Wednesday, July 10, 2013

وتريات في وضح النهار

 
وتريات في وضح النهار
علي زبيدات سخنين
أعاد المشهد السريالي الذي ساد الساحة المصرية مؤخرا مرة أخرى خلط الاوراق المخلوطة اصلا. ما حدث هل هو انقلاب على الشرعية أم استمرار للثورة وتصحيح لمسارها؟ هن هم الثوار في مصر؟ هل هم الاخوان المسلمون والسلفيون أم إن هؤلاء هم أعداء الثورة؟ وهل يا ترى أصبح الجيش وسلك القضاء وبقايا النظام البائد من أنصار الثورة الجدد؟ أم هم أقطاب ما يسمى بجبهة الانقاذ؟ انقاذ من؟ وماذا؟ وممن؟ لا أحد يدري، ربما كانوا أحوج ما يكون إلى انقاذ أنفسهم من أنفسهم أولا. وتعود إلى ذاكرتي صرخة مظفر النواب: "يا ملك الثوار.. أنا ابكي بالقلب لأن الثورة يزنى فيها.. والقلب تموت أمانيه ..."
لم تكن الثورة المصرية لم استثناءً بل كانت بمثابة التأكيد الاخير على القاعدة: ألم يتم حتى الآن الزنى بجميع الثورات العربية من ثورة المليون شهيد في الجزائر إلى الثورة القلسطينية مرورا بثورات ما يسمى بالربيع العربي؟. سوف تستمر هذه الحالة بل سوف تتفاقم ما دام منطق أنور السادات الذي يقول "ان ٩٩٪ من أوراق اللعبة في يد أمريكا" يستحوذ على عقول الثوار قبل أن يستحوذ على عقول اعداء الثورة. وإلا كيف يفسر لنا الثوار الكتبة المؤامرة الكونية على الوطن العربي والتي تمسك امريكا بكافة خيوطها من وراء المحيط وتحرك شعوب المنطقة كما تشاء عن طريق جهاز التحكم من بعيد؟ حسب منطق ثوار نظرية المؤامرة أمريكا (ومن ورائها اسرائيل وشيوخ النفط) هي التي وضعت نظام حسني مبارك وصانته ثلاثين عاما وهي التي أسقطته، وهي التي أوصلت الاخوان المسلمين الى السلطة وها هي تسقطهم، وهي التي سوف تعين الرئيس الجديد وهي التي تحشد الملايين في ميدان التحرير وغيره من الميادين والمحافظات. ان جريمة الاولى لانصار هذه النظرية هي فقدانهم للثقة بالشعوب المضطهدة وبمقدرتها على النضال التحرري.
نحن في فلسطين آخر من يحق له تقديم النصائح أو انتقاد أي تخبط تنزلق اليه أية ثورة، عربية كانت أم في أي مكان آخر في العالم. فإذا كان السادات يؤمن بأن ٩٩٪ من اوراق اللعبة في يد أمريكا فإن محمود عباس يؤمن بأن امريكا تملك ١٠١٪ من الاوراق على الاقل. المشكلة لا تكمن في السادات أو في بعباس بل تكمن في ادمغتنا جميعا ما دمنا نؤله امريك.ا فهي وراء طفل في درعا يكتب شعارا على جدار مدرسة. وهي التي زودت البوعزيري بالنفط والكبريت وارغمته على اشعال النار ليس في جسده فحسب بل في تونس بأسرها أيضا. وهي التي تملأ ميدان التحرير بالملاين. وهل هي المسؤولة عن التحرش الجنسي الذي يحدث يوميا في هذا الميدان امام كاميرات العالم؟
عذرا مظفر النواب. الثورة في كل مكان كان يزنى بها. ألم يزنى بالثورة الفرنسية العظمى؟ والا كيف تمخضت الثورة التي رفعت شعار الحرية والمساواة والاخوة عن امبراطورية ملأت العالم بالحروبات من نابليون وحتى سراكوزي وهولاند؟ وكيف انتهت الثورة الامريكية التي نقشت على دستورها الديمقراطية وحقوق الانسان الى شرطي عالمي يتمتع بتعذيب الشعوب؟ وماذا حل بثورة اكتوبر العظمى في روسيا التي بشرتنا بعالم يخلو من الطبقات ومن استغلال الانسان لاخية الانسان؟. الثورة أخي مظفر لم يزن بها فحسب بل تم اغتصابها مرارا وتكرارا ونحن خدلناها. سودنا من زنى بها وقبلنا قدمي ويدي من اغتصبها. لا تنمو الثورة ولا تترعرع في ظروف مختبر تؤدي دائما الى الانتصار. لا يوجد هناك حتمية تاريخية. لقد خدعونا لأجيال في هذا الموضوع. التحليل العميق مهما اعتمد على الاساليب العلمية ومهما كان منطقيا لا يكفي للتنبؤ بمسار الثورات وتطورها. لا يوجد هناك تعريف ثابت للثورة وللثوار. لأن الثورة في تطورها قد تصبح ثورة مضادة والثوار قد يغيرون مواقعهم وادوارهم كما تحول عندنا الفدائي الى شرطي أمن. القول بأن الثورة تأكل أبناءها لم يأت من فراغ. التناقضات الداخلية هي أساس تطور كل قضية بما فيها الثورات. التناقضات الخارجية مع كل اهميتها وفى معظم الاوقات تكون ثانوية.
ولكن تبقى الثورات بالرغم من كل ما يعلق بها من غبار وشوائب هي قاطرة التاريخ. وهي وحدها الكفيلة بتمكين شعوبنا أن تلحق بركب الحضارة من جديد. الثورة بحاجة إلى ابنائها لكي يذودوا عنها من اعتداءات الزناة والغاصبين.

No comments: