Tuesday, June 17, 2008

قطاع غزة: سنة أولى حماس



قبل سنة، في أعقاب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، كتبت قائلا:" لم ولن اذرف الدموع على تنظيف غزة من موبقات عصابات ما يسمى بالأمن الوقائي التي شكلها دحلان بتمويل وتسليح وتدريب إسرائيلي- أمريكي لكي تسهر على أمن قوات الاحتلال الإسرائيلية زارعة في الأراضي الفلسطينية الموت والدمار والخوف". وأضفت قائلا:" ولكن، وفي الوقت نفسه لم ولن أصفق لحماس ولانتصارها الباهر، هذا الانتصار الذي هو أشر من الهزيمة. لم ولن أوزع الحلوى وأشارك نسائهن الزغاريت وأطلق النار بالهواء واصرخ: الله أكبر، الله وأكبر وكأنهم حرروا تل أبيب".
سنة طويلة مرت على تلك الاحداث، سنة غزيرة بالدم الفلسطيني، خصبة بالألم والمعاناة والجوع والحصار. نعم، لقد تخلصت جماهير غزة من موبقات عناصر الامن الوقائي الفاسدين غير المأسوف عليهم من غير رجعة، ولكن السؤال الذي ينبغي أن يسأل بعد مرور سنة هو: هل إستطاعت القيادة البديلة لحركة حماس أن تقود الشعب الى بر الامان؟ او على الاقل هل استطاعت أن تدخل بصيصا من النور الى مستقبل نفق غزة المظلم؟
لا أريد هنا ان أتكلم عن الحصار التجويعي المجرم الذي يفرضه العالم أجمع على قطاع غزة. وأنا اقول العالم اجمع وهذا لا يعني اسرائيل وامريكا فحسب بل اولا وقبل كل شيء الدول العربية والسلطة الفلسطينية. إن هذا الحصار هو وصمة عار في جبين الانسانية ولكن في المقام الاول في جبين الوطن العربي من المحيط الى الخليج. لماذا نلوم الاسرائيلي الغاصب لإغلاقه المعابر ولا نلوم أكبر دولة عربية لإغلاقها معبر رفح والتهديد بكسر رجل كل من تسول له نفسه إجتياز الحدود بحثا عن رغيف الخبز؟ وكيف لا نلوم السلطة التي تحرض النظام المصري وتحذره من إجتياح الفلسطينيين للحدود المصرية؟ أمور لا تصدق.
ولكن هذا الحصار الاجرامي يجب الا يشكل تبريرا لأخطاء حماس أو غيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، ويجب ألا يكون شماعة نعلق عليه أخطاءنا وتخبطنا وإنتهازية زعمائنا.
بعد سنة، من حق جماهير الشعب الفلسطيني، وخصوصا جماهير غزة، أن تعرف ما هي حقيقة سياسة حماس وخصوصا في الامور الاساسية التالية:
أولا): الحوار الفلسطيني من أجل إنهاء حالة الانقسام الداخلي: أو كما تصفه السلطة:" إنهاء الانقلاب على الشرعية الفلسطينية". هل يوجد حوار أم لا يوجد؟ ما هي قواعد هذا الحوار إذا وجد وما هي غاياته؟ وهل من أجل الحوار يجب أن نطير من مكة الى صنعاء الى دمشق الى القاهرة؟ بماذا يختلف هذا الحوار عن حوار الطرشان؟ وهل من المعقول أن يؤدي مثل هذا الحوار الى نتائج إيجابية ما دام يقوده ويحدد أجندته رجل المخابرات عمر سليمان؟ يدعو محمود عباس للحوار عندما يشعر بخيبة أمل من صديقه أولمرت ومن وعوده العرقوبية. وذلك لكي يستعمل الحوار كورقة ضغط للحصول على بعض التسهيلات من سلطات الاحتلال يلوح بها لمؤيديه. بينما تدعو حماس للحوار كلما زاد الضغط الاوروبي والعربي عليها. مثل هذا الحوار اصبح يثير الغثيان عند غالبية الشعب الفلسطيني. الحوار الوحيد الذي ينبغي أن يلتف حوله الفلسطينيون بغض النظر عن إنتماءاتهم التنظيمية هو كيفية مواجهة ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي.
ثانيا): التهدئة: أصبح الكلام عن التهدئة بالنسبة لحركة حماس مثل الكلام عن المفاوضات بالنسبة للسلطة. فالكلام حول التهدئة أصبح مثيرا للإشمئزاز لا يقل عبثية عن الكلام حول المفاوضات. في الضفة الغربية تقوم اسرائيل يوميا بتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وبناء الجدار العازل وهدم البيوت والاجتياحات المتكررة للمكان الذي تريده، وبعد هذا كله تنادي للمفاوضات. حيث يبتلع المسؤولون الفلسطينيون هذا الطعم ويطفون على شبر من الماء ويدخلون في مفاوضات لا بداية لها ولا نهاية. أما في قطاع غزة، فهم يقصفون ويدمرون ويغتالون وفي الوقت نفسه يتكلمون عن التهدئة. وكالعادة نسير وراء سراب الوعود الاسرائيلية. ونتحول من ضحايا الى مجرمين في أعين العالم. هل تنسجم المقاومة مع التهدئة؟
ثالثا: يجب على حماس أن تحسم موقفها: هل هي مع اتفاقيات اوسلو أم ضدها؟ لا يمكن أن تمسك الحبل من الطرفين، ولا تستطيع أن تأكل من الكعكة وتبقيها سالمة في الوقت نفسه. إن المواقف المتناقضة لا يمكن أن تنطلي على الجميع والى الابد، بل هي من حيث طبيعتها قصيرة الامد. لا يمكن أن تعارض الاتفاقيات التفريطية وفي الوقت نفسه تنخرط بها. لا يمكن أن تعارض السلطة المنبثقة عن هذه الاتفاثيات وتنخرط بها حتى النخاع. ما الفرق بين التسويات المطروحة وبين التهدئة طويلة الامد التي تتكلم عنها حماس. ومن حقنا أن نتساءل: اليس الصراع بين فتح وحماس هو في نهاية المطاف على سلطة أوسلو؟
في الامور المبدئية المصيرية لا يوجد حل وسط. وينبغي قيادة النضال الى نهايته الحتمية، الى التحرير الكامل والشامل. لقد أثبت الشعب الفلسطيني بالرغم من إمكانياته المحدودة والمتواضعة أنه لا حدود لصموده ولا حدود لتضحياته. المطلوب هنا من القيادة أن تكون على مستوى هذا الصمود. وأن تكون قادرة على تصحيح مسارها.

No comments: