Wednesday, March 14, 2007

بئس العدالة وبئس الدستور

لم نكد نصحو من وقع وثيقة "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" التي أتحفتنا بها لجنة المتابعة قبل فترة، حتى وقعت على دماغنا وثيقة جديدة صادرة عن عدالة-المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل تحت اسم: "الدستور الديمقراطي". ويبدو إن الحبل عالجرار، حيث بشرنا بقرب إصدار وثيقة أخرى جاهزة صادرة عن مركز مدى. يبدو أن المؤسسات العربية الإسرائيلية في سباق محموم مع الزمن وفي تنافس مع بعضها البعض وجميعها تطرح وتناقش مسألة واحدة فقط وهي: ما هي أفضل طريقة لأسرلة الجماهير الفلسطينية في الداخل.
لنعود إلى "الدستور الديمقراطي" الصادر عن جمعية عدالة والتي تضم مختصين بالقانون الإسرائيلي وبالقانون الدولي، أي أنها صادرة عن محامين متخصصين بالموضوع، وكما علمنا منهم أن هذا الدستور هو نتيجة لأبحاث ودراسات واجتماعات استمرت نحو سنتين.( للتذكير فقط، وثيقة التصور المستقبلي التي أعدها طاقم من الأكاديميين والنشطاء استغرقت سنة واحدة فقط). وبما إني لست محاميا ولست خبيرا بالقوانين الإسرائيلية والدولية فاني أعتذر سلفا للقراء على وقاحتي للتصدي لهذه الوثيقة الهزيلة والخطيرة في الوقت نفسه ومحاولة فضح رعونتها وغاياتها المشبوهة.
1- أول ما استفزني الاسم: " الدستور الديمقراطي" وكأنه يوجد هناك دستور لم يدمغه طارحوه بالديمقراطية. لم اسمع قط أن جهة معينة وصفت دستورها الذي سنته أو تقترحه باللاديموقراطية. خذوا مثلا الدستور العراقي الأخير الذي صدر في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق وقام بتحضيره العملاء. هو أيضا كما يزعم القيمين عليه "دستور ديمقراطي". وفي مصر يدخلون"تعديلات ديمقراطية" على الدستور كفيلة بنزع الشرعية عن بعض الأحزاب وتحديد المرشحين لرئاسة الجمهورية. ولماذا نذهب بعيدا: هنا أيضا تعمل جهات إسرائيلية جاهدة على طرح دساتير وجميعها كما يقولون ديمقراطية بامتياز.
2- بالطبع يعتمد الدستور على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى الشرعية الدولية واتفاقيات جنيف والقانون الدولي الخ. الخ. والحالة هذه فكيف لا يكون الدستور ديمقراطيا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما هو مقتبس يقول: "كل بني البشر ولدوا أحرارا ومتساوين" ويبدو أن الحق على شعبنا الفلسطيني الذي ولد لاجئا، مشردا، واقعا تحت الاحتلال، مقموعا. هذه هي المرة الأولى في التاريخ نسمع أن الضحية المغتصبة تقترح على المغتصب "دستورا ديمقراطيا" لمواصلة اغتصابها.
3- بالطبع لا ينسى أصحاب الدستور أن يطالبوا دولة إسرائيل ب:" الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والانسحاب من كافة المناطق العربية المحتلة عام 1967". هذه الشعارات الرنانة التي أدمنا اجترار ترديدها كإسقاط واجب ليس أكثر وللاستهلاك المحلي والتي لم يعد لها أية قيمة عملية. يبدو هذا الأمر واضحا في هذا الدستور عندما يتكلمون عن الدولة وحدودها وبرلمانها وحكومتها وقضائها وعن الجنسية وقوانينها(الباب الثاني: أسس نظام الحكم). هنا لا نرى مكانا لا للاجئين ولا للشعب الفلسطيني
4- أسس نظام الحكم في الدستور "الديمقراطي" المقترح لا يطرأ عليها أي تغيير جذري. فالدولة تبقىأعضائها أليل، دولة ديمقراطية: "يستند النظام الديمقراطي في دولة إسرائيل إلى القيم بشأن كرامة الإنسان، حريته ومساواته" وهل يوجد في إسرائيل من يعارض هذا الكلام؟ وما هو الجديد؟ الم يكتبوا ذلك فيما يسمى وثيقة الاستقلال؟ والكنيست مع أعضائها أل 120ستبقى السلطة التشريعية في الدولة. والحكومة ستبقى هي الحكومة، معتمدة من قبل الكنيست وتمارس كافة صلاحياتها الحالية. والجهاز القضائي النزيه جدا جدا سيبقى كما هو. ولكن بالرغم من كل ذلك ومن أجل الموضوعية يجب أن نعترف بأن الدستور المقترح قد جاء بشيء جديد:" حدود دولة إسرائيل هي حدود المناطق التي كان القانون الإسرائيلي عليها حتى الخامس من حزيران 1967" ومن قال لكم يا جهابذة القانون الدولي أن هذه هي حدود دولة إسرائيل؟ ولماذا لا تكون حدود قرار التقسيم هي حدودها؟ على الأقل يوجد قرار صادر عن الأمم المتحدة بهذا الشأن، أما حدود حزيران 1967 فهي ليست سوى حدود الهدنة وليس لها أي طابع قانوني دولي أو غيره. هل على الشعب الفلسطيني المشرد والمغتصب أن يقول لمغتصبيه: كونوا ديموقراطيين وخذوا فقط 80% من وطننا فلسطين واتركوا لنا الباقي؟ وإذا لم يقبل بذلك فهو اللا ديموقراطي بينما تصبح دولة إسرائيل بمباركتكم هي الدولة الديمقراطية؟
5- مهزلة اللغات والثقافات: دولة ثنائية اللغة. في الحقيقة هذا تعريف فريد من نوعه. لا أعرف دولة في العالم تعرف نفسها حسب اللغات الرسمية أو غير الرسمية المستعملة بداخلها. يوجد في السويسرا 4 لغات رسمية فهل تعرف لسويسرا نفسها بأنها دولة رباعية اللغة؟ وهل حقا تعرف بلجيكا أو كندا نفسها في دستورها بأنها دولة ثنائية اللغة؟ ولماذا لا تكون إسرائيل دولة ثلاثية اللغة؟ أو متعددة اللغات؟ هل سيحرم الروس من التكلم باللغة الروسية؟ الاثيبوبيين من الإثيوبية؟ والمغاربة من العربية المغربية؟. إسرائيل هي دولة متعددة الثقافات: " لكل أقلية قومية الحق في مؤسسات تعليمية وثقافية ولكل أقلية دينية الحق في مؤسساتها الدينية". هل يوجد في إسرائيل، حسب مركز عدالة، أقليات قومية غير الأقلية العربية الفلسطينية؟ هل يشكل الإثيوبيون والبولونيون والرومانيون والجورجيون واليمنيون وغيرهم أقليات قومية؟ أم يشكلون قومية واحدة هي قومية الأغلبية؟
6- يفتخر القائمون على هذا الدستور المقترح بأنهم يطالبون بإعادة أراض وممتلكات كانت قد صودرت من أصحابها، وبحق المهجرين للعودة إلى قراهم والاعتراف بالقرى غير المعترف بها واسترجاع الأوقاف الإسلامية. وهي مسائل مطلبيه تناضل جماهيرنا من أجل تحقيقها، وليست بحاجة ل"دستور دبموقراطي" هو ليس أكثر من حبر على ورق، بل هي بحاجة إلى تصعيد النضال الجماهيري من أجل تحقيقها. كما يزعمون بأن الدستور يطالب بإلغاء قانون العودة، ولكني لم أجد نصا صريحا بذلك، والعديد من البنود يمكن تفسيرها على أكثر من وجه.
7- الباب الثالث: الحريات والحقوق الأساسية، في الحقيقة لا يوجد لدي أي تعليق على هذا الباب حيث يستطيع كل واحد أن يراجع هذه المادة في كتب المدنيات التي تدرس في المدارس الإعدادية والثانوية من المدارس الحكومية
8- نعود إلى نقطة البداية ونتساءل: ما الغاية من طرح هذا الدستور وفي هذه الفترة بالذات. كما قال مروان دلال من عدالة في مقابلة مع صحيفة كل العرب: "الهدف هو إجراء نقاش جدي مقابل النخب في المجتمع اليهودي" وكما جاء في مقدمة الدستور:"ويهدف بناء مجتمع ديمقراطي متساو ومتحرر من العنف والقمع وكأساس للمصالحة التاريخية بين دولة إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني والأمة العربية..." وهذا يكاد يصب حرفيا بما أعلنه رئيس لجنة المتابعة من قبل بصدد وثيقة التصور المستقبلي.
9- كان ألا حرى بعدالة، بدلا من إضاعة سنتين على هذا الدستور التعيس، أن تركز على خرق إسرائيل لكافة القوانين الدولية ولأبسط حقوق الإنسان ، وتعمل على جمع المعلومات والمواد المتوفرة وبغزارة لتقديم رموز هذا الكيان للمحاكمة الدولية على الجرائم التي ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها. كان الأحرى بعدالة أن تعمل على فضح الشرعية المزيفة لهذه الدولة، من وعد بلفور مرورا بصك الانتداب وقرار التقسيم إلى إعلان قيام الدولة بعد اقتلاع الشعب الأصلي من وطنه وتشريده ونهب أراضيه وحتى الجرائم التي تمارس يوميا في غزة ونابلس وجنين وباقي الأراضي الفلسطينية. وليس تزيين وتجميل وجه إسرائيل البشع ب"دستور ديموقراطي"

No comments: