إنقاذ الثورة في استمراريتها
علي زبيدات – سخنين
"إذا كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان فعلينا أن نصنع ظروفا إنسانية" كارل ماركس
مرة أخرى ينزل شباب مصر إلى ميدان التحرير ويتصدون بصدورهم العارية لرصاص جنود وشرطة النظام بعدما سقط القناع وبان الوجه الحقيقي للطغمة العسكرية التي استلمت السلطة بعد رحيل مبارك ليس لتحقيق مطالب الثورة كما كانت تدعي بل لإنقاذ نظامه التي هي جزء منه.
نعود إلى مقولة كارل ماركس: مما لا شك فيه أن الظروف تلعب دورا حاسما في صنع الإنسان وفي كثير من الأحيان الدور الرئيسي ولكن مما لا شك فيه أيضا أن الإنسان هو من يصنع هذه الظروف، في معظم الأحيان يصنعها بصورة عفوية وغير واعية وفي بعض الأحيان بصورة لا إنسانية إطلاقا عن طريق الحروب واقتراف الجرائم ضد الإنسانية. ولكن في حالات أخرى يصنع الإنسان ظروفا إنسانية. وهذا هو بالذات دور الثورات: إنها تصنع ظروفا إنسانيا تقوم بدورها بصنع إنسان أفضل.
أذكر عندما كنت صغيرا كنت مغرما بمشاهدة أفلام رعاة البقر الأمريكية التي اكتشفت رجعيتها وتفاهتها فيما بعد. وأحد الأفلام الذي علق بذهني حتى يومنا هذا يروي قصة رئيس عصابة يقوم بالسطو على البنوك وفي إحدى عملياته يسطو على بنك سمع أنه يكدس في أقبيته كميات هائلة من الذهب. ولكنه عندما يصل مع أراد عصابته إلى الأقبية البنك ويكسر الأقفال لا يجد ذهبا بل يجد أن الحكومة قد حولتها إلى زنازين للثوار. وهكذا تلاحقه الدولة بجيوشها ليس بصفته لصا بل لكونه "حرر" الثوار. وهكذا جعلت منه بطلا قوميا بالرغم عنه لم يكن يحلم فيه. هذا هو نموذج صارخ كيف أن الظروف تصنع الإنسان بشكل عشوائي.
أتذكر هذه قصة كلما شاهدت فلما واقعيا تدور أحداثه على الخارطة السياسية في منطقتنا وأرى كم "بطلا قوميا" صنعته الظروف رغما عنه. أنظروا مثلا إلى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة فتح كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية وقائد جيش التحرير الفلسطيني، وهو يفتخر بأنه لم يحمل ولم يستعمل مسدسا في حياته قط، ويصف عمليات مقاومة الاحتلال بالحقيرة. ما هي الظروف التي جعلت هذا الشخص يقود "الثورة الفلسطينية" التي كانت (وربما ما زال البعض يعتبرها حتى الآن) طليعة الثورات العربية بينما يقبع الثوار الحقيقيون إما في القبور وإما في الزنازين.
وكيف وجد طبيب عيون شاب سوري لا يملك أية خبرة سياسية أو عسكرية نفسه يرث نظاما دمويا فاسدا بعد أن لاقى شقيقه الذي أعد لهذه المهمة مصرعه وبعد أن هزم المرض والده. وها هو منذ توليه الحكم ينادي بالإصلاح الذي لم يتقدم قيد أنملة واليوم يضع البلد بأكمله على يد عفريت.
وأخير وليس آخرا - ولا أريد هنا أن أستعرض باقي الدول العربية كيف هيأت سخرية الأقدار الظروف لأشخاص أمثال أمير قطر والكويت والبحرين وعمان واليمن وغيرها وغيرها لأن يصبحوا زعماء وقيادة ينصب بعضهم نفسه حام لحقوق الإنسان، نصيرا للديمقراطية وراع للثورات العربية بينما يحكم بلاده وكأنها مزرعة خاصة له ولحاشيته - أتذكر قصة هذا الفلم الأمريكي الرخيص ولكنه يصور بصدق ظاهرة البطل الذي تصنعه الظروف رغما عنه عندما أشاهد ما يجري الآن في ميدان التحرير في القاهرة وفي مدن مصرية أخرى. كيف يعقل أن يكون المشير محمد حسين طنطاوي، الذي تربى في أحضان النظام البائد وحصل على ترقياته ورتبه العسكرية من يدي الرئيس المخلوع مباشرة، وصيا على الثورة؟
اليوم جاء تحرك الشباب المصري لكي يصحح هذا الخطأ التاريخي الفاحش. ما يسمى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس سوى بؤرة تحتمي فيها فلول النظام البائد. على الصعيد السياسي، يشكل هذا المجلس امتدادا للنظام هدفه الوحيد إجهاض الثورة بكافة الأساليب المتاحة. في البداية بواسطة قطع الوعود السرابية وتقديم رموز النظام لمحاكمات صورية وفيما بعد استعمال القوة والبطش والتنكيل بالمواطنين كما يحصل الآن.
إنقاذ الثورة يكمن في استمراريتها. والثورة في مصر لا يمكن أن تستمر طالما يتمسك هذا المجلس بزمام السلطة. لذلك فإن شعار المرحلة كما حدده الثوار هو إسقاط المشير المدعوم ليس فقط من فلول النظام البائد بل من قبل الإدارة الأمريكية والصهيونية أيضا.
الثورة هي التي تصنع الظروف الإنسانية ليس فقط في مصر بل في العالم أجمع. فكل عيون أحرار العالم وقلبوهم تتوجه اليوم إلى مصر أم الدنيا.
علي زبيدات – سخنين
"إذا كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان فعلينا أن نصنع ظروفا إنسانية" كارل ماركس
مرة أخرى ينزل شباب مصر إلى ميدان التحرير ويتصدون بصدورهم العارية لرصاص جنود وشرطة النظام بعدما سقط القناع وبان الوجه الحقيقي للطغمة العسكرية التي استلمت السلطة بعد رحيل مبارك ليس لتحقيق مطالب الثورة كما كانت تدعي بل لإنقاذ نظامه التي هي جزء منه.
نعود إلى مقولة كارل ماركس: مما لا شك فيه أن الظروف تلعب دورا حاسما في صنع الإنسان وفي كثير من الأحيان الدور الرئيسي ولكن مما لا شك فيه أيضا أن الإنسان هو من يصنع هذه الظروف، في معظم الأحيان يصنعها بصورة عفوية وغير واعية وفي بعض الأحيان بصورة لا إنسانية إطلاقا عن طريق الحروب واقتراف الجرائم ضد الإنسانية. ولكن في حالات أخرى يصنع الإنسان ظروفا إنسانية. وهذا هو بالذات دور الثورات: إنها تصنع ظروفا إنسانيا تقوم بدورها بصنع إنسان أفضل.
أذكر عندما كنت صغيرا كنت مغرما بمشاهدة أفلام رعاة البقر الأمريكية التي اكتشفت رجعيتها وتفاهتها فيما بعد. وأحد الأفلام الذي علق بذهني حتى يومنا هذا يروي قصة رئيس عصابة يقوم بالسطو على البنوك وفي إحدى عملياته يسطو على بنك سمع أنه يكدس في أقبيته كميات هائلة من الذهب. ولكنه عندما يصل مع أراد عصابته إلى الأقبية البنك ويكسر الأقفال لا يجد ذهبا بل يجد أن الحكومة قد حولتها إلى زنازين للثوار. وهكذا تلاحقه الدولة بجيوشها ليس بصفته لصا بل لكونه "حرر" الثوار. وهكذا جعلت منه بطلا قوميا بالرغم عنه لم يكن يحلم فيه. هذا هو نموذج صارخ كيف أن الظروف تصنع الإنسان بشكل عشوائي.
أتذكر هذه قصة كلما شاهدت فلما واقعيا تدور أحداثه على الخارطة السياسية في منطقتنا وأرى كم "بطلا قوميا" صنعته الظروف رغما عنه. أنظروا مثلا إلى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة فتح كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية وقائد جيش التحرير الفلسطيني، وهو يفتخر بأنه لم يحمل ولم يستعمل مسدسا في حياته قط، ويصف عمليات مقاومة الاحتلال بالحقيرة. ما هي الظروف التي جعلت هذا الشخص يقود "الثورة الفلسطينية" التي كانت (وربما ما زال البعض يعتبرها حتى الآن) طليعة الثورات العربية بينما يقبع الثوار الحقيقيون إما في القبور وإما في الزنازين.
وكيف وجد طبيب عيون شاب سوري لا يملك أية خبرة سياسية أو عسكرية نفسه يرث نظاما دمويا فاسدا بعد أن لاقى شقيقه الذي أعد لهذه المهمة مصرعه وبعد أن هزم المرض والده. وها هو منذ توليه الحكم ينادي بالإصلاح الذي لم يتقدم قيد أنملة واليوم يضع البلد بأكمله على يد عفريت.
وأخير وليس آخرا - ولا أريد هنا أن أستعرض باقي الدول العربية كيف هيأت سخرية الأقدار الظروف لأشخاص أمثال أمير قطر والكويت والبحرين وعمان واليمن وغيرها وغيرها لأن يصبحوا زعماء وقيادة ينصب بعضهم نفسه حام لحقوق الإنسان، نصيرا للديمقراطية وراع للثورات العربية بينما يحكم بلاده وكأنها مزرعة خاصة له ولحاشيته - أتذكر قصة هذا الفلم الأمريكي الرخيص ولكنه يصور بصدق ظاهرة البطل الذي تصنعه الظروف رغما عنه عندما أشاهد ما يجري الآن في ميدان التحرير في القاهرة وفي مدن مصرية أخرى. كيف يعقل أن يكون المشير محمد حسين طنطاوي، الذي تربى في أحضان النظام البائد وحصل على ترقياته ورتبه العسكرية من يدي الرئيس المخلوع مباشرة، وصيا على الثورة؟
اليوم جاء تحرك الشباب المصري لكي يصحح هذا الخطأ التاريخي الفاحش. ما يسمى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس سوى بؤرة تحتمي فيها فلول النظام البائد. على الصعيد السياسي، يشكل هذا المجلس امتدادا للنظام هدفه الوحيد إجهاض الثورة بكافة الأساليب المتاحة. في البداية بواسطة قطع الوعود السرابية وتقديم رموز النظام لمحاكمات صورية وفيما بعد استعمال القوة والبطش والتنكيل بالمواطنين كما يحصل الآن.
إنقاذ الثورة يكمن في استمراريتها. والثورة في مصر لا يمكن أن تستمر طالما يتمسك هذا المجلس بزمام السلطة. لذلك فإن شعار المرحلة كما حدده الثوار هو إسقاط المشير المدعوم ليس فقط من فلول النظام البائد بل من قبل الإدارة الأمريكية والصهيونية أيضا.
الثورة هي التي تصنع الظروف الإنسانية ليس فقط في مصر بل في العالم أجمع. فكل عيون أحرار العالم وقلبوهم تتوجه اليوم إلى مصر أم الدنيا.
No comments:
Post a Comment