حول حق النساء العربيات في الميراث
النساء العربيات محرومات من ميراث عائلاتهم، حيث يستولي الذكور في العائلة على حصصهن بعد أن يرغموهن على التخلي عن حقوقهن ضاربين بعرض الحائط الحق الشرعي الذي تشير إليه النصوص الدينية الإسلامية والمسيحية وقانون الأحوال الشخصية الدرزي الذي يسري على الطائفة الدرزية في البلاد.
هذا ما تقوله جمعية "نساء وآفاق" في مؤتمر صحفي عقدته في قبل أسبوع في الناصرة وأعقبه نقاش مفتوح حول هذا الموضوع. وبما أن هذه الجمعية كما تعترف لا تهدف إلى تغيير أي قانون شرعي لأية ديانة حول الميراث، ولا تنوي حتى مناقشة عدالة أو ظلم هذه القوانين، وكل ما تصبو إليه هو تطبيق قوانين الميراث الشرعية، فقد دعت إلى النقاش ممثلي الديانات الثلاث الذين لم يحضر منهم أحد (مع أنهم وعدوا بالحضور) وأقتصر النقاش على النشيطات ( وبعض النشطاء) من الجمعيات المختلفة.
في بداية المجتمعات البشرية لم يكن هناك لا ورثة ولا ميراث، لا للرجل ولا للمرأة. لم تكن هناك ملكية خاصة لأحد فمن المنطقي الا يستطيع من لا يملك أن يورث. كل شيء كان ملكية عامة للجميع. كان كل فرد يعمل حسب مقدرته ويأخذ حسب حاجته. وقد اطلق علماء الانتروبولجيا على هذه المرحلة من تاريخ البشرية اسم: المجتمع المشاعي الأول. لمن يرغب بمعرفة المزيد عن تلك المرحلة يمكن الرجوع إلى كتاب فريدريك انجلز القيم:" أصل العائلة، الملكية الخاصة والدولة". لم يندثر هذا الشكل من الملكية وهذا الشكل من المجتمع نهائيا من عالمنا، حيث ما زلنا نجد بعض آثاره عند قبائل اكتشفت مؤخرا في الأمازون وعند بعض القبائل الإفريقية.
مع تطور المجتمع البشري وانتقاله من مجتمعات تعيش على الصيد إلى مجتمعات زراعية حصل التقسيم الأول للعمل بين الرجل والمرأة وظهرت العائلة التي يقودها الرجل ومعها ظهرت الملكية الخاصة، التي بدورها أفرزت ظهور طبقات اجتماعية متصارعة. في هذه المرحلة ظهرت الدولة بشكلها البدائي.
هنا فقط ظهرت مسالة الوراثة والميراث. حيث أفرز كل مجتمع من خلال تطوره الحضاري ( الاقتصادي والسياسي والثقافي) مجموعة من القوانين والأعراف لتسوية قضايا الميراث.
كما أن المجتمع الطبقي الذي يقوم على الهيمنة الذكروية وعلى الملكية الخاصة، يفتقد أسس العدالة الاجتماعية كذلك كانت قوانين الميراث العديدة والمعقدة غير عادلة. وكان هدفها الوحيد أن يضمن المالك (الذكر من حيث الأساس) استمرار ملكيته بواسطة أفراد ذريته (الذكور من حيث الأساس). وهكذا كانت النساء أول ضحاياه. ولكنهن لم يكن الوحيدات. فأفراد الطبقات المعدومة أيضا لم يجدوا لديهم ما يورثونه لأبنائهم. في المجتمع الطبقي يرث الفقير فقرا ويرث الغني غنى.
مع إلغاء المجتمع الطبقي ومع إلغاء الملكية الخاصة سوف تزول بالضرورة كافة قوانين الميراث دينية كانت أو مدنية.
بالطبع هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي حتى يزول المجتمع الطبقي. حقوق النساء العربيات في الميراث مهضومة. وهو ليس الحق الوحيد المهضوم. فالمرأة العربية تعاني من الظلم والحرمان في كافة المجالات: في التعليم، والعمل، وداخل العائلة، وفي السلطة. النضال من أجل حصول المرأة العربية على حقها بالميراث لا يمكن فصله عن النضال من أجل إن تنال حقوقها كاملة في كافة المجالات. الحرية لا تتجزأ والنضال من أجلها لا يتجزأ أيضا. وهذا أول خطأ ترتكبه جمعية "نساء وآفاق".
