خيمة 1948 مقابل خيمة 2011
علي زبيدات – سخنين
سئلت عن موقفي من حركة الاحتجاج الإسرائيلية التي تجتاح البلاد منذ أكثر من أسبوعين وعن تأثير ما يسمى بالربيع العربي على هذه الاحتجاجات، وأخيرا وليس آخرا وربما كان السؤال الأهم: ما هو دور الجماهير الفلسطينية في هذه البلاد؟ هل ينبغي أن تنضم إلى هذه الاحتجاجات وتلقي بثقلها في خيام الاعتصام وتتبنى مطالبها؟ أم عليها أن تقيم خيامها الخاصة وتطالب بتحقيق مطالبها الخاصة؟ أم عليها أن تعتزل وتقف وقفة المتفرج وتقول: هذه الاحتجاجات لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد. وهناك العديد من التساؤلات الأخرى المتفرعة عن ذلك.
لنبدأ من النهاية: شعار حركة الاحتجاج الإسرائيلية الرئيسي، المستمد، مع التحريف طبعا، من حركات الاحتجاج العربية هو: " الشعب يريد عدالة اجتماعية الآن". هذا الشعار يلخص جوهر الاحتجاجات الإسرائيلية السابقة والراهنة والقادمة أيضا. أولا: عندما يعرفون الشعب، فنحن الفلسطينيون نجد أنفسنا ليس فقط خارج تعريفهم بل نجد أنفسنا في خانة "أعداء الشعب". وثانيا ما معنى عدالة اجتماعية والدولة بأسرها تقوم منذ يومها الأول على الظلم الاجتماعي الذي يجسده اغتصاب أرض فلسطين وتشريد أهلها.
من هنا جاء جوابي النهائي المسبق الذي لا يقبل أي نقاش وهو: أن كل نضال في دولة إسرائيل هو بالضرورة ومن حيث التعريف نضال رجعي ما دام يتعارض أو يتجاهل النضال من أجل إعادة الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني كاملة والتي تتلخص في تحرير الأرض وعودة اللاجئين.
باختصار: حركة الاحتجاج الإسرائيلية هي حركة رجعية في جوهرها مهما كانت مطالبها ومهما حاولنا إضفاء التبريرات الإيديولوجية عليها كما تفعل بعض الأحزاب. مطالب الأزواج الشابة، طلاب الجامعات، الأطباء وغيرهم لا يمكن أن تكون مطالب تقدمية إذا كانت تتنكر لحقوق أصحاب الأرض وتتسابق في هضمها وقمع كل من يطالب بها. هذه النضالات جاءت في أحسن الحالات لكي تحسن من ظروف المغتصبين الحياتية بينما مهمتنا هي معاقبة المغتصبين. هل من مهمتي، أنا الفلسطيني اللاجئ المشرد، أن ينعم مغتصبي بحياة رغدة وينال شقة سكنية أوسع على أرضي وبأسعار رخيصة؟ ليذهب هذا المغتصب إلى الجحيم وليتشرد في الشوارع. ما هو رأي سكان الخيام الجديدة والنظيفة والملونة في تل أبيب والقدس وحيفا وباقي المدن الإسرائيلية بالخيام الفلسطينية السوداء التي ملأت المنطقة في عام 1948؟ هل يعترفون بمسؤوليتهم عن تلك الخيام؟ من يريد أن يحصل على شقة مريحة ومن يريد أن يستأجر شقة بسعر معقول في هذه البلاد لا يمكنه أبدا أن يهرب أو يتهرب من مواجهة هذا السؤال.
لا يمكن فصل المطالب الاجتماعية عن المطالب السياسية خصوصا في هذه البلاد مهما حاول عصام مخول وأيمن عودة وعودة بشارات وغيرهم ابتذال الشيوعية كنظرية نقدية كبرى وتحويلها إلى نظرية ليبرالية مبتذلة تقود إلى ممارسات أشد ابتذالا. لا يهمني إذا صرح مخول بأنه يفتخر بانتمائه إلى الشعب الإسرائيلي أو لم يصرح، كما لا يهمني كثيرا ماذا تقوله وثيقة السادس من حزيران 1980. فهو "جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني" حسب الوثيقة وهو في الوقت نفسه "جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب الإسرائيلي" فأين التناقض؟ هل يوجد تناقض؟ لا يوجد تناقض. أنصح الرفيق مخول وباقي الرفاق أن يحضروا المسرحية الكوميدية "خادم لسيدين".
لست من الواقعين في فخ الحركة الصهيونية. ولا أقول بأن المجتمع الإسرائيلي يخلو من الصراعات الطبقية. ولست ممن "يؤدلجون ضيق الأفق القومي" ولا أؤمن بأن "الشعب اليهودي" حالة استثنائية مميزة لأني وبكل بساطة لا أؤمن بوجود "شعب يهودي" أصلا إلا داخل المخيلة المريضة لبعض العنصريين الصهاينة. لقد سئمنا من المناكفة العقيمة بين الحزب الشيوعي الإسرائيلي والتجمع الوطني الديمقراطي (مع وبدون هلالين) الذي لا يقل إسرائيلية عن الحزب الشيوعي.
ما قلته سابقا لا يقلل من أهمية الحركة الاحتجاج الإسرائيلية. ولعل أكثر مساهمة ايجابية قدمتها لنا هي أنها عرت قيادتنا المحلية من أحزاب سياسية ولجنة متابعة مرة أخرى. فبالرغم من كلامنا الغزير ولكن الفارغ عن ضائقتنا السكنية وهدم البيوت وعدم الترخيص ومناطق النفوذ وغيرها إلا أن هذه القيادة جبنت من تأخذ زمام المبادرة بيدها وتعمل شيئا، وفقط بعد مرور أكثر من أسبوعين قررت وبشكل خجول ركوب الموجة ويدها على قلبها: هل سيتم الترحيب بها أم أو لفظها.
هذه الحركة مهمة أيضا لأنها تعبر عن أزمة الدولة ككل، بل عن أزمة النظام الرأسمالي العالمي بأسره. في نهاية المطاف سوف يجد هؤلاء المحتجون، الموحدون بيمينهم ويسارهم، بليبرالييهم وعنصريهم، أنفسهم يقفون أمام السؤال الذي يلاحقهم ويهربون منه: هل دولة إسرائيل ستقدم لهم الحلول؟ أم أنهم سيكتشفون أن هذه الدولة هي مشكلتهم الحقيقية؟
No comments:
Post a Comment