من
ذكرى النكبة إلى ذكرى النكسة
علي
زبيدات – سخنين
نقترب
بخطوات حثيثة من الذكرى ال٤٦ للنكسة وهي
الاخت الصغرى للنكبة التي أحيينا ذكراها
قبل اقل من شهر. فاذا
كانت الاخت الكبرى تعني فقدان ٨٠٪ من
فلسطين فقد جاءت الاخت الصغرى لكي تكمل
على الباقي. فالاختان
نكبة ونكسة تجسدان وترمزان إلى فقدان
فلسطين بالكامل. السنوات
تمر بسرعة وتكبر الاختان.
فها هي نكبة قد
دخلت في سن الكهولة وتجاوزت أل٦٥ سنة،
وهذه اختها نكسة تمسك بجلبابها وتلحق بها
واصبح عمرها ٤٦ سنة. ولكن
تبدو الاختان بصحة جيدة مما يشير الى عمر
مديد لا احد يدري متى وكيف سوف ينتهي.
اننا نحيي ذكرى
النكبة والنكسة مرة في السنة ولكننا في
الواقع نعيشهما على مدار السنة.
فالنكبة مستمرة
والنكسة مستمرة. عندما
ولدت الاخت الكبرى كنا نصر على ضرورة
ازالة مصدر العدوان، أي دولة اسرائيل
التي خلفت النكبة. وبعد
ولادة نكسة اصبحنا نطالب بازالة آثار
العدوان وتنازلنا عن مطلب ازالة مصدر
العدوان واليوم نطالب دولة اسرائيل أن
ترأف بنا وتجعل من نكبة ونكسة اكثر لطفا
حتى نستطيع أن نتحملهما ونتعايش معهما.
بعد
النكسة طالب جمال عبد الناصر بمواجهة
الحقيقة والاعتراف بها وتحمل المسئولية
كاملة عنها ومن ثم العمل على تجاوزها.
ولصالحه نقول انه
اعترف بالحقيقة وتحمل مسؤوليتها ولكن
السؤال هل تمت مواجهة هذه الحقيقة وهل تم
تجاوزها؟ لا نستطيع ان نحمل عبدالناصر
هذه المسؤولية ايضا فقد رحل عنا قبل
الاوان. اما
الذين ورثوه ليس فقط انهم لم يواجهوا
الحقيقة ولم يتجاوزوها بل ايضا تراجعوا
عن الاعتراف بها وتحمل مسؤوليتها.
مصر انسحبت مثل
الشعرة من العجين من كل مسؤولياتها القومية
والتاريخية من خلال التوقيع على اتفاقيات
كامب ديفيد بعد أن ضمنت اعادة مشروطة لشبه
جزيرة سيناء لا تختلف كثيرا عن وضعها تحت
الاحتلال المباشر، الاردن حذا حذو مصر
في اتفاقيات وادي عربة واصبح حليفا حميما
لدولة اسرائيل. اما
الجولان المحتل فإنه يحرر كل يوم بالشعارات
والخطابات ولكنه في الواقع يرزح تحت
احتلال كولونيالي يعمل بدون كلل على تغيير
طابعه العربي، والاحداث في سوريا تشير
الى ان النكسة سوف تستمر لسنوات طويلة
قادمة.
اما
على الساحة الفلسطينية فالوضع اسوأ بما
لا يقاس. اتفاقيات
اوسلو وبعد عشرين عاما على توقيعها لم
تجعل من النكسة واقعا حياتيا مقبولا فحسب
بل جعلت منها اساسا مشروعا لكل حل مستقبلي
للقضية الفلسطينية ايضا.
اليوم اصبح واضحا
ان السلطة الفلسطينية سوف تتنازل حتى عن
حدود الخامس من حزيران التي طالما تغنت
بها، من خلال القبول بما يسمى الكتل
الاستيطانية وقبول مبدأ تبادل الاراضي
والتنازل عن حق العودة والتنازل عن القدس
كما نعرفها. أليس
كل ذلك قبول بالنكسة؟ فبأي حق نحيي ذكراها
اليوم؟
لا
اريد هنا ان اناقش اذا كان اسم نكبة يتطابق
مع ما حدث عام ١٩٤٨ واذا ما كان اسم نكسة
يصف بصدق ما حدث عام ١٩٦٧ لقد فرض
هذانالاسمان انفسهما على الشعب الفلسطيني
وعلى الشعوب العربية الي درجة انه لا مجال
للخلاص منهما. من
المعروف ان المناطق المنكوبة في العالم
وهي كثيرة هي تلك الامكان التي تتعرض
لكوارث طبيعية كالهزات الارضية، الفيضانات،
والاعاصير حيث الانسان ليس هو العامل
الرئيسي في وقوعها وبالتالي ليس هو المسؤول
عن اسبابها ونتائجها. على
عكس النكبة والنكسة الفلسطينيتين.
انهما هزيمة من
صنع الانسان اولا وقبل كل شيء.
هذه هي الحقيقة
التي ينبغي ان نعترف بها كشرط مسبق لكل
نضال من اجل ازالة آثار النكبة والنكسة.
لا يكفي ان نقول
بأن قضيتنا عادلة، فالعالم لا يكترث
بعدالة قضيتنا والتاريخ لا يصنع ولا يتطور
حسب قيم العدالة. قوة
وحصانة المجتمعات الحديثة تقاس بقوتها
المادية، بتطورها الصناعي والتخنولوجي،
وتقدمها العلمي والفكري والثقافي.
ونحن كفلسطينيين
وكعرب في هذه المجالات ما زلنا متخلفين،
هذه هي الحقيقة والتي لا بد من الاعتراف
بها من اجل تغييرها. لا
يمكن مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية
المتطورة بالشجاعة وروح التضحية فقط.
ولا يمكن مواجهة
سياستها بالغة التخطيط والاحكام بردود
الفعل العفوية والافكار الغيبية.
لكي
نقصر من سنوات ذكرى النكبة والنكسة علينا
العمل الجاد والمتواصل من أجل اللحاق
بركب الحضارة بكافة مجالاتها ومستوياتها.