Thursday, September 14, 2017

في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا

في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا
علي زبيدات - سخنين

ماذا نعني بالضبط عندما نكرر في ذكرى كل مجزرة وما أكثرها منذ عام النكبة وحتى يومنا هذا وبدون كلل أو ملل: " لن ننسى ولن نغفر"؟ هل حقا نقصد ما نقوله أم أن قولنا هذا ليس أكثر من شعار جاف، متحجر وخال من أي محتوى ومضمون نستعمله للتنفيس عن نفسياتنا المنهكة أو كقناع لاخفاء عجزنا وايجاد المبررات لتخاذلنا ورضوخنا؟ وهذا يذكرني بشعار آخر نردده سنويا في مناسبة أخرى يقول: "ثورة ثورة حتى النصر" بينما لم يعد هناك لا ثورة ولا يحزنون.
ماذا يعني عدم النسيان إذا رافقه الصمت والخنوع؟ أليست اضراره في هذه الحالة أكثر من فوائده؟ وما الفائدة من عدم الغفران إذا لم يكن المقصود منه العمل الجاد لمعاقبة المجرمين والانتقام منهم؟ أليس هذا هو حالنا في الذكرى ال35 لمجزرة صبرا وشاتيلا؟. لست هنا بصدد سرد أحداث هذه المجزرة الرهيبة والكلام عن أسبابها ونتائجها. فقد كتب الكثير في هذا المجال من قبل كافة الأطراف المتورطة ومن قبل غيرهم ولم يبق هناك أية معلومة جديدة لاضافتها. ولكن ما زال هناك الكثير ليقال على المستوى الاخلاقي والانساني وعلى الصعيد الشخصي والوطني والعالمي.
لم يعد هناك من ينكر وقوع هذه المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها آلاف المواطنين العزل ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم أجد في التاريخ الحديث مجزرة أخرى بهذه البشاعة قوبلت بمثل هذه اللامبالاة وعدم الاكتراث حتى من قبل أقرب الناس للضحايا. وللمفارقة، المتهم الرئيسي في ارتكاب هذه المجزرة وهي دولة إسرائيل كانت الطرف الوحيد الذي شكل لجنة تحقيق رسمية بالرغم من كونها أبعد ما تكون عن النزاهة وكان هدفها المعلن هو تبرئة هذا الكيان من المسؤولية، وبالفعل جاءت هذه التبرئة كما كان متوقعا ولكن بطعم الإدانة، وكما عبر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلي في ذلك الوقت مناحم بيغن: "عرب يقتلون عربا ويتهمون إسرائيل". وكانت دولة إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي شهدت مظاهرة في تل أبيب شارك فيها مئات الآلاف ومن ضمنهم قيادات قاموا هم أنفسهم بمجازر قبل وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا ومن ضمنهم شمعون بيريز واسحاق رابين. ولكن بالمقابل لم تقم لبنان التي وقعت على أراضيها هذه المجزرة والتي كان مرتكبي المجزرة المباشرين من مواطنيها، لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي، بالمطالبة بتشكيل لجنة للتحقيق بما جرى. وما يهمني هنا التشديد على المستوى الشعبي حيث لم تجرؤ لا منظمة التحرير الفلسطينية ولا أحد من حلفائها في المعسكر الوطني اللبناني على المطالبة بذلك. بينما عندما تم اغتيال شخص واحد فيما بعد وهو رفيق الحريري أقاموا الدنيا ولم يقعدوها للمطالبة بلجنة تحقيق دولية ومحاكمة المتورطين حتى عندما كانوا مجهولي الهوية.
جامعة الدول العربية والتي من المفروض أن يكون لها دور ريادي في الموضوع ليس فقط أنها لم تحرك ساكنا واكتفت بالإدانة اللفظية التي لا تكلف شيئا ولا تجدي فتيلا، بل انها وبعد فترة وجيزة أصدرت صك براءة لكل المتورطين في الجرائم بحجة المصالحة الوطنية ووضع حد للحرب الأهلية اللبنانية. وهكذا اصبح المجرم رقم واحد في المجزرة المدعو ايلي حبيقة وزيرا وعضو برلمان يتمتع بالحصانة وتم احتضانه هو وآخرين من قبل النظام السوري"المقاوم". لم يكن حبيقة الوحيد الذي تمت تبرئته بدون أي تحقيق أو محاكمة بل كان هناك أيضا: سمير جعجع، وفادي افرام، ميشال عون، إتيان صقر، كريم بقرادوني، ميشال سماحة، روبرت حاتم، فؤاد ابي ناظر، والقائمة تطول.
الدول العربية مجتمعة في إطار الجامعة العربية كما اسلفت أو كل دولة على حدة لم تقم بأي عمل للتحقيق بما جرى أو لملاحقة المجرمين ومن ضمنهم النظام السوري الذي كانت قواته العسكرية ومخابراته تهيمن على لبنان بموافقة ومباركة أمريكا وإسرائيل. بل أكثر من ذلك، وقبل أن تجف دماء الشهداء في صبرا وشاتيلا قام هذا النظام بواسطة مليشياته العميلة بشن حرب المخيمات سيئة الصيت. موقف ما يسمى المجتمع الدولي كان هو الآخر مخزيا ووصمة عار في جبينه لن تمحى مهما طال الزمن. في الامم المتحدة لم تحرك ساكنا، وأمريكا التي وعدت بحماية المدنيين بعد مغادرة القوات الفلسطينية للأراضي اللبنانية كانت أول من نكثت بتعهداتها وتركت المخيمات فريسة للفاشيين من حلفائها وعملائها إن كان في حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي أو في الكيان الصهيوني.
نعم، العالم أجمع مسؤول عن مجزرة صبرا وشاتيلا وهذا ليس مجرد شعار للمزايدة. العالم أجمع مطالب اليوم وغدا بمحاسبة نفسه أولا ومن ثم محاسبة مرتكبي هذه الجريمة المباشرين. وبما أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم فيجب محاكمة مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا الاحياء منهم والاموات.

لست ضد التمسك بشعار: "لن ننسى ولن نغفر" بشرط أن يكون معنى لن ننسى اننا لن نسكت ولن نصمت، وأن يكون معنى لن نغفر اننا لن نتنازل عن المطالبة بمحاكمة وإنزال العقوبات بالمجرمين.

No comments: