من الذي انتصر في ليبيا؟ الشعب الليبي أم حلف الناتو؟
علي زبيدات – سخنين
سقط نظام حسني مبارك في يوم الجمعة 11 فبراير 2011 وعمت الفرحة معظم شوارع العالم العربي. وبالرغم من انتقاداتي السابقة واللاحقة على مجرى الثورة وخصوصا على ضرورة استمراريتها، تعميقها والسير بها حتى النهاية إلا أن الحدث حسب رأيي كان يستحق الاحتفال في كل بيت عربي وشارع. على جناح السرعة، قررت المبادرة بالاتصال بجميع فنانينا الملتزمين وتنظيم مهرجان احتفالي في سخنين بمناسبة انتصار الثورة المصرية ومن قبلها الثورة التونسية. بالرغم من ضيق الوقت ومن التجاوب المتواضع للفنانين، والتجاوب المتواضع من الجماهير إلا أن المهرجان قام في يوم الأحد 13 فبراير أي بعد يومين فقط من انتصار الثورة وكانت الفنانة الملتزمة سلام أبو آمنة على رأس المحتفلين. قلت من على المنصة وأنا تحت تأثير الحماس الشديد الذي وصل إلى حد الهستيريا، خصوصا وأن رياح الثورة أخذت تهب على بلدان عربية أخرى: هذا هو الاحتفال الأول وسوف نحتفل هنا بانتصار كل ثورة عربية، في اليمن وليبيا والبحرين وسوريا والأردن والمغرب وفلسطين.
منذ ذلك التاريخ لم تنتصر أي ثورة عربية، ما عدا "ثورة" ليبيا. وها أنا أنكث بوعدي. لم استطع الاحتفال بل لم استطع حتى الفرح بسقوط صنم عربي آخر. لقد استحوذت علي الشكوك: هل ما حدث في ليبيا كان ثورة أصلا؟ هل نال الشعب الليبي حريته؟ أم أن كل ما هنالك أنه فاز باستعمار جديد؟ كيف يمكن الاحتفال أو حتى الفرح إلى جانب نيقولاي ساركوزي، سلفيو برلسكوني، ديفيد كاميرون وحمد بن خليفة آل ثاني؟ وهل المحتفلون في بنغازي وطرابلس يمثلون حقا الشعب الليبي؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد من مراجعة كل ما آمنت به وناضلت من أجله حتى ألان.
أولا: يجب أن أغير رأيي وموقفي من حلف الناتو. فهو ليس حلفا امبرياليا قام من أجل ما يسميه هو: مقاومة الخطر الشيوعي وحماية أعضائه الذين ينتمون إلى"العالم الحر" من هذا الخطر. وقام بشن الحرب الباردة التي تحولت إلى حرب ساخنة في العديد من الدول النامية: كوريا، فيتنام، لاوس، كمبوديا، كوبا، تشيلي وغيرها. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بدأ يبحث عن عدو جديد فوجده في العالم الإسلامي والعربي فشن حرب إبادة في أفغانستان والعراق ووقف إلى جانب دولة إسرائيل في جميع حروبها. بل هو حلف يناصر الشعوب المظلومة ويدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وثانيا: يجب تقديم اعتذاري إلى كل من كرزاي والجلبي والمالكي وعلاوي والسنيورة والحريري وعباس وفياض الذين اتهمتهم بالعمالة أو التواطؤ مع الامبريالية بينما هم أبطال وطنيون على غرار زميلهم في ليبيا مصطفى عبد الجليل.
ثالثا: يجب أن أسحب كل ما قلته عن جامعة الدول العربية: عن عجزها وفسادها وأن أكف عن التطاول على بعض الأنظمة العربية ونعتها بالرجعية فها هي وقفت إلى جانب "الثورة" الليبية وخصوصا دول الخليج والسعودية وقرار الجامعة العربية الذي شكل الغطاء اللازم لحلف الناتو من أجل التدخل العسكري. حمد بن خليفة آل ثاني هو تشي جيفارا الشرق بعد وقفته المشرفة إلى جانب "الكتائب الأممية" في العراق والبحرين وليبيا. يا لسخرية الأقدار!
عند كتابة هذه السطور كان مصير القذافي الشخصي ما زال مجهولا. إلا أن مصير نظامه كان قد حسم قبل ذلك بعدة أشهر أي بعد قرار جامعة الدول العربية بتفويض مجلس الأمن فرض حظر الجوي على ليبيا لحماية المدنيين وبعد قرار مجلس الأمن تنفيذ هذه "الحماية" من خلال غارات حلف الناتو الجوية، وكأنه لا يوجد مدنيين في المناطق التي تعرضت لهذه الغارات. لقد شن حلف الناتو بناء على تصريحاته هو أكثر من 7500 غارة جوية، فلماذا لم تقم قناة الجزيرة والعربية بتغطية هذه الغارات خصوصا تلك التي استهدفت المدنيين وأوقعت ضحايا لن نعرف عددها أبدا بينما كانت تعيد بث صور غارات كتائب القذافي التي استهدفت المدنيين مهما كانت ضئيلة عشرات بل مئات المرات؟
لا أدافع عن نظام القذافي ولا أتباكى على سقوطه. فقد كتبت عن ضرورة إسقاطه عندما كان المحتفلون اليوم يحجون إليه وينادونه بملك الملوك ورئيس الرؤساء. لكن للحقيقة وللتاريخ لم يكن القذافي أسوأ من باقي الحكام العرب الذين يتم السكوت عن جرائمهم. هل الملوك والرؤساء العرب من محمد السادس في المغرب مرورا بعبد الله الثاني في الأردن وحتى ملك السعودية وباقي أمراء الخليج أفضل من القذافي؟ فلماذا لا يقوم حلف الناتو إذا كانت مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان العربي تهمه إلى هذه الدرجة بتخليصنا منهم؟.
تمتلئ صفحة الفيسبوك بالتهاني من قبل المنافقين "الوطنيين" قبل غيرهم ومن قبل الحريصين على حقوق الإنسان بسقوط الطاغية وبهذا النصر العظيم الذي حققه الشعب الليبي! بدون أن ينبسوا ببنت شفة حول عودة الاستعمار إلى هذا البلد إلى سابق عهده.
ما حدث في ليبيا لا يمت للثورة بصلة. إنه صراع على السلطة بين نخب قبائلية متناحرة. القيادة في المجلس الوطني الانتقالي كانوا إلى فترة بسيطة مضت من أركان نظام القذافي وشاركوه عشرات السنين بجرائمه. سوف يتغير من يقف على رأس النظام ولكن النظام نفسه باق، ولكن هذه المرة سوف يكون أكثر خضوعا للنظام الامبريالي العالمي.
لقد أعدم عمر المختار من قبل المستعمر الايطالي مرة واحدة. ولكنه يعدم كل يوم من قبل الطرفين المتصارعين الذين يقترفون جرائمهم باسمه. دعوا عمر المختار يستريح في قبره، لا تقلقوا راحته الأبدية. فروح عمر المختار سوف تلاحقكم حتى انتصار الثورة الحقيقية.
علي زبيدات – سخنين
سقط نظام حسني مبارك في يوم الجمعة 11 فبراير 2011 وعمت الفرحة معظم شوارع العالم العربي. وبالرغم من انتقاداتي السابقة واللاحقة على مجرى الثورة وخصوصا على ضرورة استمراريتها، تعميقها والسير بها حتى النهاية إلا أن الحدث حسب رأيي كان يستحق الاحتفال في كل بيت عربي وشارع. على جناح السرعة، قررت المبادرة بالاتصال بجميع فنانينا الملتزمين وتنظيم مهرجان احتفالي في سخنين بمناسبة انتصار الثورة المصرية ومن قبلها الثورة التونسية. بالرغم من ضيق الوقت ومن التجاوب المتواضع للفنانين، والتجاوب المتواضع من الجماهير إلا أن المهرجان قام في يوم الأحد 13 فبراير أي بعد يومين فقط من انتصار الثورة وكانت الفنانة الملتزمة سلام أبو آمنة على رأس المحتفلين. قلت من على المنصة وأنا تحت تأثير الحماس الشديد الذي وصل إلى حد الهستيريا، خصوصا وأن رياح الثورة أخذت تهب على بلدان عربية أخرى: هذا هو الاحتفال الأول وسوف نحتفل هنا بانتصار كل ثورة عربية، في اليمن وليبيا والبحرين وسوريا والأردن والمغرب وفلسطين.
منذ ذلك التاريخ لم تنتصر أي ثورة عربية، ما عدا "ثورة" ليبيا. وها أنا أنكث بوعدي. لم استطع الاحتفال بل لم استطع حتى الفرح بسقوط صنم عربي آخر. لقد استحوذت علي الشكوك: هل ما حدث في ليبيا كان ثورة أصلا؟ هل نال الشعب الليبي حريته؟ أم أن كل ما هنالك أنه فاز باستعمار جديد؟ كيف يمكن الاحتفال أو حتى الفرح إلى جانب نيقولاي ساركوزي، سلفيو برلسكوني، ديفيد كاميرون وحمد بن خليفة آل ثاني؟ وهل المحتفلون في بنغازي وطرابلس يمثلون حقا الشعب الليبي؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد من مراجعة كل ما آمنت به وناضلت من أجله حتى ألان.
