Tuesday, June 10, 2008

جادلهم بالتي هي أحسن يا شيخ


في عدد الاسبوع الماضي من جريدة العنوان الرئيسي (6-6-2008) نشر الرفيق الشيخ عبد الحكيم مفيد مقالا إحتفاليا هجوميا بالانتصار الذي حققته الحركة الاسلامية في جامعة تل ابيب. وأنا اصر على تسميته ب"الرفيق الشيخ" ليس من باب التهكم لا سمح الله بل من باب التحبب، إذ قبل أن يغير قناعاته وينتقل الى المعسكر الآخر كان رفيقا. صحيح كان رفيقا في حركة ابناء البلد وليس في الجبهة الديموقراطية ولكنه في مقاله المذكور لا يوفر احد، فكل من خارج الحركة الاسلامية فهو مستهدف.
للوهلة الاولى يبدو غريبا أن أحشو انفي في هذه المسألة. فأنا كما هو معروف غير منتمي لأي حزب أو تنظيم كان، ولم أعد طالبا جامعيا، مع أني أب لطالبتين جامعيتين نشيطتين. غير أن هذا المقال اعادني الى ذكريات كاد الزمن أن يطمسها عندما كنت طالبا في الجامعة وكنت نشيطا على طريقتي الخاصة (خارج لجنة الطلاب العرب التي يبدو انها لم تتغير كثيرا منذ ربع قرن).
خلاصة المقال المذكور، أن الحركة الاسلامية تمتلك مشروعا بينما باقي التنظيمات، حتى ولو كان لديها مشروع، فمشروعها هو الانتخابات بحد ذاتها. اي أن الانتخابات بالنسبة للحركة الاسلامية هي وسيلة لتحقيق هدف سام. ومن هذا المنطلق فإن الارقام مع اهميتها ليست الاساس. بينما بالنسبة للآخرين قالانتخابات هي الهدف. ولكن في خضم حماسه من نتائج الانتخابات فقد نسي أن يخبرنا ما هو هذا المشروع ؟ اللهم سوى بعض العبارات الروتينية مثل: "التيار الاسلامي شيء طبيعي للغاية في حياة الناس وهو جزء من فطرتهم، اصيلا وليس دخيلا". أو "التيار الاسلامي يعيد ترتيب علاقة الناس بالدين في معظم مجالات الحياة". الخ. ولكن يا شيخ من قال لك أن التيارات الاخرى ليست طبيعية للغاية وليست جزءا من فطرة الناس الذين يؤمنون بها؟ ومن يقول أن التيارات الاخرى لا تعيد ترتيب علاقة الناس، ربما ليس بالدين ولكن في مجالات الحياة الاخرى؟.
يصل مقال عبدالحكيم ذروة تجنيه في العنوان الذي إختاره له وكأن "اصوليات" "وأصوليو" الحركة الاسلامية الذين حققوا الفوز في الانتخابات قد بنو المجد بينما يرتع الخاسرون في "حضيض بوهيميا تل أبيب". مثل هذه الالفاظ لا تليق بك يا شيخ. لا أريد هنا أن اردد مثلنا الممجوج الذي يقول:"إختلاف الراي لا يفسد للود قضية". إذ في كثير من الاحيان وعندما يكون الاختلاف مبدئيا قد يفسد أمور كثيرة. ولكن نصيحة، من شخص غير متدين، أن تضع نصب عينيك في نقاشاتك ومجادلاتك الآية القرآنية المذكورة أعلاه: "وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل 124). فما الفرق بين من يصفونك بالظلامية والتخلف والانغلاق وما الى ذلك من هذه المصطلحات وبين أن تصفهم بالدخلاء والسقوط بالحضيض؟ الشتائم هي الشتائم يا رفيقي ليس عندما تسمعها فقط بل عندما تقولها أيضا.
لنعد الى لجنة الطلاب العرب والى دورها، ولنتطرق قليلا الى دور طلابنا الجامعيين في المجتمع. وأرجو الا أظلم أحد في انتقادي القاسي هذا.
