المجاعات والموت هي صناعات رأسمالية
علي زبيدات – سخنين
الصور التي تبثها الفضائيات يوميا عن المجاعة في القرن الأفريقي فظيعة ومحزنة ولكنها ليست فقط كذلك، إنها مثيرة للسخط والغضب في الوقت نفسه. مظاهر الأطفال الذين يشبهون الهياكل العظمية في فلم رعب أمريكي، الشيوخ والنساء ومظاهر الفقر المدقع والبؤس والجوع، أنها جميعها أمور لا تصدق، إنها وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء. ولكنها أولا وقبل كل شيء جريمة مروعة. وككل جريمة يوجد هناك مجرم اقترفها يجب فضحه، إلقاء القبض عليه، تقديمه إلى المحاكمة ومعاقبته عقابا صارما يتناسب مع هول الجريمة.
كالعادة، الفضائيات ومن ورائها مما يسمى بالمجتمع الدولي والمؤسسات "الإنسانية" التي يرعاها النظام الرأسمالي السائد تبرئ المجرم الحقيقي وتبحث عن عوامل ثانوية لكي تحملها مسؤولية هذه الجرائم. تقول لنا هذه الفضائيات ومن يمولها ويقف وراءها: أن المسئول عن المجاعة في القرن الإفريقي هو الجفاف الذي يضرب تلك المنطقة. ومن يستطيع أن يكذب الصور التي تجسد هذا الجفاف؟ إلا أن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. طبعا يوجد هناك جفاف، وهذا الجفاف يلعب دورا مهما في تفشي المجاعات ولكن من هنا وحتى تحميل الجفاف جريمة هذه المجاعات المسافة طويلة.
أولا وقبل كل شيء الجفاف نفسه كجزء من ظاهرة التحولات المناخية التي تشهدها كرتنا الأرضية المسئول الأول عنه هو النظام الرأسمالي العالمي المهيمن، وهذا باعتراف الدول الصناعية المتطورة نفسها. ثانيا، لماذا هذا العجز في مواجهة الجفاف؟ أثيوبيا مثلا هي خزان عالمي للمياه وأراضيها تشمل المنابع الأساسية لنهر النيل الذي يمر فيه 115 مليار كوب سنويا، فكيف لا يوجد هناك سياسة لتزويد جنوبها الذي يضربه الجفاف بشكل دائم بالمياه الضرورية؟ أوغندا وكينيا وحتى الصومال التي تقع في مركز الجفاف والمجاعة لديها ما يكفي من المياه لمواجهة الجفاف والتغلب عليه. إذن يوجد هناك عامل آخر هو المسئول عن هذه الجرائم البشعة. منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة: الفاو تذكر بالإضافة إلى الجفاف غلاء الأسعار والنزاعات العسكرية الداخلية كأسباب لتفشي المجاعة. فمثلا أسعار الذرة وباقي الحبوب في هذه المنطقة ارتفعت في الثلاث سنوات الأخيرة بنسبة تتراوح بين 60-120%. أما النزاعات المسلحة فحدث فيها بلا حرج. في الصومال لا يوجد حكومة معترف بها منذ سنوات. الكل هناك يطلق النار على الكل. وعدد قطع الأسلحة بين أيدي الناس يزيد عن عدد الأرغفة. والوضع ليس أحسن بكثير في باقي دول القرن الأفريقي الأخرى. ولكن الفاو وباقي المؤسسات التابعة للأمم المتحدة مرة أخرى تتستر على المجرم الحقيقي وتحاول تبرئته من خلال الدعوة للإسراع بإرسال المساعدات الغذائية. لا تقول الفاو مثلا من هو المسئول عن غلاء أسعار السلع الأساسية وما هي علاقة هذا الغلاء بالأزمة الاقتصادية التي عصفت مؤخرا بالدول الرأسمالية المتطورة. ولا تقول شيئا حول من يشعل نار النزاعات الداخلية المسلحة ومن الذي يزود الأطراف المتنازعة بالسلاح. الجواب واضح: النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تفعل ذلك. ولكن الوضع أخطر من ذلك بكثير. دول القرن الأفريقي ليست دولا فقيرة فهي غنية بالمواد الخام من معادن مختلفة منها اليورانيوم والغاز الطبيعي ومؤخرا تم اكتشاف حقول نفط واسعة في الصومال، هذا بالإضافة إلى الأراضي الخصبة التي لا تكفي لإطعام السكان المحليين فحسب بل ولتصدير الفائض أيضا. أين ذهبت هذه الثروات؟ بكل بساطة يتم سلبها من قبل الشركات الرأسمالية العالمية. لم أصدق عيني عندما قرأت أن هذه الشركات تحتكر حقولا واسعة في أثيوبيا وكينيا لزراعة الزهور التي تصدر إلى أوروبا بدلا من أن تكون مزروعة بالذرة والقمح. بينما يتلقى العامل في هذه المزارع أجرا يوميا لا يزيد عن 50 سنت.
4 ملايين صومالي مهددون بالموت جوعا. 14 مليون أفريقي في القرن الأفريقي مهددون بالموت جوعا. مليار إنسان في شتى أرجاء العالم يعانون من سوء التغذية. إذن، النظام الرأسمالي العالمي هو القاتل، هو المجرم الحقيقي، هو المسئول ليس عن المجاعات فحسب بل وعن الجفاف وغلاء المعيشة والحروب المتواصلة أيضا. ولا يغرنكم ذر الرماد في العيون على شكل هبات ومساعدات وقروض يقدمها هذا النظام القاتل.
نحن، سكان هذه المنطقة من العالم، نعرف هذه الحقيقة جيدا من واقع قطاع غزة. قطاع غزة ليس فقيرا كما يصوره البعض. وهو يستطيع سد احتياجات سكانه بكاملها وحتى تصدير العديد من السلع إلى الخارج. النظام الرأسمالي من تل أبيب إلى واشنطن مرورا بباريس ولندن هو الذي يخنق ويفرض الفقر على قطاع غزة. غزة ليست بحاجة إلى هبات الدول المانحة وليست بحاجة إلى الملايين التي ما زالت حبرا على ورق والتي خصصها أمراء النفط كذبا وبهتانا لإعادة إعمارها. إنها بحاجة إلى أمر واحد فقط: ارفعوا أيديكم القذرة عن قطاع غزة وهو سيعمر نفسه والآخرين أيضا.
في هذا الشهر، شهر رمضان تزداد المواعظ ضد البذخ والتبذير، وأنا شخصيا لست من المتحمسين للمواعظ، فالبذخ مستمر والتبذير مستمر بل ويزداد أيضا والطوابير أمام حوانيت الحلويات والمواد الغذائية والمطاعم الفاخرة تزداد طولا. وبدل أن يصرح أحد زعامات الحركة الإسلامية في البلاد أمام آلاف المستمعين أنه سوف يرسل المساعدات الإنسانية للصومال ننصحه أن يبدأ بإرسال هذه المساعدات إلى غزة وهي الأقرب. ولكن أولا يجب البدء بمحاربة البذخ والتبذير والاختصار من الإفطارات الجماعية المبالغ فيها والإعلان عن حملة لنصرة غزة يتم تنفيذها في عيد الفطر.
علي زبيدات – سخنين
الصور التي تبثها الفضائيات يوميا عن المجاعة في القرن الأفريقي فظيعة ومحزنة ولكنها ليست فقط كذلك، إنها مثيرة للسخط والغضب في الوقت نفسه. مظاهر الأطفال الذين يشبهون الهياكل العظمية في فلم رعب أمريكي، الشيوخ والنساء ومظاهر الفقر المدقع والبؤس والجوع، أنها جميعها أمور لا تصدق، إنها وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء. ولكنها أولا وقبل كل شيء جريمة مروعة. وككل جريمة يوجد هناك مجرم اقترفها يجب فضحه، إلقاء القبض عليه، تقديمه إلى المحاكمة ومعاقبته عقابا صارما يتناسب مع هول الجريمة.
كالعادة، الفضائيات ومن ورائها مما يسمى بالمجتمع الدولي والمؤسسات "الإنسانية" التي يرعاها النظام الرأسمالي السائد تبرئ المجرم الحقيقي وتبحث عن عوامل ثانوية لكي تحملها مسؤولية هذه الجرائم. تقول لنا هذه الفضائيات ومن يمولها ويقف وراءها: أن المسئول عن المجاعة في القرن الإفريقي هو الجفاف الذي يضرب تلك المنطقة. ومن يستطيع أن يكذب الصور التي تجسد هذا الجفاف؟ إلا أن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. طبعا يوجد هناك جفاف، وهذا الجفاف يلعب دورا مهما في تفشي المجاعات ولكن من هنا وحتى تحميل الجفاف جريمة هذه المجاعات المسافة طويلة.
أولا وقبل كل شيء الجفاف نفسه كجزء من ظاهرة التحولات المناخية التي تشهدها كرتنا الأرضية المسئول الأول عنه هو النظام الرأسمالي العالمي المهيمن، وهذا باعتراف الدول الصناعية المتطورة نفسها. ثانيا، لماذا هذا العجز في مواجهة الجفاف؟ أثيوبيا مثلا هي خزان عالمي للمياه وأراضيها تشمل المنابع الأساسية لنهر النيل الذي يمر فيه 115 مليار كوب سنويا، فكيف لا يوجد هناك سياسة لتزويد جنوبها الذي يضربه الجفاف بشكل دائم بالمياه الضرورية؟ أوغندا وكينيا وحتى الصومال التي تقع في مركز الجفاف والمجاعة لديها ما يكفي من المياه لمواجهة الجفاف والتغلب عليه. إذن يوجد هناك عامل آخر هو المسئول عن هذه الجرائم البشعة. منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة: الفاو تذكر بالإضافة إلى الجفاف غلاء الأسعار والنزاعات العسكرية الداخلية كأسباب لتفشي المجاعة. فمثلا أسعار الذرة وباقي الحبوب في هذه المنطقة ارتفعت في الثلاث سنوات الأخيرة بنسبة تتراوح بين 60-120%. أما النزاعات المسلحة فحدث فيها بلا حرج. في الصومال لا يوجد حكومة معترف بها منذ سنوات. الكل هناك يطلق النار على الكل. وعدد قطع الأسلحة بين أيدي الناس يزيد عن عدد الأرغفة. والوضع ليس أحسن بكثير في باقي دول القرن الأفريقي الأخرى. ولكن الفاو وباقي المؤسسات التابعة للأمم المتحدة مرة أخرى تتستر على المجرم الحقيقي وتحاول تبرئته من خلال الدعوة للإسراع بإرسال المساعدات الغذائية. لا تقول الفاو مثلا من هو المسئول عن غلاء أسعار السلع الأساسية وما هي علاقة هذا الغلاء بالأزمة الاقتصادية التي عصفت مؤخرا بالدول الرأسمالية المتطورة. ولا تقول شيئا حول من يشعل نار النزاعات الداخلية المسلحة ومن الذي يزود الأطراف المتنازعة بالسلاح. الجواب واضح: النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تفعل ذلك. ولكن الوضع أخطر من ذلك بكثير. دول القرن الأفريقي ليست دولا فقيرة فهي غنية بالمواد الخام من معادن مختلفة منها اليورانيوم والغاز الطبيعي ومؤخرا تم اكتشاف حقول نفط واسعة في الصومال، هذا بالإضافة إلى الأراضي الخصبة التي لا تكفي لإطعام السكان المحليين فحسب بل ولتصدير الفائض أيضا. أين ذهبت هذه الثروات؟ بكل بساطة يتم سلبها من قبل الشركات الرأسمالية العالمية. لم أصدق عيني عندما قرأت أن هذه الشركات تحتكر حقولا واسعة في أثيوبيا وكينيا لزراعة الزهور التي تصدر إلى أوروبا بدلا من أن تكون مزروعة بالذرة والقمح. بينما يتلقى العامل في هذه المزارع أجرا يوميا لا يزيد عن 50 سنت.
4 ملايين صومالي مهددون بالموت جوعا. 14 مليون أفريقي في القرن الأفريقي مهددون بالموت جوعا. مليار إنسان في شتى أرجاء العالم يعانون من سوء التغذية. إذن، النظام الرأسمالي العالمي هو القاتل، هو المجرم الحقيقي، هو المسئول ليس عن المجاعات فحسب بل وعن الجفاف وغلاء المعيشة والحروب المتواصلة أيضا. ولا يغرنكم ذر الرماد في العيون على شكل هبات ومساعدات وقروض يقدمها هذا النظام القاتل.
نحن، سكان هذه المنطقة من العالم، نعرف هذه الحقيقة جيدا من واقع قطاع غزة. قطاع غزة ليس فقيرا كما يصوره البعض. وهو يستطيع سد احتياجات سكانه بكاملها وحتى تصدير العديد من السلع إلى الخارج. النظام الرأسمالي من تل أبيب إلى واشنطن مرورا بباريس ولندن هو الذي يخنق ويفرض الفقر على قطاع غزة. غزة ليست بحاجة إلى هبات الدول المانحة وليست بحاجة إلى الملايين التي ما زالت حبرا على ورق والتي خصصها أمراء النفط كذبا وبهتانا لإعادة إعمارها. إنها بحاجة إلى أمر واحد فقط: ارفعوا أيديكم القذرة عن قطاع غزة وهو سيعمر نفسه والآخرين أيضا.
في هذا الشهر، شهر رمضان تزداد المواعظ ضد البذخ والتبذير، وأنا شخصيا لست من المتحمسين للمواعظ، فالبذخ مستمر والتبذير مستمر بل ويزداد أيضا والطوابير أمام حوانيت الحلويات والمواد الغذائية والمطاعم الفاخرة تزداد طولا. وبدل أن يصرح أحد زعامات الحركة الإسلامية في البلاد أمام آلاف المستمعين أنه سوف يرسل المساعدات الإنسانية للصومال ننصحه أن يبدأ بإرسال هذه المساعدات إلى غزة وهي الأقرب. ولكن أولا يجب البدء بمحاربة البذخ والتبذير والاختصار من الإفطارات الجماعية المبالغ فيها والإعلان عن حملة لنصرة غزة يتم تنفيذها في عيد الفطر.
No comments:
Post a Comment