عندما يتجرد الإنسان من إنسانيته
علي زبيدات - سخنين
مرة أخرى أجد نفسي في حيرة من أمري بين مقولتين. الأولى تقول: لا جديد تحت الشمس. والثانية تقول العكس تماما: كل يوم بل كل لحظة يوجد هناك شيء جديد. عادة، أحاول فهم هاتين المقولتين من منطلق القانون الديالكتيكي حول وحدة وصراع الأضداد فأصل إلى نتيجة مفادها بأن المقولتين صحيحتان. يوجد هناك ظواهر ثابتة وأخرى متغيرة ومتحركة تتشابك مع بعضها البعض وفي نهاية المطاف تكمل بعضها البعض حتى يصبح التناقض بينها نسبي ومؤقت وربما ظاهري وأحادي الجانب. ولكني أمام بعض الأحداث أجد نفسي أقف حائرا بذهول بين هاتين المقولتين. هذا الشعور يسيطر علي هذا الأسبوع على ضوء أحداث حلب المأساوية التي اعتبرها البعض تحريرا بينما اعتبرها البعض الآخر احتلالا أو سقوطا. هنا ملت إلى تصديق المقولة الأولى: لا جديد تحت الشمس. حلب ليست المدينة الأولى التي تدمر بهذا الشكل و تتعرض لمجازر بهذا الشكل فقد سبقتها مدن كثيرة وسوف يتلوها مدن كثيرة أيضا. لقد عرفت البشرية خلال تاريخها القديم والحديث الكثير من الدمار والقتل والمجازر. يكفي أن أذكر هنا بعض أمثلة من التاريخ الحديث دون الخوض بالتفاصيل: هيروشيما، ستالينغراد، دريسدن، وارسو وغيرها أثناء الحرب العالمية الثانية، هانوي في فيتنام خلال الحرب التي شنتها أمريكا على هذا البلد، بيروت وغزة بسبب العدوان الإسرائيلي المتكرر. بإختصار، الحروب وما يرافقها من دمار ومجازر وقتل هي ظواهر ثابتة منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا وأغلب الظن أنها سوف تستمر إلى أجل غير مسمى، أي: لا جديد تحت الشمس.
شكرا لعلماء السياسة من أفلاطون وحتى آخر بروفيسور في أية جامعة ولعلماء الاجتماع من إبن خلدون وحتى يومنا هذا ولعلماء النفس من فرويد وإلى هذه اللحظة الذين حاولوا كل على طريقته تغيير هذه المقولة: الحروب، القتل، المجازر والدمار لن تتوقف. يمكن توقع حدوثها أحيانا، الحد من أضرارها، السيطرة عليها قبل أن تبلغ ذروتها، أو تأجيل وقوعها. تماما كما نتعامل مع بعض الظواهر الطبيعية كالبراكين والهزات الأرضية والفيضانات والحرائق. ولكن أن تنتهي تماما؟ إنسوا.
يوجد في أيامنا هذه بوادر تشير إلى تفاقم الوضع وزيادة احتمالات نشوب المزيد من الحروبات والقتل. ينتج نظام العولمة الرأسمالي المزيد من الميول العدوانية وينتج في الوقت نفسه من يحمل ويتبنى هذه الميول التي يتم ترجمتها إلى حروب وأعمال قتل. سميت هذه الميول باليمين المتطرف، النازية الجديدة، الفاشية ومهما كانت تسميتها فإنها تحمل الصفات ذاتها. في بلادنا اليمين الصهيوني المتطرف يحكم منذ فترة طويلة، الولايات المتحدة الأمريكية اختارت رئيسا يمينيا عنصريا من غير قناع، على أوروبا تهب رياح يمينية عنصرية على غرار الرياح التي جلبت النازية والفاشية في القرن الماضي، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جاء بسبب هذه الرياح، ولكنها تهب أيضا في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا ودول أخرى. بوتين والمافيا التي تحيط به سبق الأوروبيين بخطوات واسعة في هذا الاتجاه. وبما أنه نظام عالمي ولكي لا أظلم أحدا هذه الرياح تهب على الدول النامية أيضا، على سبيل المثال لا الحصر، انتخب قبل نصف سنة رئيس جديد في الفلبين يفتخر بقتل متهمين في إطار ما يسميه محاربة الجريمة ومنذ انتخابه قتلت شرطته 2000 متهم دون أية محاكمة وقتل أكثر من 3000 آخرين من قبل مجهولين في وحدات خاصة لها علاقة بالرئيس الجديد. هل يدري هذا الرئيس الذي يحارب الجريمة بأنه هو المجرم رقم واحد في الفلبين؟
لماذا لا يوجد هناك رد شعبي ملائم لمواجهة هذه الجرائم؟ لانه قبل الشروع في اقترافها تقوم الطبقات والفئات الحاكمة بتمهيد الطريق وتهيئة الظروف لكي تبدو هذه الجرائم وكأنها شيء عادي ومن يتعرض لها يستحقها. في بلادنا مثلا، قوة نتنياهو، ومن حوله أحزاب اليمين الصهيوني، مستمدة من نجاحه في عملية مسح دماغ للمواطن العادي بأن كل فلسطيني هو إرهابي، إذا لم يكن بالفعل فبالقوة، ويجب في جميع الأحوال نبذه والحذر منه، وإذا قتل فلا بأس إذ من الطبيعي قتل الإرهابيين ومن الطبيعي أيضا قتل أو هدم بيت عائلته. في أوروبا، تنبع قوة اليمين المتطرف تنبع من اعتبار المهاجرين، اللاجئين والغرباء أعداء جاؤوا لسلب المواطنين الأصليين والاستيلاء على أعمالهم وثرواتهم وتلويث بيئتهم الاجتماعية. قوة الرئيس الأمريكي المنتخب، ترامب هي الأخرى جاءت نتيجة لحملته العنصرية ضد المهاجرين وبالاساس المسلمين والمكسيك. في حلب، قوة النظام، بالإضافة للقوة المستمدة من حلفائه الروس والإيرانيين وباقي المليشيات جاءت من إقناع بعض الفئات بأنه يحارب إرهابيين جاؤوا من كل أرجاء العالم كجزء من مؤامرة كونية. عندما تجرد الإنسان من إنسانيته يصبح قتله أمرا عاديا ولكن من يجرد أحد من إنسانيته لا ينتبه أنه في الوقت ذاته يجرد نفسه من إنسانيتها. نظرة سريعة لكل هؤلاء يتبين بكل وضوح أنهم يشكلون معسكرا واحدا هو المسؤول عن الحروب والقتل والدمار في العالم.
ما تستطيع القوى المتنورة التي لم تفقد إنسانيتها فعله هو العمل الجاد لتفكيك هذا المعسكر واضعافه من خلال محاربة العنصرية بكافة أشكالها وفي كل مكان.
No comments:
Post a Comment