هل نحن أمام نسخة جديدة من المفاوضات العبثية الاسرائيلية - السورية، على غرار المفاوضات العبثية الاسرائيلية -الفلسطينية؟ وإذا كانت امريكا تملك 90% من اوراق حل قضايا المنطقة فكم تملك تركيا؟ وما هو الفرق الجوهري بين خيار السلام الاسترانيجي الذي إختاره النظام السوري وبين خيار السلام الاستراتيجي الذي إختارته السلطة الفلسطينية؟ هذه الاسئلة والعديد غيرها تجول في الاذهان عند سماع الغزل الراهن بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية.
في الواقع هذا النوع من الغزل بين سوريا واسرائيل ليس جديدا، فقد بدأ بعد حرب تشرين عام 1973 مباشرة في مفاوضات فك الارتباط تحت رعاية وزير الخارجية الامريكي آنذاك هنري كيسنجر والتي تمخضت عن اتفاقية الفصل بين القوات وانسحاب الجيش الاسرائيلي من القنيطرة، ومن ثم محادثات مؤتمر جنيف التي لم تتمخض عن أية نتائج بسبب تعنت الطرف الاسرائيلي ورفضه الانسحاب من هضبة الجولان المحتلة تطبيقا لقراري مجلي الامن 242 و 338 . بينما استمر السادات في المفاوضات التي انتهت بمعاهدة كامب ديفيد. عاد هذا الغزل ليظهر من جديد في أعقاب حرب الخليج الاولى التي شارك فيها النظام السوري الى جانب امريكا وحلفائها فيما يسمى حرب "تحرير الكويت" وذلك في مؤتمر مدريد. مرة أخرى لم يسفر هذا الغزل عن إقامة علاقات عاطفية بين الطرفين ومرة أخرى بسبب التعنت الاسرائيلي. الا ان الغزل بين الطرفين لم يتوقف حيث استمر تحت رعاية الرئيس كلينتون في منتصف سنوات التسعينات حيث لوحت وسائل الاعلام السورية بحصول نوع من التقدم فيما يسمى "وديعة رابين" تروج للمزاعم التي تدعي بتعهد يتسحاق رابين بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967. ووصل هذا الغزل ذروته في نهاية سنوات التسعين عندما كان الطرفان اقرب ما يكونا الى التوقيع على اتفاقية سلام لولا تراجع ايهود براك في اللحظة الاخيرة عن "وديعة رابين".
خلال هذه الفترة كانت الحدود السورية الاسرائيلية الاكثر هدوءا وامنا بالنسبة لاسرائيل.
إذن ما هو الجديد في المفاوضات الراهنة؟ هل هي الوساطة التركية؟ من السذاجة التفكير بأن تركيا تقوم بواستطها بشكل مستقل، فهي في هذا الدور تنوب عن الطرف الامريكي وتتحرك حسب توجيهاته وتعليماته. وذلك لحساسية الدور الامريكي عند شعوب المنطقة، وكأن تركيا كدولة اسلامية لها علاقات جيدة مع كافة اطراف النزاع تصلح أكثر لتلعب دور الوسيط الموضوعي. وفي الوقت نفسه تفوز تركيا برضى الغرب مما يحسن صورتها في الغرب ويزيد من إمكانية قبولها في الاتحاد الاوروبي.
بالطبع سوريا هي الاخرى لها دوافعها الخاصة وأهمها درء الضغوطات الامريكية والاوروبية عنها ومحاولة فك الحصار الاقتصادي المفروض عليها وتحاشي إمكانية التعرض لضربة عسكرية اسرائيلية – أمريكية. وخصوصا وأن الوضع الداخلي للنظام السوري ليس على احسن ما يرام.
أما دوافع الحكومة الاسرائيلية للإعلان عن هذه المفاوضات في هذا الوقت بالذات هي الاخرى واضحة ولا تخفى على أحد. فقد جاءت أولا وقبل كل شيء لإنقاذ الحكومة الاسرائلية من خطر السقوط السريع في أعقاب فضائح الفساد التي تلاحق رئيس الحكومة أولمرت. ولكن هذا ليس السبب الوحيد، وحسب رايي ليس السبب الرئيسي. السبب الرئيسي هو تحييد سوريا وضمها الى معسكر المعتدلين العرب إستعدادا لحرب إنتقامية ضد المقاومة اللبنانية. حتى لو سقطت الحكومة الاسرائيلية الراهنة، فلن تقبل اية حكومة الهزيمة العسكرية التي منيت بها قبل سنتين في لبنان. وكل رئيس حكومة اسرائيلي قادم سوف يحاول الانتقام لهذه الهزيمة، خصوصا اذا كان رئيس الحكومة القادم هو ايهود براك أو بيبي نتانياهو. تحييد سوريا ضروري أيضا في حالة شن حرب على ايران. وكما نرى فإن الحكومة الاسرائيلية تشن حربا تحريضية على مستوى عالمي لتوجيه ضربة قاضية على ايران. ولن يهدأ لها بال حتى تحقق هدفها هذا تماما كما فعلت في التحريض على شن الحرب ضد العراق.
الخلاصة هي أن هدف هذا المفاوضات ليس التوصل الى سلام عادل وشامل في المنطقة، بل هدفها إعادة الترتيبات والتحالفات لشن الحرب القادمة. والا كيف نفهم هذه المفاوضات في ظل الخروقات المتكررة للطيران الاسرائيلي لحرمة الاجواء السورية؟ كيف نفهم تحليقها فوق القصر الرئاسي في اللاذقية؟ وقصف الموقع الذي تدعي بكونه قاعدة نووية؟
تستطيع سوريا في كل مرة تتعرض له للإستفزاز او العدوان الاسرائيلي أن تصرح بأنها " تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن نفسها في الوقت المناسب" ومن الطرف الآخر يستطيع أولمرت أن يصرح بأن " تحقيق السلام مع سوريا يتطلب تنازلات مؤلمة".
نعم، لقد حضرنا هذه المسرحية من قبل مرات عديدة حتى حفظنا كامل فصولها عن ظهر قلب. فلا سوريا تستعمل حقها بالدفاع عن النفس ولا تقوم اسرائيل بتنازلات "مؤلمة". الكيان الصهيوني والنظام السوري يتسابقان مع الزمن تشبثا باللبقاء غير أن الزمن يقهقه ساخرا ولا مباليا بمصيرهما.
No comments:
Post a Comment