Wednesday, August 17, 2011

سوريا: هل هي ثورة أم مؤامرة؟

سوريا: هل هي ثورة أم مؤامرة؟
علي زبيدات - سخنين

كلما كثرت المعلومات التي تردنا عما يجري في سوريا كلما ابتعدت وضاعت الحقيقة. إننا نقف أمام فيض بالمعلومات تغرقنا فيها قناة الجزيرة والعربية وال BBC الانجليزية وال CNN الأمريكية و France 24 باللغة العربية وعشرات القنوات الفضائية والمواقع العنكبوتية والصحف. كل هذا الفيض والأراضي السورية مغلقة في وجه وسائل الإعلام هذه فكيف تكون حالة هذا الكم الهائل من المعلومات لو كانت الحدود السورية مفتوحة أمامها؟ أي "شاهد عيان" يظهر على شاشة الجزيرة عبر الهاتف هو شاهد زور وأي منهم هو شاهد حقيقي؟ أي مقطع فيديو تم تركيبه أو العبث به أو منتجته عن طريق الفوتو شوب وأي مقطع يصور بصدق ما يجرى على أرض الواقع؟.
لا أريد أن أكرر نفسي فقد كتبت في هذا الموضوع سابقا. تطورات الأحداث لم تزعزع إيماني بما قلت بل بالعكس فقد زاد هذا الإيمان رسوخا.
وضعت أمامي مقياسين لتقييم حركات الاحتجاج العربية والتي يسميها البعض بشكل جارف بالثورات العربية، الاول: مدى جذرية التحولات الاجتماعية والسياسية التي تطرحها هذه الحركات منذ اندلاعها وخلال الصراع ومدى تحقيق هذه التحولات في البلدان التي انتصرت فيها (تونس ومصر). الثاني: مدى مقاومة نظام العولمة الرأسمالي ورفض هيمنته ومقاومته.
يشكل هذان المقياسان بالنسبة لي، وأرجو أن يكون كذلك بالنسبة للآخرين أيضا، نوعا من البوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح وتحذر من الانحراف. في الحقيقة كانت انجازات حركات الاحتجاج العربية، وأنا لا أجرؤ على تسمية جميعها بالثورات لأن ذلك سيكون تجنيا على مفهوم الثورة، في كلا المجالين متواضعة جدا في الأماكن التي سقط فيها النظام (مصر وتونس) أما في الأماكن التي لم يسقط فيها النظام بعد (ليبيا، اليمن، البحرين، سوريا) وفي باقي الأماكن التي لم يصل فيها الصراع إلى حد الانفجار فالوضع أسوأ بما لا يقاس.
في تونس ومصر على سبيل المثال، وهنا لا أتردد أبدا أن أطلق اسم الثورة على التحولات التي حصلت فيها من حيث المد الجماهيري والمشاركة الشعبية التي أسفرت عن إسقاط النظام. ولكن أين التحولات الاجتماعية والسياسية التي حصلت؟ لم أسمع مثلاعن إعادة تقسيم عادل لثروات البلد. لم أسمع عن تأميم بنوك أو شركات احتكارية أو إعادة توزيع أراض أو لجم تغول رأس المال المحلي المدعوم عالميا. في مصر مثلا لم يستطيعوا حتى التخلص من صفقة بيع الغاز لإسرائيل بالرغم من اتفاق الجميع على إجحافها. وأين رفض الهيمنة الامبريالية؟ ولا كلمة، بل على العكس يحاول النظامين الجديدين في كل من تونس ومصر الحفاظ على العلاقات الحميمة مع النظام الامبريالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومع الاتحاد الأوروبي. الوضع أسوأ بما لا يقاس في ليبيا حيث قام المعارضون بإرجاع القوى الامبريالية متمثلة بحلف الناتو إلى البلد الذي قدم آلاف الشهداء للتحرر من نيرها. انك بحاجة لخيال مريض حتى تسمي قيادة المعارضين الليبيين بالثوار، هذا بغض النظر عن طبيعة النظام القائم.
لنعود إلى الوضع في سوريا والذي يهمنا أضعاف ما يهمنا الوضع في ليبيا أو في أي قطر عربي آخر. ليس فقط لأن سوريا قريبة علينا جغرافيا ولها دور خاص تجاه القضية الفلسطينية، بل لأننا كفلسطينيين نشكل جزءا لا يتجزأ من بلاد الشام ومن شعبها بالرغم من حالة التمزق التي فرضتها علينا معاهدة سايكس – بيكو وبالرغم من النزاعات الإقليمية لبعض الطبقات الحاكمة. هل ما يجري في سوريا هو مؤامرة دولية – إقليمية – محلية لإسقاط نظام الممانعة خدمة لدولة إسرائيل؟ أم هي ثورة شعبية ضد نظام قمعي فاسد؟ مما لا شك فيه أنه يوجد هناك مؤامرة تستهدف سوريا ودورها في النزاع العربي – الإسرائيلي وإلا كيف يمكن أن نفهم تكالب أمريكا وأوروبا والرجعية العربية لمحاصرة وإسقاط النظام السوري؟ هل يمكن أن نقف إلى جانب الاستبداد في قطر والسعودية والى جانب تيار المستقبل اللبناني ونصدق أن دورهم هو حرصا على الشعب السوري ودفاعا عن حريته ورخائه؟ هل يمكن أن نطمر رؤوسنا بالرمل ولا نرى التحركات الإسرائيلية المخابراتية لاختراق كل بلد عربي؟ ولكن، ومن جهة أخرى، هل ينفي هذا استبدادية وفساد النظام السوري؟ كلا طبعا. إذن، الوضع في غاية التعقيد ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبسيطه. وهنا لا بد من العودة إلى البوصلة التي تكلمت عنها سابقا. ما يقلقني هنا هو انجراف قوى المعارضة السورية في العموميات. الاقتصار على الشعارات العامة حول إسقاط النظام الاستبدادي واستبداله بنظام ديمقراطي لم تعد كافية. خصوصا وأن الديمقراطية على الطريقة الأمريكية عليها علامات استفهام كبيرة. حتى ألان لم أسمع عن أية معارضة سورية تطرح برنامجا اجتماعيا سياسيا تقدميا وتدعو الجماهير لتبنيه والنضال من أجله. والاهم من ذلك لم أسمع عن تصريحات من أية جهة معارضة تدعو إلى مقاومة الهيمنة امبريالية وكل أشكال التدخل الأجنبي. بالمقابل توجد هناك أوساط معينة من المعارضة السورية ترتمي في أحضان الامبريالية الغربية ومنها من قابل وزيرة الخارجية الأمريكية مؤخرا. هنا لا تكفي التصريحات العامة برفض التدخل العسكري الأجنبي بل يجب فضح ورفض مثل هذا التدخل بجميع أشكاله. حتى تستحق حركات الاحتجاج السورية اسم ثورة يجب أن تطرح برنامجا اجتماعيا سياسيا جذريا وتقدميا وأن تعبر عن مدى رفضها ومقاومتها للهيمنة الامبريالية. أقول ذلك وأنا أضع ما آلت إليه الثورة الفلسطينية (ثورة مجازا) نصب عيني: إذ كيف يمكن اعتبارها ثورة وهي تدور في فلك الامبريالية والصهيونية؟ كيف يمكن اعتبارها ثورة وهي غارقة من رأسها إلى أخمص قدميها بالفساد؟
انتهى نظام البعث السوري تاريخيا ولكن هل نريد احمد جلبي، كرزاي، عباس، حريري آخر؟؟

No comments: