علي زبيدات - سخنين
تأتي الذكرى ال62 لقرار تقسيم فلسطين هذه السنة بينما يحتفل العرب والمسلمون بعيد الأضحى. وعلى ما أظن، وأتمنى أن أكون مخطئا في ظني هذا، أنه في خضم مآدب الشواء التي لا تنتهي والرحلات الترفيهية المتنوعة لن يكون لديهم متسعا من الوقت أو مزاجا ملائما للتوقف أمام هذه الذكرى الأليمة لتقسيم أكثر ضحية مأساوية في حياة البشر تفوق بما لا يقاس خروف إبراهيم وابنه وباقي الخرفان والأبقار والجمال التي ضحي بها من ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
في 29 تشرين ثاني 1947 قرر أصحاب القوة والقرار، الذين خرجوا منتصرين من الحرب العالمية الثانية، مكافأة حركة من العصابات الاستيطانية الصهيونية الخارجة على القانون بمنحها قسما عزيزا من فلسطين لكي تقيم عليها دولة يهودية، وذلك بغياب كامل لشعب فلسطين.
لن نجدد شيئا إذا كررنا للمرة المليون أن هذا القرار كان مجحفا بحق الشعب الفلسطيني حسب كافة المقاييس المتعارف عليها: كيف يعقل أن يحظى ثلث السكان الطارئين الذين قدموا من شتى أصقاع الأرض على 55% الأرض؟ حسب أية قوانين تكون مثل هذه القسمة عادلة؟ ولا نريد هنا أن نعود إلى الوراء ونتكلم عن الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على الدول النامية لكي تصوت إلى جانب قرار التقسيم. ولا نريد أن نكرر الارتداد السوفيتي عن مواقفه المبدئية السابقة وسيره في الثلم نفسه مع الدول الامبريالية ودعمه لعصابات المستوطنين. كل هذه الوقائع تعبر عن نفسها وليست بحاجة إلى أي تفسير أو شرح.
في الحقيقة، إنا أتفهم تماما ما حدث في تلك الحقبة الزمنية ومثلي الكثيرون: القوة العسكرية والاقتصادية هي التي فرضت الواقع ولم يكن هناك دور لأي اعتبارات أخرى واردة من عالم الأخلاق أو المبادئ أو العدالة. وهذه القوة كانت موجودة بشكلها المطلق عند الطرف الآخر وما كان أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يدفع الثمن، وقد كان الثمن باهظا جدا كما هو معروف للجميع.
ولكني لا أستطيع أن أتفهم أبدا أن يقوم شخص أو مجموعة أشخاص معدودين على الضحية بقبول وتبني هذا القرار المجحف وإيجاد الأعذار والتبريرات التي هي أبشع من ذنوب لتسويغ ذلك. وهذا ما يفعله على سبيل المثال لا الحصر القيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، عصام مخول، في مقالة طويلة نشرتها جريدة الاتحاد وموقع الجبهة بعنوان: "حين يصبح اللاحل هو الحل". يعيد الكاتب كتابة التاريخ على طريقة تذكرني بالمثل الصيني الذي يقول إذا كان الحذاء ضيقا فعليك بقص أصابع القدم لكي تتلاءم مع الحذاء. في سياق دفاعه عن حل الدولتين، الحل الوحيد الواقعي والعادل والذي يضمن حق تقرير المصير للشعبين، يبرر الكاتب قبول الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي لاحقا) لقرار التقسيم ويدافع عن هذا القرار بعدما يصور الأمور وكأن الخيار كان بين قبول قرار التقسيم الذي يؤمن للشعب الفلسطيني حوالي نصف البلد وبين النكبة. ونتيجة تحليله أن جماهير الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية كانت من الغباء بأنها رفضت قرار التقسيم واختارت النكبة. أي أن الضحية هي الملومة، على عكس ما كان يردده أحد أقطاب هذا الحزب، ولكن في سياق آخر: لا تلوموا الضحية.
قلت في مقالة سابقة أن الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي) منذ ميلاده قبل 90 سنة وهو يعيش في تناقض داخلي بسبب نشأته وترعرعه في ظل مشروع كولونيا لي عنصري لا يمكن أن تتعايش مع إيديولوجية تحررية تقدمية.
لم يكن الشعب الفلسطيني غبيا عندما رفض قرار التقسيم جملة وتفصيلا. كان ضعيفا، ممزقا، يعاني من تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي بسبب أربعة قرون من الاحتلال العثماني ولكنه لم يكن غبيا. كان يناضل من أجل حقه الطبيعي في الحياة والبقاء. لذلك رفض قرار التقسيم كما رفض من قبله قرار الانتداب ووعد بلفور. ومهما طال الزمن ومهما تغيرت موازين القوى، ومهما تساقطت قوى كانت في يوم من الأيام محسوبة على المعسكر الوطني، سيبقى البند التاسع عشر من الميثاق الوطني الفلسطيني يجسد ضمير الشعب الفلسطيني الحي. يقول هذا البند الذي قامت سلطة أوسلو بشطبه:" تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير"
منذ أن تخلى الحزب الشيوعي الفلسطيني عن مطالبته بدولة ديمقراطية واحدة وتبنيه حل الدولتين لشعبين في أعقاب قبوله لقرار التقسيم وهو يختبئ وراء شعار حق الأمم في تقرير مصيرها التي دافعت عنه وناضلت من أجله الحركة الشيوعية عندما كانت ثورية. وهذا ما بزعمه عصام مخول بصراحة في مقاله المذكور بأن قيام دولة إسرائيل هو تجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. هذا تشويه وتزييف لمبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها. أولا منذ متى يطلق على عصابات استيطانية أمة؟ وثانيا، ولنفرض جدلا أنها أمة أو أصبحت أمة فهل لها الحق في أن تقرر مصيرها على حساب أمة أخرى؟
قرار التقسيم كان مؤامرة صهيونية امبريالية على فلسطين وشعبها، وفي ذلك الوقت لم يقع في فخ هذه المؤامرة من الأحزاب السياسية سوى الحزب الشيوعي الذي كان من المفروض أن يقود النضال ضدها. ولكن بعد 62 عاما وقعت في شباك هذه المؤامرة الحركة الوطنية الفلسطينية بكاملها مع بعض الاستثناءات وقد عبرت عن هذا التحول الخطير ما يسمى وثيقة الاستقلال الفلسطينية التي نصت على ما يلي: "فإن هذا القرار (قرار التقسيم) ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني"
قرار التقسيم كان في 29 تشرين الثاني عام 1947 قرارا لا يمت للشرعية الدولية وغير الدولية بصلة وهو اليوم لا يمت للشرعية بصلة وسيبقى أبد الدهر لا يمت للشرعية بصلة حتى يتم إلغائه هو وكافة نتائجه.
تأتي الذكرى ال62 لقرار تقسيم فلسطين هذه السنة بينما يحتفل العرب والمسلمون بعيد الأضحى. وعلى ما أظن، وأتمنى أن أكون مخطئا في ظني هذا، أنه في خضم مآدب الشواء التي لا تنتهي والرحلات الترفيهية المتنوعة لن يكون لديهم متسعا من الوقت أو مزاجا ملائما للتوقف أمام هذه الذكرى الأليمة لتقسيم أكثر ضحية مأساوية في حياة البشر تفوق بما لا يقاس خروف إبراهيم وابنه وباقي الخرفان والأبقار والجمال التي ضحي بها من ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
في 29 تشرين ثاني 1947 قرر أصحاب القوة والقرار، الذين خرجوا منتصرين من الحرب العالمية الثانية، مكافأة حركة من العصابات الاستيطانية الصهيونية الخارجة على القانون بمنحها قسما عزيزا من فلسطين لكي تقيم عليها دولة يهودية، وذلك بغياب كامل لشعب فلسطين.
لن نجدد شيئا إذا كررنا للمرة المليون أن هذا القرار كان مجحفا بحق الشعب الفلسطيني حسب كافة المقاييس المتعارف عليها: كيف يعقل أن يحظى ثلث السكان الطارئين الذين قدموا من شتى أصقاع الأرض على 55% الأرض؟ حسب أية قوانين تكون مثل هذه القسمة عادلة؟ ولا نريد هنا أن نعود إلى الوراء ونتكلم عن الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على الدول النامية لكي تصوت إلى جانب قرار التقسيم. ولا نريد أن نكرر الارتداد السوفيتي عن مواقفه المبدئية السابقة وسيره في الثلم نفسه مع الدول الامبريالية ودعمه لعصابات المستوطنين. كل هذه الوقائع تعبر عن نفسها وليست بحاجة إلى أي تفسير أو شرح.
في الحقيقة، إنا أتفهم تماما ما حدث في تلك الحقبة الزمنية ومثلي الكثيرون: القوة العسكرية والاقتصادية هي التي فرضت الواقع ولم يكن هناك دور لأي اعتبارات أخرى واردة من عالم الأخلاق أو المبادئ أو العدالة. وهذه القوة كانت موجودة بشكلها المطلق عند الطرف الآخر وما كان أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يدفع الثمن، وقد كان الثمن باهظا جدا كما هو معروف للجميع.
