ما هي الحرية؟
يوجد هناك أكثر من تعريف للحرية. فمنهم من يقول أن الحرية هي الحق في أن تختار وتوجد لنفسك بدائل اختيار. ومنهم من يقول أن الحرية هي حالة التحرر من القيود المادية والمعنوية التي تكبل طاقات الإنسان. ويؤكد آخر: أن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين. ويضيف آخر: الحرية هي جزء من الفطرة البشرية التي ترفض الخضوع والانصياع للأحكام الخارجية. أي أنها غريزة تولد معنا. ومن هنا قول عمر بن الخطاب: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟؟ وآخر يقول: أن الحرية هي حق ألإنسان في اختيار السلطة التي تحكمه وحقه في المشاركة بها أو المساهمة في تغييرها. بينما يؤكد البعض الآخر على انه لا يوجد حرية بدون مسؤولية، وأن الحرية من غير قانون يضبطها ليست سوى فوضى مدمرة.
هذه التعريفات وغيرها الكثير تتناول جوانب معينة من الحرية ولكننا لا نستطيع بأي شكل من الإشكال إن نعتبرها تعريفا. أصلا كل تعريف للحرية يتناقض جوهريا مع روح الحرية المطلق. حيث أن كل تعريف بصفته تلك، يضع حدودا حول الشيء المعرف ويحاول أن يحصره في إطار واضح المعالم. أما روح الحرية فإنه يستوجب مسبقا عدم الاعتراف بأية حدود. لذلك لن نتوصل أبدا إلى تعريف ملموس، شامل وتام للحرية. فالحرية فكرة مطلقة موجودة فلسفيا على شكل تجريدي مطلق، وهي المقدرة على التحرر من جميع القيود مهما كانت ومن أين جاءت حتى من ذاتها، فلا حدود لها ولا نهاية، إن وجدت بهذا المعنى فهي موجودة في عالم المثل الذي تكلم عنه أفلاطون. أما حريتنا البشرية المتعارف عليها فإنها ليست سوى انعكاس لهذه الفكرة أو ليست سوى جزء محدود منها.
هذا التعريف المطلق والمجرد للحرية لا يقلل من قيمته شيئا. على العكس من ذلك، فهو ضروري لكي لا نفقد البوصلة. بالنسبة لنا، بني البشر الفانين، الطريق إلى الحرية لا يقل عن الحرية نفسها، بل يفوقها أهمية. الحرية المطلقة تتجسد في المجتمع البشري بشكل نسبي وملموس. وهي ككل فكرة مطلقة تتحقق فقط بشكل نسبي. ولكن لا يمكننا أن نطلق ولا بأي حال من الأحوال على هذا النسبي، المحدود، الخاص وكأنه هو المطلق.
الحرية تتناقض وتتصارع مع القوانين والعادات والأفكار والمعتقدات، ولكنها لا تنفصل عنها، انه صراع لا نهاية له. ينتهي لكي يبدأ من جديد. في خضم نضالنا، نحصل على حرية معينة وفي الوقت ذاته نحصل على قيود ولدت من الرحم الحرية التي حصلنا عليها نفسها. فالحرية هي بهذا المعنى النضال الدائم والمستمر ضد "الحرية" التي تحولت إلى نقيضها، إلى قيد أو إلى عبودية.
لذلك، عندما نستعمل هذا المفهوم، أو هذا المصطلح: الحرية، فإننا في الحقيقة نتكلم عن حريات عديدة ملموسة ونسبية. وهي قابلة على التغيير والتحول إلى ضدها. مثل هذه الحريات ليست مقدسة كما قد يعتقد البعض، لأنها في مرحلة معينة وتحت ظروف معينة تكون ذات قيمة أخلاقية وعملية، نناضل من أجلها، ولكن في مرحلة أخرى وتحت ظروف أخرى تتحول إلى ضدها، أي تصبح قيدا ينبغي تحطيمه. إذن يجب أن ندرك هذه الحرية في عملية نشوءها وتطورها وبشكل ديناميكي وديالكتيكي وليس بشكل جامد وميتافيزيقي.
نمارس هذه الحريات أو نناضل من أجل تحقيقها غالبا تحت مسميات أخرى معروفة منها الحريات المادية: حرية الحفاظ على سلامة الذات، حرية الأكل واللبس والمسكن، الحرية التي تؤمن كرامة الإنسان وتحافظ على ماله وعرضه وشرفه، ألحرية في الحركة، منع القتل، التعذيب، الاضطهاد والاستغلال. ومنها الحريات المعنوية مثل: حرية الرأي، حرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد.
هذه الحريات التي نرفع رايتها جميعا ليست مفهومة في حد ذاتها ومقبولة على الجميع. فكم من الجرائم ارتكبت باسم الحرية؟ وكم من الحروب البشعة شنت باسم الحرية. تحت اسم حرية الشعوب يا ما احتلت بلدان واضطهدت أمم وشردت شعوب وارتكبت في حقها المجازر. وتحت اسم حرية السوق يا ما استغلت شعوب بأكملها ونهبت خيراتها. لا يوجد حرية حقيقية ما دامت هناك حروب وجوع وأمراض واستغلال وعنصرية واضطهاد.
ما هو الضمان لوجود حرية إنسانية تحفظ للإنسان كرامته كفرد وكمجتمع وكجنس؟ وتقي البشرية من الاندثار؟ الضمان هو المعرفة والضمير، ولكن هذا موضوع آخر.
No comments:
Post a Comment