من أجل أن تبقى ذكرى النكبة حية حتى العودة
علي زبيدات – سخنين
عدنا للتو من مسيرة العودة الثالثة عشرة. آلاف المشاركين جاؤوا من كل حدب وصوب، من أبناء المهجرين ومن كافة أوساط الشعب الفلسطيني والمتضامنين الأجانب واليهود. وقد طغى العنصر الشبابي على هذه المسيرة. إن دل ذلك على شيء فأنه يدل أولا وقبل كل شيء على أن النكبة هي حدث عصي على النسيان وعلى أن حق العودة هو حجر الزاوية في القضية الفلسطينية برمتها. لكن، ويوجد هنا لكن كبيرة.
خيبة الأمل بدأت مع وصول المسيرة إلى نهايتها، إلى منصة المهرجان، أو الأصح إلى منصة الخطابات. حيث هبطنا هبوطا اضطراريا على ارض الواقع لكي نسمع الاسطوانة ذاتها الطافحة بشعارات ما لها رصيد. عدنا مرة واحدة إلى سحر العادة إلى سحر الروتين. أخذت الجماهير تتفرق فورا بعد وصول المسيرة إلى نقطة نهايتها حتى أن الخطيب الأخير وجد نفسه يخطب أمام كراسي شبه فارغة.
هذه الظاهرة شاهدناها في معظم مسيرات العودة السابقة وكذلك في مظاهرات يوم الأرض. ففي مسيرة يوم الأرض الأخيرة التي شارك بها عشرات الآلاف جاءت نهايتها تعيسة بالرغم من تدارك المنظمين والاختصار بالكلمات.
إذن، مظاهراتنا ناجحة، تستقطب أوساطا واسعة من الجماهير وخصوصا من جيل الشباب وتعج بالنشاط والحماس. ولكن مع ذلك تبقى عقيمة، فلم نستطع وقف عمليات مصادرة الأرض أو استعادة أية أرض مصادرة ولا استطعنا أن نجعل من حق العودة مشروعا عمليا قابلا للتحقيق. وكأننا أمام المثل الذي يقول: لقد نجحت العملية لكن المريض مات.
نقف هنا أمام لغز لا بد من محاولة فك أسراره بكل جرأة وصراحة. حسب رأيي، في هذه القضية بالذات، تقع المسؤولية الأساسية على عاتق القيادة. وفي حالتنا هذه على لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين المدعومة من قبل لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية. تعمل كلتا اللجنتين تحت سقف سياسي واحد منخفض جدا، على المواطن أن يحني هامته لكي لا يدق رقبته. القضية ليست قضية شخصية، فبعض أعضاء الإدارة في لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين من أصدقائي وأنا لا اشك أبدا بإخلاصهم لقضية العودة. لكن هذا لا يمنع أن يكونوا أعضاء إدارة فاشلين.
في ظروف الصراع طويل الأمد تكون القيادة عادة مسئولة عن الانجازات والنجاحات والايجابيات كما تكون في الوقت نفسه مسئولة عن الفشل وعن النواحي السلبية. إلا في واقعنا فإن القيادة مسئولة عن الشق الثاني أما الشق الأول فإنه موجد رغما عنها وليس بفضلها. وإلا كيف نفسر حالة الحماس الجماهيري من جهة والدور الكابح التي تلعبه القيادة من جهة أخرى؟
تغيب لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين عن الساحة السياسية 364 يوما في السنة وتظهر في يوم واحد هو ذكرى النكبة. وهكذا أصبحت النكبة ذكرى وليست واقعا يوميا تعيشه جماهير شعبنا بكل تفاصيله. ماذا تفعل لجنة المهجرين طوال السنة؟ اللهم غير بعض الاجتماعات بين أربع جدران في إحدى الغرف النائية؟ قبل عدة سنوات حاولت اللجنة القيام برحلات إلى القرى المهجرة لتعريف الجيل الناشئ عليها ولكن سرعان ما توقفت ولا أدري ما السبب. قبل حوالي عشر سنوات حاولت اللجنة وضع لافتات تشير إلى مواقع القرى المهجرة ولكنها سرعان ما نبذت هذه المبادرة، واليوم من بين القرى المهجرة ال530 التي يجري الحديث عنها لا يعرف منها على الصعيد الجماهيري سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
الإعلام الذي أصبح وسيلة ضرورية في عالمنا الحديث للدفاع عن أية قضية يبدو انه مصطلح غريب عن لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين. اللجنة تفتقر إلى موقع على الشبكة الالكترونية يكون على مستوى القضية التي تدعي أنها تمثلها. حتى أنها لا تملك عنوانا ثابتا لكي يتم التواصل معها، بريدها الالكتروني لا يعمل وربما لا يعرف أعضاء الإدارة كيفية استعماله. لا يوجد أحد من أعضاء الإدارة يتكلم اللغة الانجليزية بطلاقة حتى يستطيع أن يعبر عن قضيته أمام المحافل الأجنبية فردية كانت أم مؤسساتية. النتيجة هي أن لجنة الدفاع عن المهجرين فشلت فشلا كاملا في جعل قضية مهجري الداخل جزءا لا يتجزأ من قضية اللاجئين.
لا أدري ما هو الوضع التنظيمي الداخلي للجنة ولكن واضح إنها جسم مغلق يرفض قبول دماء جديدة في شرايينه.
حتى لا تصبح النكبة مجرد ذكرى ولكي لا تبقى العودة حلما بعيد المنال يجب العمل على تغيير هذه القيادة تغييرا جذريا وتغيير العقلية المتحجرة التي تتحكم بممارسات متخذي القرارات.
مسيرة العودة، كما مسيرة يوم الأرض ومسيرة انتفاضة الأقصى يجب أن تبقى وتزداد زخما ولكن في الوقت نفسه يجب الحذر من محاولات إفراغها من مضمونها الثوري التقدمي، ترويضها وجعلها وسيلة للتنفيس من غضب الجماهير وحرفها عن مسارها الصحيح. على هذه المناسبات أن تبقى ينبوعا متدفقا للنضال الذي لا ينضب حتى تحقيق العودة والتحرير.
No comments:
Post a Comment