ولكني لا أستطيع أن أتفهم أبدا أن يقوم شخص أو مجموعة أشخاص معدودين على الضحية بقبول وتبني هذا القرار المجحف وإيجاد الأعذار والتبريرات التي هي أبشع من ذنوب لتسويغ ذلك. وهذا ما يفعله على سبيل المثال لا الحصر القيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، عصام مخول، في مقالة طويلة نشرتها جريدة الاتحاد وموقع الجبهة بعنوان: "حين يصبح اللاحل هو الحل". يعيد الكاتب كتابة التاريخ على طريقة تذكرني بالمثل الصيني الذي يقول إذا كان الحذاء ضيقا فعليك بقص أصابع القدم لكي تتلاءم مع الحذاء. في سياق دفاعه عن حل الدولتين، الحل الوحيد الواقعي والعادل والذي يضمن حق تقرير المصير للشعبين، يبرر الكاتب قبول الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي لاحقا) لقرار التقسيم ويدافع عن هذا القرار بعدما يصور الأمور وكأن الخيار كان بين قبول قرار التقسيم الذي يؤمن للشعب الفلسطيني حوالي نصف البلد وبين النكبة. ونتيجة تحليله أن جماهير الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية كانت من الغباء بأنها رفضت قرار التقسيم واختارت النكبة. أي أن الضحية هي الملومة، على عكس ما كان يردده أحد أقطاب هذا الحزب، ولكن في سياق آخر: لا تلوموا الضحية.
قلت في مقالة سابقة أن الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي) منذ ميلاده قبل 90 سنة وهو يعيش في تناقض داخلي بسبب نشأته وترعرعه في ظل مشروع كولونيا لي عنصري لا يمكن أن تتعايش مع إيديولوجية تحررية تقدمية.
لم يكن الشعب الفلسطيني غبيا عندما رفض قرار التقسيم جملة وتفصيلا. كان ضعيفا، ممزقا، يعاني من تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي بسبب أربعة قرون من الاحتلال العثماني ولكنه لم يكن غبيا. كان يناضل من أجل حقه الطبيعي في الحياة والبقاء. لذلك رفض قرار التقسيم كما رفض من قبله قرار الانتداب ووعد بلفور. ومهما طال الزمن ومهما تغيرت موازين القوى، ومهما تساقطت قوى كانت في يوم من الأيام محسوبة على المعسكر الوطني، سيبقى البند التاسع عشر من الميثاق الوطني الفلسطيني يجسد ضمير الشعب الفلسطيني الحي. يقول هذا البند الذي قامت سلطة أوسلو بشطبه:" تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير"
منذ أن تخلى الحزب الشيوعي الفلسطيني عن مطالبته بدولة ديمقراطية واحدة وتبنيه حل الدولتين لشعبين في أعقاب قبوله لقرار التقسيم وهو يختبئ وراء شعار حق الأمم في تقرير مصيرها التي دافعت عنه وناضلت من أجله الحركة الشيوعية عندما كانت ثورية. وهذا ما بزعمه عصام مخول بصراحة في مقاله المذكور بأن قيام دولة إسرائيل هو تجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. هذا تشويه وتزييف لمبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها. أولا منذ متى يطلق على عصابات استيطانية أمة؟ وثانيا، ولنفرض جدلا أنها أمة أو أصبحت أمة فهل لها الحق في أن تقرر مصيرها على حساب أمة أخرى؟
قرار التقسيم كان مؤامرة صهيونية امبريالية على فلسطين وشعبها، وفي ذلك الوقت لم يقع في فخ هذه المؤامرة من الأحزاب السياسية سوى الحزب الشيوعي الذي كان من المفروض أن يقود النضال ضدها. ولكن بعد 62 عاما وقعت في شباك هذه المؤامرة الحركة الوطنية الفلسطينية بكاملها مع بعض الاستثناءات وقد عبرت عن هذا التحول الخطير ما يسمى وثيقة الاستقلال الفلسطينية التي نصت على ما يلي: "فإن هذا القرار (قرار التقسيم) ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني"
قرار التقسيم كان في 29 تشرين الثاني عام 1947 قرارا لا يمت للشرعية الدولية وغير الدولية بصلة وهو اليوم لا يمت للشرعية بصلة وسيبقى أبد الدهر لا يمت للشرعية بصلة حتى يتم إلغائه هو وكافة نتائجه.