أنا ازعم بكل بساطة وصراحة أن الاحزاب السياسية العربية الفاعلة على الساحة من غير استثناء قد جلبت كافة سلبياتها والصقتها بهذه اللجنة التي تسمي نفسها مجازا "لجنة الطلاب العرب". فكما تكاد هذه الاحزاب لا تتذكر المواطن العادي إلا في ايام الانتخابات كذلك لا تتذكر هذه اللجنة والقوائم التي تؤلفها الطالب العادي إلا في يوم الانتخابات. وكما تثرثر هذه الاحزاب طول الوقت عن خدمتها للجماهير ودفاعها المتفاني عن حقوقها تقوم لجان الطلاب بالثرثرة عن الدفاع عن حقوق الطلاب. ولكن كما تعلم الثرثرة عمرها ما انتزعت حقوق ولا دافعت عنها. الشيء الوحيد الذي كانت لجنة الطلاب تنجح في تنظيمه (قبل حوالي ربع قرن، هل يوجد الآن اي تغيير؟!!) هو حفلة "يوم الطالب" السنوية.
,اكاد أجزم، وقد يكون هناك بعض الاستثناءات، أن الطلاب النشطاء باللجنة، المتفرغين، الكوادر، هم من الطلاب الفاشلين تعليميا والذين يقضون معظم أوقاتهم يتسكعون في الكافيتيريا او ينبطحون على العشب او يحتلون المقاعد في بعض الاروقة الاستراتيجية. وبدل أن ينهوا دراستهم للقب الاول في ثلاث سنوات ينهونها في ست سنوات او يغادرون الجامعة من غير ان ينهوا دراستهم. وفي كثير من الحالات يكونون ممولين من الحزب الام.
يشن عبدالحكيم هجوما كاسحا على الجبهة في شخص صديق سابق له هو المحامي وليد الفاهوم لمشاركته في "التآمر" على طلاب الحركة الاسلامية في الجامعات، وقرر أن يتخلى عن هذه الصداقة بعد أن اكتشف هذا التآمر. ولكن يا شيخ الا تفعل الحركة الاسلامية الشيء نفسه؟ وماذا تردعلى الطلاب الذين يتهمون طلاب الحركة الاسلامية بانهم يتلقون الاوامر من الشيخ كمال أو غيره من قادة الحركة الاسلامية؟ وماذا يفعل أعضاء الكنيست من حزب التجمع في اروقة الجامعة يوم الانتخابات؟ لقد آن الاوان أن يرفع هؤلاء السياسيون الفاشلون ايديهم عن الجامعات وعن طلاب الجامعات. الا يكفيهم ما يسببونه من أضرار خارج الجامعات.
القضية يا شيخ ليست أن يصل التيار الاسلامي (او اي تيار آخر) الى الصدارة أو يستلم الصدارة في هذه الجامعة او تلك. السؤال الذي يجب أن يطرح: ماذا تعمل عندما تستلم الصدارة؟ وبماذا تختلف عن الذين وصلوا للصدارة من قبلك؟ وما هي الطرق التي اوصلتك الى هذه الصدارة أصلا.
هل أظلم أحدا عندما اقول أن الطلاب الجامعيين النشيطين سياسيا (ولا اقول الواعين سياسيا) عندما يعودون الى مدنهم او قراهم يندمجون في مجتمعهم العائلي او الطائفي الضيق او يهتمون بمصالحهم الشخصية ولا يساهمون بمثقال ذرة في خدمة مجتمعهم ورفع مكانته؟
فوز الحركة الاسلامية في انتخابات جامعة تل ابيب ومن قبلها في جامعة حيفا والقدس الذي يتكلم عنه عبد الحكيم ويري به فاتحة لتيار جارف ليس سوى انتصارا وهميا. إذ أن معظم الطلاب غير مبالين وغير مهتمين لا بالانتخابات ولا باللجنة المنبثقة عن هذه الانتخابات (30% من الطلاب فقط شاركوا في الانتخابات).
على عكس عبدالحكيم مفيد الذي تخلى عن صديقه وليد الفاهوم لإختلافهما بالرأي فأنا لا أتخلى عن صداقتهما بالرغم من إختلافي معهما. علينا يا مشايخ ويا رفاق أن نتدرب على التعايش بالرغم من الاختلاف.
من الحري بطلابنا الجامعيين أن ينجحوا اولا وقبل كل شيء في تحصيلهم العلمي وأن يساهموا عند عودتهم الى مدنهم وقراهم في خدمة مجتمعهم ودفعه الى الامام. وهذا لا يتناقض مع التزامهم بقضايا شعبهم اثناء دراستهم ودفاعهم عن حقوقهم.
هذه ليست دعوة للإنفضاض من حول لجان الطلاب العرب في الجامعات ولكنها بالتأكيد دعوة لإعادة بناء هذه اللجان على اسس سليمة خالية من سلبيات أحزابنا السياسية.

No comments: