عندما تقدم إلي قائد الفرقة بعد أن عرف إني فلسطيني قائلا: انتفاضة، انتفاضة. لم نتبادل أي كلام آخر ذلك لغياب اللغة المشتركة ولكن هاتين الكلمتين كانتا ابلغ من كل اللغات. وكنت أكثر سعادة عندما دعوت إلى "مهرجان المقاومة" حيث اجتمعت عدة فرق موسيقية تمثل شعوبا تعرضت للتطهير العرقي تعزف موسيقاها الشعبية التي تعرضت للقمع على مر الأجيال. من بينها كانت فرقة من سكان أمريكا الأصليين، من قبيلة نافاهو تطلق على نفسها "بلاك فاير" (النار السوداء) وقد اختتمت وصلتها بأغنية مهداة إلى فلسطين والى نضال الشعب الفلسطيني أسمها: "من جبال أريزونا إلى فلسطين" وكانت هناك فرقتان من قبائل الطوارق الآتية من مالي في افر يقيا وكم كانت دهشتي عندما علمت أنهم يتابعون كل ما يجري في فلسطين ويقارنون نضالهم الطويل من أجل الحرية والاستقلال بالنضال الفلسطيني. وعندما اعتلت المنصة فرقة من سكان استراليا الأصليين الذين تعرضوا هم الآخرين إلى حملات الإبادة العرقية وحييت جميع الشعوب المقاومة ومن بينها الشعب الفلسطيني.
ولكن ذروة سعادتي كانت في هولندا، عندما نحوي سيدة متقدمة بالعمر في إحدى المناسبات وقالت لي: "كم كنت غبية، في سنوات السبعين ذهبت مع باقي زميلاتي للعمل تطوعا في إحدى الكيبوتسات، وقد شغلونا يوما كاملا في قطف الثمار ويوما آخرا في كي الملابس بينما كان أعضاء الكيبوتس يتفرجون علينا بغرور ويعاملوننا باستكبار. لقد شعرت فورا بزيف هذا الحلم الاشتراكي الذي جرف هولندا في ذلك الوقت. أما اليوم فقد زرت فلسطين مرتين، قمت في المرة الأولى بغرس أشجار الزيتون التي يقتلعها المستوطنون وفي المرة الثانية ساعدت المزارعين الفلسطينيين في قطف ثمار الزيتون وما زلت أحتفظ بزجاجة من زيت الزيتون الفلسطيني".
وفي مرة أخرى، بعد إلقاء محاضرة عن الأوضاع في فلسطين أمام شبيبة لحزب ليبرالي يشارك في الحكومة الهولندية ويساهم في سياسة دعم إسرائيل، وقف مجموعة من الشباب وقالوا: لن نسكت حتى يغير حزبنا من مواقفه، يجب أن نطرح على الحزب قطع كل علاقاته بإسرائيل ويجب أن ننضم للحملة التي تقاطع البضائع الإسرائيلية.
العالم الرسمي البشع والجشع، المسئول عن الحروب والإمراض والمجاعات وصناعة الموت والأسلحة يدعم دولة إسرائيل، هل يجب أن نحسدها على ذلك؟ أما لعالم الآخر، عالم الجماهير الشعبية التي لم تفقد حسها الإنساني فإنها تدعم القضية الفلسطينية. ألسنا محظوظين؟
تحاول الدعاية الصهيونية اختراق هذه الجبهة أيضا من خلال ابتزازها عاطفيا لما جرى من أحداث خلال الحرب العالمية الثانية وتنمي الشعور بالذنب عند هذه الجماهير وتصور نفسها كضحية تدافع عن نفسها. علينا مضاعفة الجهود لمواجهة هذه الأكاذيب وفضحها. المعركة الإعلامية لا تقل أهمية عن المعركة السياسية. ونحن نعاني من نواقص عديدة في هذا المجال، خصوصا وأن المسئولين عن الإعلام الفلسطيني ينتمون إلى أجهزة السلطة التي تتمرغ تحت غبار أقدام إسرائيل وأمريكا. مكاتب السلطة الفلسطينية والتي تسمى زورا وبهتانا بالسفارات الفلسطينية تكاد لا تهتم لا من قريب ولا من بعيد بالبعد الجماهيري وبالرأي الشعبي العام وتقتصر على المحافل الرسمية فقط. وتنقل الصورة مشوهة إلى الآخرين وكأننا شعب متسول نبحث عن أية تسوية تنهي النزاع وليس كشعب مناضل متمسك بحقوقه الطبيعية التي تنص عليها كافة الأعراف الإنسانية.
قد يقول البعض أن العالم الرسمي الذي يمد دولة إسرائيل بالدعم هو الأقوى والحاسم، بينما العالم الآخر الذي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني هو الأضعف. غير أن الحقيقة على عكس ذلك تماما: في نهاية المطاف الموقف الأخلاقي وهو الأقوى وهو المنتصر.

No comments: