Thursday, December 08, 2016

هذا إغتصاب وليس تمثيلا

هذا إغتصاب وليس تمثيلا
علي زبيدات - سخنين

صدمت مثل الكثيرين غيري عندما قرأت خبر ومن ثم شاهدت المقابلة التي اعتراف بها المخرج العالمي برناردو برتولوتشي بأن مشهد الاغتصاب في فيلم "التانغو الاخير في باريس" لم يكن تمثيلا بل كان عملية اغتصاب حقيقي تم الاتفاق عليها بين المخرج والممثل الشهير مارلون براندو بدون علم الممثلة الشابة ماريا شنايدر، وذلك لأنه أراد، حسب تصريحه "رؤية مشاهد الإذلال الصريحة على وجه الممثلة وهي تبكي وتصرخ بشكل حقيقي وليس بإداء تمثيلي".
قلت صدمت، ولكني لم اتفاجأ، فقد شاهدت هذا الفيلم قبل أكثر من أربعين سنة وما زلت أذكر شعوري الشديد بالقرف والاشمئزاز من هذه اللقطة التي روجت لها وسائل الإعلام الفنية  على اعتبار أنها أجرأ لقطة فنية في تاريخ السينما. كنت في ذلك الوقت من عشاق السينما وكان مارلون براندو من الممثلين المفضلين لدي حيث قدم في تلك الفترة فلم العراب  وقبلها العديد من الأفلام الجيدة. كنت في ذلك الوقت لا أعير المخرج تلك الأهمية الكبيرة مع معرفتي بأن المخرج هو المسؤول الأول والأخير عن الفلم. وذلك لأن المخرج لا يظهر عادة على الشاشة مما يسرع في نسيانه بالنسبة للمشاهد العادي. بالرغم من ذلك كنت على معرفة بشهرة هذا المخرج بعد أن شاهدت في الفترة ذاتها أحد أفلامه السياسية الرصينة بإسم "the conformist"
يبدو أن عمليات الاغتصاب التي تخلط بين الحقيقة والتمثيل لا تحدث  فقط  بالافلام، بل تحدث يوميا في السياسة أيضا وفي جميع أرجاء العالم. وها هنا بعض النماذج: لنبدأ بالأمم المتحدة، استعمال حق الفيتو من قبل الدول العظمى أليس نوعا من الاغتصاب؟ ولكنه يبدو للمشاهد في الوقت نفسه نوعا من التمثيل؟. الاعتداءات المتكررة للدول القوية على الدول الضعيفة والتدخلات في شؤونها الداخلية أليست هي الأخرى عمليات اغتصاب مستمرة ومتكررة؟ ولكن، عندما يعرضونها علينا على شاشة التلفزيون ألا تبدو وكأنها تمثيل؟.  الحرب في سوريا هي من جهة عملية إغتصاب جماعي يشارك بها أكثر من مخرج وأكثر من ممثل ولكننا نشاهدها من جهة أخرى وكأننا نشاهد  فيلم رعب فاغرين أفواهنا غير مصدقين ما نراه أمامنا. فنتساءل: هل هذا الدمار حقيقي؟ وهل هذه الجثث التي يتم اخراجها من تحت الأنقاض حقيقية؟ أم أن كل شيء تمثيل بتمثيل؟  يقتلون ارهابيين ولكنهم يخرجون جثث أطفال من بين الردم.  في الأفلام فقط تستطيع رؤية مشاهد كهذه. ومن يدري؟ فهناك اتهامات موجهة لقناة الجزيرة بأنها تملك استوديو خاص لتصوير مثل هذه الأفلام وبثها على أنها حقيقة لأسباب سياسية. وربما توجد قنوات أخرى تملك مثل هذه الاستوديوهات مثل البي بي سي، السي سي إن، روسيا اليوم، الميادين، وإن ننسى فلا ننسى استوديوهات داعش التي أخرجت  أفضل أفلام الرعب والاغتصاب تشويقا، تستحق أن تنال على بعضها جائزة الأوسكار  أو على الأقل جائزة مهرجان كان السينمائي.  وما يحدث في العراق واليمن وتونس ومصر وليبيا  يدخل أيضا في خانة الاغتصاب على الطريقة " الحقيقة التمثيلية" إذا صح التعبير. ولماذا نذهب بعيدا؟ ألم يكن مؤتمر فتح السابع في رام الله عملية إغتصاب "حقيقية تمثيلية" فريدة من نوعها حدثت داخل العائلة؟  اما دولة اسرائيل فلم تتوقف ولم تكتف بالاغتصاب الكبير عام 1948 فها هي تمارس االاغتصاب يوميا على الحواجز المنتشرة في كل مكان في الضفة الغربية، وراء جدار الفصل العنصري وفي كل مستوطنة ومستوطنة.  والعالم يصفق لها قبل وبعد كل عملية اغتصاب على طريقة فيلم جودي فوستر الشهير "المتهم"، وحتى أنه لا يعتبرها أعمال تحرش على الأقل.
هكذا إذن، في جميع هذه الحالات يتفق المخرج مع البطل الرئيسي للفيلم على الاغتصاب ويترك الممثلة المسكينة تظن وكأنه تمثيل بالرغم من أن شعورها بالإذلال والبكاء والصراخ هو حقيقي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من تعلم من من؟ هل تعلم برتولوتشي وبراندو من السياسيين أم السياسيين هم الذين تعلموا منهما؟ الممثلة الضحية ماريا شنايدر ماتت وهي تكره المخرج وبطل الفيلم حسب اعتراف المخرج نفسه،  ذلك بدون أن يعترف أمامها بحقيقة ما صنعه.  وماذا عن ضحايا الاغتصاب الآخرين من شعوب وأفراد والذين ما زالوا على قيد الحياة؟ أما آن الأوان لكي يصغوا إلى شعورهم الحقيقي ويضعوا حدا فاصلا بين الاغتصاب والتمثيل؟.

أخطر ما في الأمر، عندما أجاب المخرج على سؤال موجه إليه من قبل الصحفي الذي اجرى المقابلة: هل ندمت على ما فعلته حينذاك (بعد أكثر من 40 عاما)؟ فأجاب: لا، لم أندم ولكني شعرت بالذنب.  ألا يبدو هذا الجواب مألوفا؟  يقتلون كما يطيب لهم ولا يندمون ولا يعترفون بالجريمة بعد أن حققوا مطالبهم. الشعور بالذنب أهون ويوجد مائة طريقة  لا تكلف الكثير للتعبير عن هذا الشعور. ونحن في هذه البلاد لدينا تجربة طويلة وغنية بالتعامل مع الذين "يشعرون بالذنب" ولكنهم لا يندمون على ما اقترفوا من عمليات اغتصاب.

No comments: