جريمة مستمرة
علي زبيدات – سخنين
لم أكن أعلم أن مصطلح "جريمة مستمرة" هو أيضا مصطلح قانوني يتعامل به القضاء الإسرائيلي حتى اكتشفت ذلك مؤخرا عندما مثلت أمام القضاء الإسرائيلي فائق العدالة. في الماضي كنت أستعمل هذا المصطلح لوصف ما حدث عام النكبة حيث شرد نصف الشعب الفلسطيني وجرد من ممتلكاته ودمرت العديد من مدنه وقراه. هذه الجريمة مستمرة إلى يومنا هذا ليس فقط من خلال مواصلة أعمال القتل والنهب بل أيضا من خلال إنكار النكبة. وكنت أستعمل هذا المصطلح لوصف احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 ومواصلة الجريمة حتى يومنا هذا من خلال بناء المستوطنات والجدار العازل والحواجز. فالاحتلال، كل احتلال، هو جريمة مستمرة من حيث طبيعته لا تتوقف إلا بعد زواله. لكن مخطئ من يظن أن القانون الإسرائيلي في إطار تعريفه للجريمة المستمرة يأخذ هذين النموذجين الصارخين بعين الاعتبار. فالنكبة من وجهة نظره هي حرب استقلال مشروعة. أما احتلال ما تبقى من فلسطين فيما بعد هو في حقيقة الأمر تحرير. فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في حقيقة الأمر ليس سوى محتل بينما جيش الاحتلال الإسرائيلي هو جيش تحرير. أما نحن، الفلسطينيون في النقب والجليل لسنا سوى دخلاء أو غزاة نغزو أرض الدولة ونستولي عليها من غير حق. وهذا ما تقوله لي تلك اللافتة اللعينة كلما مررت من تحت جسر كرمئيل في الطريق إلى قرى الشاغور: "جسر موطي غور محرر القدس" وكأن غور هذا صلاح الدين أو أحد قواده.
إذن، الجريمة المستمرة حسب القانون الإسرائيلي لا علاقة لها بالنكبة ولا بالنكسة. لا علاقة لها بهدم البيوت ولا بمصادرة الأراضي. ولكن لها علاقة وثيقة بما يسمى قانون البناء والتنظيم إذا ما تجرأت وبنيت بيتا صغيرا يأوي عائلتك ويقوم قاض في محكمة الصلح مدافعا عن هذا القانون الجائر ويصدر حكمه القاطع: إما أن تهدم البيت وإما أن تحصل على ترخيص. هذا طبعا بالإضافة إلى الغرامات الباهظة والسجن مع وقف التنفيذ والتوقيع على التزامات مالية. طبعا لا يوجد هناك إنسان عاقل يقوم بهدم بيته بيده. فلا يبقى أمامك سوى القيام بمعجزة في عصر انتهت به المعجزات وهو الحصول على ترخيص. المصيبة هنا هي أن المشتكي (لجنة التنظيم والبناء) هي التي من المفروض أن تمنحك مثل هذا الترخيص. وتجد نفسك أمام خيار مستحيل يعجز عنه أعظم أبطال التراجيديا الإغريقية: اهدم أو احصل على رخصة. أو كما يقول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل في الماء.
الهدف المعلن للجان التنظيم والبناء هو مساعدة المواطن في تسهيل عملية البناء بشكل منظم لا يخالف القانون ولا يسبب الضرر لطرف آخر. ولكن لهذه اللجان في الوسط العربي هدف آخر وهو وضع العراقيل وإنهاك المواطن حتى يصل إلى مرحلة من اليأس حتى يهدم بيته أو يرحل. وإلا كيف نفسر أن آلاف المواطنين العرب لا يحصلون على ترخيص ومن ثم يضطرون للبناء "اللاشرعي" بينما يحصل المواطنون اليهود والمستوطنات على جميع التسهيلات؟
هل نحن شعب نحب مخالفة القانون ونعشق دفع الغرامات ونهوى الدخول للسجون؟
بدأت جريمتي المستمرة قبل حوالي 13 سنة بعدما يئست من لجنة التنظيم والبناء التابعة لمجلس مسغاف الإقليمي أن تصدر لي ترخيصا وذلك بحجج واهية مفعمة بالعنصرية. وقد حوكمت منذ ذلك الوقت عدة مرات بحجة أن جريمتي خطيرة ومستمرة ولم أنفذ قرار المحكمة. في كل مرة تطلب فيها النيابة تحويل الأحكام مع وقف التنفيذ إلى أحكام فعلية وسعادة القاضي يلبي الطلب. كيف لا والقانون واضح: لا يوجد هدم ولا يوجد رخصة إذن أنت مخالف للقانون ومدان.
في الجلسة الأخيرة قبل عدة أيام ألقيت نظرة على قائمة المتهمين الملصقة على باب القاضي والذين يجب عليهم المثول أمام القاضي. كان هناك 30 اسما بتهمة مخالفة قانون البناء والتنظيم من بينهم 29 اسم عربي.
لقد حكم علي بأربعة أشهر سجن تم تحويلها للعمل في خدمة الجمهور وتفعيل التزاما ماليا قديما بمبلغ 15000 شاقل بالإضافة إلى غرامة جديدة بمبلغ 5000 شاقل، هذا بالإضافة إلى عقوبات جديدة مع وقف التنفيذ. بعد المحكمة توجه إلي كهل لا أعرفه وقال لي: أنت شخص محظوظ فقد فرض عليك القاضي غرامة بسيطة.
يقف المواطن الفلسطيني في هذه البلاد وحيدا في معركة غير متكافئة أمام القانون المجحف ولجان التنظيم والبناء والمحكمة. أين دور البلديات والأحزاب السياسية ولجنة المتابعة وباقي المؤسسات المدنية في هذه القضية؟ تكاد تكون هذه المؤسسات غائبة تماما. في بعض الأحيان تكتفي بتصريحات دعم كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، خصوصا في الحالات التي تصل إلى درجة الهدم الفعلي ومن ثم تعود إلى سباتها العميق؟ متى على مؤسساتنا المذكورة أن تتخذ موقفا مبدئيا من هذه الأمور؟
شخصيا لست متفائلا في أن يكون هناك أي تحول جذري في موقف هذه المؤسسات. لذلك أدعو جميع المواطنين المتضررين مباشرة من لجان التنظيم المعتمدة قانون جائر والمدعومة من قبل حكومة تمارس سياسة عنصرية، للوحدة من أجل تحدي هذه اللجان ومن يقف ورائها.
علي زبيدات – سخنين
لم أكن أعلم أن مصطلح "جريمة مستمرة" هو أيضا مصطلح قانوني يتعامل به القضاء الإسرائيلي حتى اكتشفت ذلك مؤخرا عندما مثلت أمام القضاء الإسرائيلي فائق العدالة. في الماضي كنت أستعمل هذا المصطلح لوصف ما حدث عام النكبة حيث شرد نصف الشعب الفلسطيني وجرد من ممتلكاته ودمرت العديد من مدنه وقراه. هذه الجريمة مستمرة إلى يومنا هذا ليس فقط من خلال مواصلة أعمال القتل والنهب بل أيضا من خلال إنكار النكبة. وكنت أستعمل هذا المصطلح لوصف احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 ومواصلة الجريمة حتى يومنا هذا من خلال بناء المستوطنات والجدار العازل والحواجز. فالاحتلال، كل احتلال، هو جريمة مستمرة من حيث طبيعته لا تتوقف إلا بعد زواله. لكن مخطئ من يظن أن القانون الإسرائيلي في إطار تعريفه للجريمة المستمرة يأخذ هذين النموذجين الصارخين بعين الاعتبار. فالنكبة من وجهة نظره هي حرب استقلال مشروعة. أما احتلال ما تبقى من فلسطين فيما بعد هو في حقيقة الأمر تحرير. فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في حقيقة الأمر ليس سوى محتل بينما جيش الاحتلال الإسرائيلي هو جيش تحرير. أما نحن، الفلسطينيون في النقب والجليل لسنا سوى دخلاء أو غزاة نغزو أرض الدولة ونستولي عليها من غير حق. وهذا ما تقوله لي تلك اللافتة اللعينة كلما مررت من تحت جسر كرمئيل في الطريق إلى قرى الشاغور: "جسر موطي غور محرر القدس" وكأن غور هذا صلاح الدين أو أحد قواده.
إذن، الجريمة المستمرة حسب القانون الإسرائيلي لا علاقة لها بالنكبة ولا بالنكسة. لا علاقة لها بهدم البيوت ولا بمصادرة الأراضي. ولكن لها علاقة وثيقة بما يسمى قانون البناء والتنظيم إذا ما تجرأت وبنيت بيتا صغيرا يأوي عائلتك ويقوم قاض في محكمة الصلح مدافعا عن هذا القانون الجائر ويصدر حكمه القاطع: إما أن تهدم البيت وإما أن تحصل على ترخيص. هذا طبعا بالإضافة إلى الغرامات الباهظة والسجن مع وقف التنفيذ والتوقيع على التزامات مالية. طبعا لا يوجد هناك إنسان عاقل يقوم بهدم بيته بيده. فلا يبقى أمامك سوى القيام بمعجزة في عصر انتهت به المعجزات وهو الحصول على ترخيص. المصيبة هنا هي أن المشتكي (لجنة التنظيم والبناء) هي التي من المفروض أن تمنحك مثل هذا الترخيص. وتجد نفسك أمام خيار مستحيل يعجز عنه أعظم أبطال التراجيديا الإغريقية: اهدم أو احصل على رخصة. أو كما يقول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل في الماء.
الهدف المعلن للجان التنظيم والبناء هو مساعدة المواطن في تسهيل عملية البناء بشكل منظم لا يخالف القانون ولا يسبب الضرر لطرف آخر. ولكن لهذه اللجان في الوسط العربي هدف آخر وهو وضع العراقيل وإنهاك المواطن حتى يصل إلى مرحلة من اليأس حتى يهدم بيته أو يرحل. وإلا كيف نفسر أن آلاف المواطنين العرب لا يحصلون على ترخيص ومن ثم يضطرون للبناء "اللاشرعي" بينما يحصل المواطنون اليهود والمستوطنات على جميع التسهيلات؟
هل نحن شعب نحب مخالفة القانون ونعشق دفع الغرامات ونهوى الدخول للسجون؟
بدأت جريمتي المستمرة قبل حوالي 13 سنة بعدما يئست من لجنة التنظيم والبناء التابعة لمجلس مسغاف الإقليمي أن تصدر لي ترخيصا وذلك بحجج واهية مفعمة بالعنصرية. وقد حوكمت منذ ذلك الوقت عدة مرات بحجة أن جريمتي خطيرة ومستمرة ولم أنفذ قرار المحكمة. في كل مرة تطلب فيها النيابة تحويل الأحكام مع وقف التنفيذ إلى أحكام فعلية وسعادة القاضي يلبي الطلب. كيف لا والقانون واضح: لا يوجد هدم ولا يوجد رخصة إذن أنت مخالف للقانون ومدان.
في الجلسة الأخيرة قبل عدة أيام ألقيت نظرة على قائمة المتهمين الملصقة على باب القاضي والذين يجب عليهم المثول أمام القاضي. كان هناك 30 اسما بتهمة مخالفة قانون البناء والتنظيم من بينهم 29 اسم عربي.
لقد حكم علي بأربعة أشهر سجن تم تحويلها للعمل في خدمة الجمهور وتفعيل التزاما ماليا قديما بمبلغ 15000 شاقل بالإضافة إلى غرامة جديدة بمبلغ 5000 شاقل، هذا بالإضافة إلى عقوبات جديدة مع وقف التنفيذ. بعد المحكمة توجه إلي كهل لا أعرفه وقال لي: أنت شخص محظوظ فقد فرض عليك القاضي غرامة بسيطة.
يقف المواطن الفلسطيني في هذه البلاد وحيدا في معركة غير متكافئة أمام القانون المجحف ولجان التنظيم والبناء والمحكمة. أين دور البلديات والأحزاب السياسية ولجنة المتابعة وباقي المؤسسات المدنية في هذه القضية؟ تكاد تكون هذه المؤسسات غائبة تماما. في بعض الأحيان تكتفي بتصريحات دعم كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، خصوصا في الحالات التي تصل إلى درجة الهدم الفعلي ومن ثم تعود إلى سباتها العميق؟ متى على مؤسساتنا المذكورة أن تتخذ موقفا مبدئيا من هذه الأمور؟
شخصيا لست متفائلا في أن يكون هناك أي تحول جذري في موقف هذه المؤسسات. لذلك أدعو جميع المواطنين المتضررين مباشرة من لجان التنظيم المعتمدة قانون جائر والمدعومة من قبل حكومة تمارس سياسة عنصرية، للوحدة من أجل تحدي هذه اللجان ومن يقف ورائها.
No comments:
Post a Comment