عام
جديد مآس قديمة
علي
زبيدات – سخنين
الزمن
لا يعرف القطيعة. الانسان
هو المغرم بتقطيع اوصال الزمن الى ماض
وحاضر ومستقبل، إلى أزمنة قديمة واخرى
حديثة، ازمنة ظلامية وازمنة تنوير، إلى
عام قديم وعام جديد. الزمن،
لا يعرف احد متى كانت بدايته هذا اذا كانت
له بداية اصلا ومتى ستكون نهايته اذا كانت
هناك ثمة من نهاية. على
ما أظن، الزمن لا مبال بتقسيماتنا هذه
يقف مقهقها ساخرا منها ومن افكارنا ومن
عواطفنا. سأقف
هذه المرة في صف الزمن واشاركه في قهقهته
وسخريته بنا نحن بني البشر.
لنفرض اننا نقف في
هذه الايام لنودع العام القديم الذي رحل
عنا من غير رجعة ونستقبل عاما جديدا، ألم
نسأم من تكرار عبارة: كل
عام وانتم بخير؟ لقد رحل العام القديم
ولكن ليس قبل ان يلقي بنفاياته في احضان
العام الجديد الذي تقبلها بكل رضى وسرور
وزاد عليها نفاياته. علينا
الا ننسى ان العام الماضي كان قبل عام
جديدا استقبلناه بالامل والتمنيات وها
نحن نودعه بالشتائم غير آسفين على رحيله.
لا علاقة لما اكتبه
هنا بالتفاؤل والتشاؤم.
ولكني سئمت مثل
غيرى تكرار عبارة "كل
عام وانتم بخير" والجميع
يتساءل: ولكن
اين هو الخير؟ وقد سئمت تكرار الامنيات
نفسها في كل عام بالسلام والامان والاستقرار
والسعادة والرفاهية وان يكون العام الجديد
اقضل من العام الذي سبقه.
لا
استطيع أن احصي مآسي العالم التي ورثها
العام الجديد من العام المنصرم الذي قد
ورثها بدوره من العام الذي سبقه والتي
سوف يورثها للعام الذي لم يأت بعد.
عندنا من المآسي
ما يكفينا. مأساتنا
العظمى هي القضية الفلسطينية بكل ابعادها
ومعانيها. نعم،
قضيتنا اصبحت مأساتنا اعترفنا بذلك ام
لم نعترف. واكبر
دليل على ذلك ان اخوتنا في فتح سوف يحتفلون
بذكرى الانطلاقة وسوف يختتمون خطاباتهم
النارية بقولهم: "وانها
ثورة حتى النصر" ولا
يجرؤ احد أن يقول: ولكن
اين الثورة؟ حتى لا يتهم بالخيانة
والانهزامية. لم
تعد القضية الفلسطينية القضية المركزية
ليس بالنسبة للشعوب العربية فحسب بل
وللشعب الفلسطيني نفسه ايضا.
حتى حرب الابادة
التي شنتها اسرائيل في غزة لم تغير في هذا
الوضع قيد أنملة. القيادة
المنتهية صلاحيتها منذ سنوات تحاول تصدير
القضية للخارج وتعرضها للبيع في المزاد
العلني على مجلس الامن على شكل مسرحية
رديئة الاخراج والمضمون.
اما نحن هنا، في
الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ ، فنرى خلاصنا
للمرة العشرين في الكنيست الاسرائيلي.
واصبح السؤال الذي
يؤرق مضاجعنا هو: هل
نذهب موحدين للكنيست لتقبيل الاقدام التي
تدوسنا أم نذهب منفردين وكل واحد وشطارته؟
عندما كانت الطائرات الاسرائيلية تلقي
بقنابلها وصواريخها على غزة ، تهدم البيوت
على رؤوس اهلها لم نفكر بالوحدة.
كان كل حزب يتربص
بغيره ويبعث بعض مؤيديه الى احد المفارق
قبل غيره اسقاطا للواجب ولكي يسجل موقفا.
وعندما ازفت الحرب
من نهايتها واتفقوا أخيرا على مظاهرة
مشتركة اشتبكوا مع بعضهم البعض.
اليوم اصبحت وحدة
الحج إلى الكنيست شعار المرحلة، عنوان
الوطنية وقدس الاقداس.
حتى اصبحت القائمة
الواحدة المشتركة الامنية الاكثر انتشارا
لهذا العام.
اعذروني،
في هذا العام وفي كل عام، لن اضم تمنياتي
الى باقي التمنيات. لن
اتمنى الاستقرار للمنطقة لان الاستقرار
يعني استمرار الواقع بكل عفنه.
يعني ان تبقى الطغمة
التي انتهت صلاحيتها متربعة على صدور
شعبنا. لان
الاستقرار يعني ان تبقى دولة اسرائيل
تصرح وتمرح في ارجاء الوطن من غير رادع.
ولن اتمنى الامان
للمنطقة لان الامان يعني ان يبقى المحتل
آمنا وان يبفى الحرامي آمنا بينما يعيش
المواطن في خوف مستمر. ولن
اتمنى الوحدة فالوحدة العربية تعني اليوم
أن يتحد العرب لمحاربة العرب نيابة عن
امريكا واسرائيل، والوحدة الفلسطينية
تعني الوحدة من أجل تصفية القضية الفلسطينية،
بينما الوحدة عندنا تعني ضمان الكراسي
في الكنيست الصهيوني. ولن
اتمنى السلام، استغفر الله العظيم، لأن
السلام لا يعني إلا الاستسلام.
لم
تعد تخدعني هذه الامنيات الجوفاء:
الاستقرار، الامان،
الوحدة، السلام. واذا
كان لا بد من التمنيات استقبالا للعام
الجديد فإتي اتمنى ان تستعيد هذه المصطلحات
معانيها الحقيقية ولن تستعيدها الا
بالثورة. فكل
عام وانتم ثوار.