فلسطين رقم غير قابل للقسمة
علي زبيدات – سخنين
قلت ذات مرة أنه من الطبيعي أن يكون هناك، في الحياة عموما وفي السياسة خصوصا، فجوة بين النظرية والتطبيق، بين ما تؤمن به حقيقة وبين ما تظهره، بين ما تقوله للآخرين عبر وسائل الإعلام المختلفة وبين ما تمارسه عمليا، ولكن أن تكون هناك قطيعة كلية أو شبه كلية بين هذه الأمور أو أن يكون هناك تناقض صارخ ومباشر فيما بينها فهذا أمر غير طبيعي حسب كافة المعايير. وهذه هي إحدى مصائبنا المزمنة نحن معشر الفلسطينيين بشكل عام ونحن في فلسطين المحتلة عام 1948 بشكل خاص. خذوا مثلا وعد بلفور فقد أطلقنا عليه اسم: الوعد المشئوم، وعد من لا بملك لمن لا يستحق. ولم نترك صفة سلبية إلا وألصقناها بهذا الوعد الجاحد. ولكننا عمليا قبلنا به برحابة صدر لا بل ومنحنا دولة إسرائيل أكثر مما منحه هذا الوعد نفسه. على الأقل يوجد في نص هذا الوعد جملة تدعو إلى عدم " انتقاص الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين". بينما ما نقبل به اليوم ( ومنذ فترة طويلة) هو تفريط بكافة الحقوق المشروعة. إذن ما الفائدة من كيل الشتائم لوعد صدر قبل حوالي القرن من الزمن بينما نقبل الآن بما لم يحلم به بلفور أو الحركة الصهيونية التي قطع هذا الوعد من أجلها؟ أليس مثل هذا الموقف قمة العهر والنفاق؟
مثل آخر: لم نوفر شتائمنا من اتفاقية سايكس – بيكو وسمينا الدول التي تمخضت فيما بعد عن هذا الاتفاق بحظائر سايكس – بيكو وملأنا الصحف والكتب والأبحاث والدراسات في مهاجمة هذه الاتفاقية التي جاءت لتمزق العالم العربي والأمة العربية ورسمت الحدود الوهمية على الجسد الواحد بينما جعلنا نحن من هذه الحدود حدودا فولاذية لا يمكن اختراقها. فبينما يستطيع الأوروبي أن يقطع بلدان أوروبا المتنافرة قوميا وسياسيا، طولا وعرضا بدون تأشيرة دخول وبدون جواز سفر وبدون أن يرى إشارة: قف الحدود أمامك، نرى المواطن العربي يقف ذليلا كالشحاذ أمام السفارات العربية للحصول على تأشيرة أو أمام المعابر الحدودية لدخول البلد "الشقيق". إذن، والحالة هذه فما الفائدة من الكلام ضد هذه الاتفاقية وما هو مدى مصداقية هذا الكلام بينما نقوم بتنفيذها بحذافيرها؟
واليوم تمر علينا الذكرى ال64 لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين والمعروف بقرار 181. ماذا يمكن أن بقال في هذه المناسبة ولم يقال؟ لا شيء تقريبا. رفض معظم الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وشرائحه وبحق هذا القرار المجحف، إذ لا يعقل أن يخسر أحد أكثر من نصف ما يملكه بين ليلة وضحاها عن طريق القوة والخداع ويقبل ويعترف بذلك. ومن تجرأ بقبول هذا القرار دمغ بالخيانة وعوقب بالنبذ والحصار. الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي أصبح فيما بعد الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي أيد هذا القرار بعدما كان يعارضه وذلك انسجاما مع الموقف السوفييتي المنقلب على نفسه هو خير دليل على ذلك. فقد كان هذا الحزب في ذلك الوقت كما تقول النكتة ولا أدرى ما هو مصدرها: إذا أمطرت السماء في موسكو رفع الرفاق هنا مظلاتهم. وقد حاول هذا الحزب جاهدا أن يبرر موقفه هذا بأنه الحزب الوحيد الذي كان يعي حجم المؤامرة وخيانة الأنظمة العربية وأن قبول هذا القرار هو الطريق الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.غير أن هذا الكلام لم يكن ليقنع أحدا، وما زال الحزب الشيوعي الإسرائيلي يدفع ثمن موقفه هذا بالرغم من انعكاس الأمور 180 درجة. فاليوم، الموقف الفلسطيني الرسمي متخلف بدرجات عما قدمه قرار التقسيم. مما شجع الحزب الشيوعي الإسرائيلي لأن يقول: "الحجر الذي رفضه البناؤون عام 1947أصبح حجر الزاوية" جارا معه بعض "المفكرين" الجدد الذين اعتبروا رفض قرار التقسيم كان خطأ تاريخيا. مما لا شك فيه أن اتفاقيات أوسلو المتدحرجة إلى يومنا هذا أسوأ بما لا يقاس من قرار التقسيم. وفي الحقيقة أنا لا أستطيع أن أفهم من يرفض قرار التقسيم ويعتبره مؤامرة ويقبل باتفاقيات أوسلو ويعتبرها انجازا، وإذا كان هناك من يفهم ذلك فليعمل معروفا ويفهمني.
إذا لم نتصالح مع أنفسنا ونتخلص من عقدة التناقض في داخلنا، وإذا لم نؤمن بما نقوله وبقيت أفعالنا تتناقض مع أقوالنا فلن نستطيع أبدا إيقاف هذا التدهور العظيم الذي أوصلنا إلى الحضيض من وعد بلفور مرورا بسايكس بيكو وقرار التقسيم إلى أوسلو ومشتقاتها.
علي زبيدات – سخنين
قلت ذات مرة أنه من الطبيعي أن يكون هناك، في الحياة عموما وفي السياسة خصوصا، فجوة بين النظرية والتطبيق، بين ما تؤمن به حقيقة وبين ما تظهره، بين ما تقوله للآخرين عبر وسائل الإعلام المختلفة وبين ما تمارسه عمليا، ولكن أن تكون هناك قطيعة كلية أو شبه كلية بين هذه الأمور أو أن يكون هناك تناقض صارخ ومباشر فيما بينها فهذا أمر غير طبيعي حسب كافة المعايير. وهذه هي إحدى مصائبنا المزمنة نحن معشر الفلسطينيين بشكل عام ونحن في فلسطين المحتلة عام 1948 بشكل خاص. خذوا مثلا وعد بلفور فقد أطلقنا عليه اسم: الوعد المشئوم، وعد من لا بملك لمن لا يستحق. ولم نترك صفة سلبية إلا وألصقناها بهذا الوعد الجاحد. ولكننا عمليا قبلنا به برحابة صدر لا بل ومنحنا دولة إسرائيل أكثر مما منحه هذا الوعد نفسه. على الأقل يوجد في نص هذا الوعد جملة تدعو إلى عدم " انتقاص الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين". بينما ما نقبل به اليوم ( ومنذ فترة طويلة) هو تفريط بكافة الحقوق المشروعة. إذن ما الفائدة من كيل الشتائم لوعد صدر قبل حوالي القرن من الزمن بينما نقبل الآن بما لم يحلم به بلفور أو الحركة الصهيونية التي قطع هذا الوعد من أجلها؟ أليس مثل هذا الموقف قمة العهر والنفاق؟
مثل آخر: لم نوفر شتائمنا من اتفاقية سايكس – بيكو وسمينا الدول التي تمخضت فيما بعد عن هذا الاتفاق بحظائر سايكس – بيكو وملأنا الصحف والكتب والأبحاث والدراسات في مهاجمة هذه الاتفاقية التي جاءت لتمزق العالم العربي والأمة العربية ورسمت الحدود الوهمية على الجسد الواحد بينما جعلنا نحن من هذه الحدود حدودا فولاذية لا يمكن اختراقها. فبينما يستطيع الأوروبي أن يقطع بلدان أوروبا المتنافرة قوميا وسياسيا، طولا وعرضا بدون تأشيرة دخول وبدون جواز سفر وبدون أن يرى إشارة: قف الحدود أمامك، نرى المواطن العربي يقف ذليلا كالشحاذ أمام السفارات العربية للحصول على تأشيرة أو أمام المعابر الحدودية لدخول البلد "الشقيق". إذن، والحالة هذه فما الفائدة من الكلام ضد هذه الاتفاقية وما هو مدى مصداقية هذا الكلام بينما نقوم بتنفيذها بحذافيرها؟
واليوم تمر علينا الذكرى ال64 لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين والمعروف بقرار 181. ماذا يمكن أن بقال في هذه المناسبة ولم يقال؟ لا شيء تقريبا. رفض معظم الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وشرائحه وبحق هذا القرار المجحف، إذ لا يعقل أن يخسر أحد أكثر من نصف ما يملكه بين ليلة وضحاها عن طريق القوة والخداع ويقبل ويعترف بذلك. ومن تجرأ بقبول هذا القرار دمغ بالخيانة وعوقب بالنبذ والحصار. الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي أصبح فيما بعد الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي أيد هذا القرار بعدما كان يعارضه وذلك انسجاما مع الموقف السوفييتي المنقلب على نفسه هو خير دليل على ذلك. فقد كان هذا الحزب في ذلك الوقت كما تقول النكتة ولا أدرى ما هو مصدرها: إذا أمطرت السماء في موسكو رفع الرفاق هنا مظلاتهم. وقد حاول هذا الحزب جاهدا أن يبرر موقفه هذا بأنه الحزب الوحيد الذي كان يعي حجم المؤامرة وخيانة الأنظمة العربية وأن قبول هذا القرار هو الطريق الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.غير أن هذا الكلام لم يكن ليقنع أحدا، وما زال الحزب الشيوعي الإسرائيلي يدفع ثمن موقفه هذا بالرغم من انعكاس الأمور 180 درجة. فاليوم، الموقف الفلسطيني الرسمي متخلف بدرجات عما قدمه قرار التقسيم. مما شجع الحزب الشيوعي الإسرائيلي لأن يقول: "الحجر الذي رفضه البناؤون عام 1947أصبح حجر الزاوية" جارا معه بعض "المفكرين" الجدد الذين اعتبروا رفض قرار التقسيم كان خطأ تاريخيا. مما لا شك فيه أن اتفاقيات أوسلو المتدحرجة إلى يومنا هذا أسوأ بما لا يقاس من قرار التقسيم. وفي الحقيقة أنا لا أستطيع أن أفهم من يرفض قرار التقسيم ويعتبره مؤامرة ويقبل باتفاقيات أوسلو ويعتبرها انجازا، وإذا كان هناك من يفهم ذلك فليعمل معروفا ويفهمني.
إذا لم نتصالح مع أنفسنا ونتخلص من عقدة التناقض في داخلنا، وإذا لم نؤمن بما نقوله وبقيت أفعالنا تتناقض مع أقوالنا فلن نستطيع أبدا إيقاف هذا التدهور العظيم الذي أوصلنا إلى الحضيض من وعد بلفور مرورا بسايكس بيكو وقرار التقسيم إلى أوسلو ومشتقاتها.