تتفق جمعية "نساء وآفاق" وجمعيات نسويه أخرى والحركات الدينية على أن القوانين الشرعية ليست هي المسئولة عن حرمان النساء من حقهن بالميراث، بل العادات والتقاليد الاجتماعية هي المسئولة عن ذلك. والدليل القاطع على ذلك الآيات القرآنية الصريحة في هذا الموضوع.
غير أن هذه النظرة التبسيطية للأمور تطمس حقيقة القضية وتحرف النضال العادل عن مساره الصحيح. من المعروف أن الآيات القرآنية التي تذكر حق المرأة بالميراث لا تساوي بين الرجل والمرأة حيث تحدد هذا الحق بالنصف أو الثلث أو الربع أو السدس أو الثمن. وفي جميع الحالات يكون حظ الرجل متقدما خطوة على المرأة. وبما أن النص واضح وصريح فقد نشأت حوله صناعة هائلة من التحليلات والتبريرات، تبدأ بمقارنة وضع المرأة العربية المسلمة وما نالته من حقوق بوضعها في الجاهلية أو بوضع المرأة في المجتمعات والحضارات الاخري في العصور البائدة مثل اليونانية القديمة والرومانية واليهودية والصينية والمسيحية. النتيجة الحتمية التي يتم التوصل إليها دائما هي: أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي منح المرأة حقوقها كاملة وهو أول من أعطاها حقها بالميراث. أما منح المرأة نصف ما يأخذه الرجل ما هو في حقيقة الأمر إلا تجسيدا للعدالة الاجتماعية. إذ على عاتق الرجل تقع أعباء مادية تعفى منها المرأة، فالرجل هو الذي يدفع المهر عند الزواج وهو المكلف بالنفقة على زوجته وأولاده وباقي الأسرة. فالمرأة تشارك الرجل بالإرث ولكنها لا تشاركه بتحمل المسؤولية والتبعات، فهي تأخذ ولا تعطي، وتغنم ولا تغرم وتدخر نصيبها من الميراث.
قد يكون هذا الكلام صحيحا نسبيا وله ما يبرره قبل 1400 سنة، ولكن أن يقال ألان، فأنه بمثابة إجرام في حق المرأة. فالمرأة العاملة لا تعمل من أجل شراء مواد الماكياج والملابس الأنيقة وتوفير ما تبقى في حسابها الخاص، بل تساهم وفي حالات عديدة أكثر من الرجل في تحمل المسؤوليات المادية للعائلة. وعندما تعمل خارج البيت بأجور زهيدة وتتعرض للعديد من المضايقات، تعود إلى البيت لتواصل العمل مجانا في خدمة الرجل والعائلة. وبعد هذا كله ما زال هناك من يقول وبكل صفاقة: أن النساء معفيات من تحمل أعباء الأسرة المادية.
الأديان والحكومات والعادات والتقاليد جميعها من غير استثناء، ولكن بدرجات متفاوتة، تضطهد المرأة وتمارس عليها شتى أنواع التمييز والاستغلال والعنصرية، وذلك لأنها جميعا تجليات للسيطرة الذكروية على كافة مجالات الحياة. نحن نطالب بفصل الدين عن الدولة ومنح كل فرد حرية أن يختار ما يشاء. وهذا لا يعني انحيازا للدولة، فالدولة الظالمة لا حق لها في الوجود ويجب مقاومتها.
الميراث على جميع أشكاله المدنية والدينية هو"حق" فرضته القوة، قوة السلطة الطبقية القائمة على الملكية الخاصة.
نعم، يجب إلغاء "حق" الميراث" من خلال إلغاء الملكية الخاصة ولكن حتى ذلك الحين يجب النضال ضد جميع الامتيازات التي يتمتع بها الرجل والمجحفة في حق المرأة ومنها التمييز في الميراث.
No comments:
Post a Comment