لجنة المتابعة الى أين يا شيخ؟؟
على مدى ثلاثة أسابيع نشر الشيخ رائد صلاح في صحيفة كل العرب ثلاث مقالات مطولة تحت عنوان: "لجنة المتابعة الى أين؟" وقد وعدنا الشيخ في بداية مقالته الاولى أن "يضع النقاط على الحروف" ويحاسب "البعض" من الذين يتحدثون بإسمنا من غير أن يخولهم أحد أن يقوموا بذلك. هذا "البعض" الذي يسعى " عن قصد أو غير قصد الى إختزال ماهية المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وكأنهم أقلية عددية يمكنهم الاندماج مع مؤسسات المؤسسة الاسرائيلية...."
بعد مقدمة طويلة استنفذت المقالة الاولى وتركتني انتظر أسبوعا آخر على أحر من الجمر لكي أرى تلك النقاط تسقط على الحروف كالصاعقة وتضبط مرة واحدة والى الابد معاتي كلماتنا ومصطلحاتنا التي نستعملها لتحقيق مآرب فئوية من قبل مسؤولينا او بالاحرى من قبل من وضعوا انفسهم مسؤولين علينا بعد أن إغتصبوا حق تمثيلنا. وجاءت المقالة الثانية ولم أجد مبتغاي. فاضررت ان أكتفي بكلمة يتبع في آخر المقالة وانتظر اسبوعا آخرا لعل النقاط تهطل على الحروف مرة واحدة كما هبطت الامطار على رؤوسنا مرة واحدة في تلك الايام.
غير ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، إذ حدثت في الاسبوع الثالث أهم في القدس، تمثلت بالعدوان الاسرائيلي على الحرم القدسي الشريف، ووقوف الشيخ وقفة مميزة وشجاعة دفاعا عن الاقصى، بينما كانت المؤسسة التي موضوع المحاسبة (لجنة المتابع) تغط في سبات عميق حيث استيقظت منه جزئيا لكي تدعو لاجتماع شخصياتها القيادية، بعد أن هدأت الامور بعض الشيء، وخرجت بقرارات مستعجلة ما زالت حتى الآن حبرا على ورق وعادت لتغط في سباتها العميق مرة آخرى. وهكذا أضطررت للتريث اسبوعا آخر لقراءة المقالة القالقة ولاخيرة. وكم كانت خيبة املي كبيرة وقد أصابني الذهول عندما إكتشفت انه لا يوجد هناك لا نقاط على الحروف ولا يحزنون. والعنوان المثير: "لجنة المتابعة الى أين" بقي من غير خارطة طريق (عذرا على استعمال هذا المصطلح) ولم استوعب حتى الان إلى اين تتجهة لجنة المتابعة.
لا انكر أن الشيخ رائد ذكر الكثير عن الوضع المأساوي الذي تعاني منه "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل" وهذا هو الاسم الكامل لهذه اللجنة منذ تأسيسها قبل حوالي ربع قرن، فهل الآن فقط تفاجأ الشيخ بأن وظيقة هذه اللجنة الاساسية هي تسوية أوضاعنا مع الدولة التي فرضت علينا وليس تسوية وضعنا مع شعبنا الفلسطيني ولا مع امتنا العربية؟
نعم، لقد ذكر الكثير عن غياب هذه اللجنة في كل مناسبة تستدعي حضورها المكثف. خلال حرب الابادة التي شنتها أسرائيل على الشعب اللبناني أجتمعت هذه اللجنة ( التي من المفروض ان تقود نضالات جماهيرنا) بعد مرور 27 يوما على الحرب، اي بعدما لم يبق جسر واحد في لبنان لم يهدم. وغني عن القول انه لم يتمخض عن هذا الاجتماع أي عمل جدي. وعندما اندلعت الاشتباكات المشبوهة بين حركتي حماس وفتح في غزة لم تحرك هذه اللجنة ساكنا واكتفت بتتطير بعض برقيات الاستنكار. وكما سبق وقلت استيقظت على أحداث القدس والناس صارت راجعة.
هذا بالاضافة الى دور هذه اللجنة في تقريغ المضمون النضالي التقدمي للمناسبات الوطنية مثل يوم الارض وأنتفاضة الاقصى، والاكتفاء بتقديم ضريبة شفوية للإستهلاك المحلي وأعمال هزيلة عدمها خير منها.
حتى "الوثيقة" التي طبلت لها لجنة المتابعة وزمرت وساعدتها بذلك بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية، لم يتطرق الشيخ اليها مع انه قال:"وإن كان عندي الكثير مما اقولها حولها" اللهم الا من جانب واحد، وهو أنها لم تصدر عن لجنة المتابعة حيث لم تعرض عليها اصلا ولم تتخذ بحقها اي قرار، بل صدرت عن لجنة السلطات المحلية. وكل ما في الامر أن رئيس لجنة المتابعة، الذي هو رئيس لجنة السلطات المحلية الذي هو نشيط في حزب سياسي معين، هو من قام بنشرها بدون أن تخوله اللجنة التي يراسها بذلك. وهذه إدانة تحتوي على صك تبرئة.
على كل حال، لسنا ألآن بصدد الكلام عن هذه "الوثيقة" التي انتشرت تحت عنوان "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينين في إسرائيل" حيث سجلت موقفي منهاعلى صفحات هذه الجريدة قبل عدة أسابيع وأتهمت في حينه من قبل بعض من طالهم النقد بإن المقالة مليئة بالشتائم.
هكذا إذن، يبدو أن الخلاف بين الشيخ رائد صلاح وقيادة لجنة المتابعة هو خلاف شكلي وليس جوهريا. إذ يعود ويجزم: "لا زلت أؤكد وفق قناعاتي أن لجنة المتابعة هي العنوان العام الذي ينضوي تحته كل مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل على اختلاف أطيافه السياسية، وهكذا يجب أن ينظر اليها الجميع" عفوا يا شيخ، لماذا هكذا يجب ان ينظر اليها الجميع؟ وكما ذكرت في الاستطلاع الذي اوردته: فقط 8% من فلسطينيي الداخل يؤيدون لجنة المتابعة.
منذ سنوات طويلة ونحن نسمع عن ضرورة إعادة بناء لجنة المتابعة. يوجد هناك تصور لحزب التجمع الوطني الديموقراطي لإعادة هذا البناء، ويوجد هناك تصور آخر لأبنا البلد وللحركة الاسلامية وللعديد من الشخصيات المستقلة. ولكن كما يقول المثل: كلام الليل يمحوه النهار وفي تهاية المطاف لا يوجد هناك لا بناء ولا بناؤون ولا مواد بناء ونستمر في حمل نعش لجنة المتابعة في جنازة عبثية لا تنتهي.
وأخيرا توصلت الى إستنتاج، قد أكون مصيبا أو مخطئا فيه: الشيخ رائد والحركة الاسلامية التي يقودها، لا يريدان أن يدقا المسمار الاخير في نعش لجنة المتابعة وذلك لحاجة في نفس يعقوب كما يقولون. ولكن بما انني غير منضبط تنظيميا اسمح لنفسي أن أجتهد أكثر وأكشف هذه الحاجة، وهي أن الشيخ رائد يطمح في أن يتبوأ قيادة هذه اللجنة، وبشكل ديموقراطي. ومن هنا كان تركيزه، كوسيلة لإعادة بناء لجنة المتابعة، على ضرورة انتخاب رئيس لجنة المتابعة وهيئاتها عن طريق انتخابات حرة مباشرة من قبل الجماهير الفلسطينية في الداخل. وأنا بالطبع لا انكر للشيخ حقه في هذا الطموح، بالعكس، فهو أفضل من يمكنه أن يتبوأ هذا المنصب. ولكن...... ولكن
هل حقا تستطيع الانتخابات مهما كانت نزاهتها وديموقراطيتها أن تحل أزمة الهوية التي نعاني منهاا؟ ألم نتعلم الدرس التي تلقنته حركة حماس بعد فوزها بالانتخابات الديموقراطية والنزيهة؟ هل يعقل نجاح حل "ديموقراطي" في ظل الاحتلال؟ أم أننا لسنا محتلين أكثر؟ هل يمكن أن يكون هناك حل "ديموقراطي" ونحن ما زلنا نتخبط في تحديد هويتنا الوطنية؟ ونرضخ لحالة التمزيق التي نعاني منها منذ 60 سنة؟ اليس من الاحرى بنا تسوية علاقتنا بشعبنا وبمؤسساته اولا؟ كيف ستكون علاقة هذا المسخ المنتخب بالمجلس الوطني الفلسطيني؟ والمجلس التشريعي الفلسطيني؟ ومنظمة التحرير الفلسطينية؟ وما هو موقفنا ودورنا (وأشدد على كلمة دورنا) من حل القضية الفلسطينية؟ هذه اللجنة تتصور فقط كبف نسوي وضعنا مع الدولة الاسرائيلية ومئسساتها ومع الكنيست الاسرائيلي . وماذا سيكون موقفنا اذا أفرزت هذه الانتخابات قيادة متأسرلة؟ ونحن نعرف بالضبط كيف تتم الانتخابات في وسطنا العربي، حيث العائلية، والمصالح الشخصية والطائفية وكرم الاحزاب الصهيونية كفيلة بتزيف أكثر الانتخابات نزاهة.
لجنة المتابعة ليست بحاجة الى إعادة بناء بل هي بحاجة الى طلقة الرحمة، فحرام أن تبقى هذه اللجنة مربوطة بجهاز إحياء إصطناعي. إن جماهيرنا بحاجة الى حركه تقود نضاله من أجل الحرية والحياة الكريمة وليس الى لجنة تساوم على حقوقه.
No comments:
Post a Comment