أولا: يجب أن أغير رأيي وموقفي من حلف الناتو. فهو ليس حلفا امبرياليا قام من أجل ما يسميه هو: مقاومة الخطر الشيوعي وحماية أعضائه الذين ينتمون إلى"العالم الحر" من هذا الخطر. وقام بشن الحرب الباردة التي تحولت إلى حرب ساخنة في العديد من الدول النامية: كوريا، فيتنام، لاوس، كمبوديا، كوبا، تشيلي وغيرها. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بدأ يبحث عن عدو جديد فوجده في العالم الإسلامي والعربي فشن حرب إبادة في أفغانستان والعراق ووقف إلى جانب دولة إسرائيل في جميع حروبها. بل هو حلف يناصر الشعوب المظلومة ويدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وثانيا: يجب تقديم اعتذاري إلى كل من كرزاي والجلبي والمالكي وعلاوي والسنيورة والحريري وعباس وفياض الذين اتهمتهم بالعمالة أو التواطؤ مع الامبريالية بينما هم أبطال وطنيون على غرار زميلهم في ليبيا مصطفى عبد الجليل.
ثالثا: يجب أن أسحب كل ما قلته عن جامعة الدول العربية: عن عجزها وفسادها وأن أكف عن التطاول على بعض الأنظمة العربية ونعتها بالرجعية فها هي وقفت إلى جانب "الثورة" الليبية وخصوصا دول الخليج والسعودية وقرار الجامعة العربية الذي شكل الغطاء اللازم لحلف الناتو من أجل التدخل العسكري. حمد بن خليفة آل ثاني هو تشي جيفارا الشرق بعد وقفته المشرفة إلى جانب "الكتائب الأممية" في العراق والبحرين وليبيا. يا لسخرية الأقدار!
عند كتابة هذه السطور كان مصير القذافي الشخصي ما زال مجهولا. إلا أن مصير نظامه كان قد حسم قبل ذلك بعدة أشهر أي بعد قرار جامعة الدول العربية بتفويض مجلس الأمن فرض حظر الجوي على ليبيا لحماية المدنيين وبعد قرار مجلس الأمن تنفيذ هذه "الحماية" من خلال غارات حلف الناتو الجوية، وكأنه لا يوجد مدنيين في المناطق التي تعرضت لهذه الغارات. لقد شن حلف الناتو بناء على تصريحاته هو أكثر من 7500 غارة جوية، فلماذا لم تقم قناة الجزيرة والعربية بتغطية هذه الغارات خصوصا تلك التي استهدفت المدنيين وأوقعت ضحايا لن نعرف عددها أبدا بينما كانت تعيد بث صور غارات كتائب القذافي التي استهدفت المدنيين مهما كانت ضئيلة عشرات بل مئات المرات؟
لا أدافع عن نظام القذافي ولا أتباكى على سقوطه. فقد كتبت عن ضرورة إسقاطه عندما كان المحتفلون اليوم يحجون إليه وينادونه بملك الملوك ورئيس الرؤساء. لكن للحقيقة وللتاريخ لم يكن القذافي أسوأ من باقي الحكام العرب الذين يتم السكوت عن جرائمهم. هل الملوك والرؤساء العرب من محمد السادس في المغرب مرورا بعبد الله الثاني في الأردن وحتى ملك السعودية وباقي أمراء الخليج أفضل من القذافي؟ فلماذا لا يقوم حلف الناتو إذا كانت مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان العربي تهمه إلى هذه الدرجة بتخليصنا منهم؟.
تمتلئ صفحة الفيسبوك بالتهاني من قبل المنافقين "الوطنيين" قبل غيرهم ومن قبل الحريصين على حقوق الإنسان بسقوط الطاغية وبهذا النصر العظيم الذي حققه الشعب الليبي! بدون أن ينبسوا ببنت شفة حول عودة الاستعمار إلى هذا البلد إلى سابق عهده.
ما حدث في ليبيا لا يمت للثورة بصلة. إنه صراع على السلطة بين نخب قبائلية متناحرة. القيادة في المجلس الوطني الانتقالي كانوا إلى فترة بسيطة مضت من أركان نظام القذافي وشاركوه عشرات السنين بجرائمه. سوف يتغير من يقف على رأس النظام ولكن النظام نفسه باق، ولكن هذه المرة سوف يكون أكثر خضوعا للنظام الامبريالي العالمي.
لقد أعدم عمر المختار من قبل المستعمر الايطالي مرة واحدة. ولكنه يعدم كل يوم من قبل الطرفين المتصارعين الذين يقترفون جرائمهم باسمه. دعوا عمر المختار يستريح في قبره، لا تقلقوا راحته الأبدية. فروح عمر المختار سوف تلاحقكم حتى انتصار الثورة الحقيقية.
No comments:
Post a Comment