Thursday, September 21, 2017

التحرر عن طريق التسول والاستجداء

التحرر عن طريق التسول والاستجداء
علي زبيدات - سخنين

في خطابه من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال72 وأمام رؤساء ووفود الدول الأعضاء وأمام كاميرات وسائل الإعلام العالمية، توقف محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية عدة مرات موجها سؤاله للحضور الذين يمثلون ما يسمى بالمجتمع الدولي قائلا: إلى أين نذهب؟ إلى أين نذهب؟ لو كنت موجودا في القاعة لقلت له بكل بساطة: أفضل شيء هو أن تذهب إلى البيت. فلم يبق من عمرك إلا القليل فلماذا لا تمتع به بين ابنائك واحفادك؟. طبعا أعلم أنه لما سأل: إلى أين نذهب؟ لم يكن يقصد هو وأفراد عائلته بل كان يقصد الشعب الفلسطيني برمته، فهو قد سافر إلى نيويورك خصيصا ليتكلم باسم الشعب الفلسطيني، أليس كذلك؟ صحيح، أنه لم يتكلم باسمنا نحن الفلسطينيين الذين نعيش في المناطق المحتلة عام 1948 حيث تنازل لنتنياهو عن هذا الحق. ولكن لا تقلق يا سيادة الرئيس فالشعب الفلسطيني يعرف إلى أين يذهب بدونك.
ما يحدث في نيويورك في هذه الأيام، أقصد الدورة ال72 للجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة هي مسرحية بالرغم من كثرة النجوم(رؤساء وملوك ووفود تضم النخب من دول العالم)، هي مسرحية هابطة وتافهة باعتراف نجمها الأول دونالد ترامب الذي وصفها بمكان للثرثرة وعدم النجاعة وطالب بإصلاحها. شخصيا، أشد ما أكره هو الاستماع إلى الخطابات المنمقة وغير المنمقة للزعامات بغض النظر عن ألقابها لذلك نادرا ما أجلس أمام التلفاز لاستمع الى هذه الخطابات بالبث المباشر، واكتفي فيما بعد بقراءة بعض التلخيصات أو المقتطفات التي تتناولها وسائل الإعلام لكي أبقى "محتلناً". ولكن لأسباب خاصة من السهل تخمينها كان لدي هذه المرة إستثناءان، فقد استمعت لخطاب محمود عباس وبنيامين نتنياهو كاملين. لست هنا بصدد المقارنة بين الخطابين، اصلا لا يوجد هناك مكان للمقارنة. في خطاب الاول ينضح بالاستجداء والتمسكن وخطاب الثاني يفيض بالوقاحة والتعجرف.
بالإضافة للجملة التي ذكرتها آنفا والتي كررها محمود عباس في خطابه عدة مرات: إلى أين نذهب، إلى أين نذهب؟ وهو يقصد طبعا إذا لم نذهب اليكم (للأمم المتحدة)، فقد كرر جملة أخرى عدة مرات:" لقد قلت لكم ذلك هنا السنة الماضية": قلت أن إسرائيل تواصل الاستيطان ضاربة بعرض الحائط القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة. وقلت انها تتراجع عن حل الدولتين، وأنها تماطل في استئناف المفاوضات وتدعي عدم وجود شريك وتضع شروطا تعجيزية وتتهرب من طرح ومناقشة الأمور الجوهرية وتستبدلها بأمور هامشية مثل وقف التحريض. والخلاصة: لقد تبين أن محمود عباس في خطابه الأخير وباعترافه لم يقل شيئا جديدا. فقد قال ما قاله قبل سنة وربما قبل سنتين وقبل 3 سنوات وفي كل دورة للجمعية العمومية.  وتابع: منذ 24 سنة أي منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو اعترفنا بدولة إسرائيل، قبلنا مبادرة السلام العربية التي تضمن تطبيع العلاقات مباشرة مع 57 دولة عربية وإسلامية ولكن اسرائيل رفضتها، اعترفنا بخارطة الطريق الامريكية واسرائيل افشلتها. اعترفنا بالمبادرة الفرنسية ومؤتمر باريس واسرائيل قاطعته، وقبلنا مبادرة بوتين والرئيس الصيني وها نحن نرحب بمساعي دونالد ترامب لعقد صفقة تاريخية. ونحن معكم في محاربة الإرهاب ونريد إنهاء الاحتلال لأن ذلك ضروري لإكمال الجهود لمواجهة الارهاب. ومع اقتراب الخطاب الطويل من نهايته يرفع محمود عباس يديه مستسلما: نحن لا نستطيع حماية أنفسنا، إسرائيل قوية، نطالب بحماية دولية، فإذا لم تحمونا فمن الذي سوف يحمينا؟ كلام الجمعية العمومية لا يمشي وكلام مجلس الأمن لا يمشي... استجداء والمزيد من الاستجداء. تذلل والمزيد من التذلل.
قد يقول البعض إن هذا الكلام فيه الكثير من التجني، فقد هدد الرئيس بالتوجه للمحكمة الجنائية الدولية لتقديم شكوى ضد الاستيطان وضد اعتداءات المستوطنين. آه هدد، أكيد الحكومة الإسرائيلية ترتجف الآن خوفا من هذا التهديد. لم ننس بعد ما صنعتم بتقرير غولدستون وسحب الشكوى بعد الحرب الأخيرة على غزة من المحكمة الجنائية ذاتها.
لا تفهموا الرئيس غلط، فالنضال ضد الاحتلال مستمر ولن يتوقف ولكن فقط بالطرق السلمية، لا عودة للإرهاب مفهوم؟ ولا يهمه نسف مبدأ مقاومة الاحتلال بكل الوسائل من أساسه كما تتبناه الأمم المتحدة نفسها
واخيرا فجر الرئيس قنبلة من العيار الثقيل لم ينتبه إليها أحد وخصوصا في الإعلام المحلي: بما أن السلطة أصبحت دون سلطة والاحتلال دون كلفة، ونحن نقترب من هذه اللحظة تسليم كل شيء من جديد لدولة إسرائيل، كدولة احتلال لكي تتحمل المسؤولية. صحيح أن خياره الأول يبقى حل الدولتين: دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، ولكن بما أن إسرائيل جعلت من هذا الخيار مستحيلا بسياستها الاستيطانية فلتكن دولة واحدة في فلسطين التاريخية يتمتع بها جميع المواطنين بالمساواة. أي أن محمود عباس هو الآخر بدأ يلوح بالدولة الواحدة، ولكن هذه المرة بدولة إسرائيل الواحد’
ألا تشمون رائحة واحدة صادرة عن تصريحات ترامب، نتنياهو وعباس؟؟