Thursday, December 01, 2016

الشاطر والمشطور وفلسطين بينهما

الشاطر والمشطور وفلسطين بينهما
علي زبيدات سخنين

لا أدري إذا كانت الحكاية التي تروى عن مجمع اللغة العربية الذي اقترح ترجمة كلمة ساندويتش الانكليزية بعبارة:"الشاطر والمشطور وبينهما طازج" هي حقيقية أم هي نكتة من باب السخرية بهذا المجمع روجها بعض الكتاب المغرضين. ولا أدري على وجه التحديد إذا كان هناك وجه شبه بين هذه الحكاية (النكتة) وبين موضوع هذه المقالة سوى اقتباس بعض الكلمات الواردة في العنوان والتلاعب بها.
تواريخ ثلاثة يحتويها شهر نوفمبر/تشرين أول تلخص وتجسد، حسب رأيي، أكثر من غيرها المأساة الفلسطينية: في بداية الشهر وفي منتصفه وفي نهايته، وتحديدا في الثاني من الشهر - ذكرى وعد بلفور، في ال15- ذكرى الاستقلال وفي ال29 - ذكرى التقسيم. زمنيا جاء "الاستقلال" بعد 71 سنة من وعد بلفور و 41 سنة بعد قرار التقسيم ولكن عمليا ومن حيث ترتيب إحياء الذكرى جاء هذا "الاستقلال"  مضغوطا بين الوعد والقرار، بين الشاطر والمشطور ولكن مع فارق جوهري مع العبارة المنسوبة لمجمع اللغة العربية: ما بين الشاطر والمشطور ليس طازجا أو كامخا، حسب بعض الروايات، بل مزيج من الأوهام البائتة وحتى الفاسدة.
لست هنا بصدد سرد تاريخي لهذه الأحداث الثلاثة أو تحليلها وتقييمها، فقد سال حبر كثير في الكتابة عنها تناولت كافة جوانبها ولا أظن أنه باستطاعتي في هذا المجال كتابة أو إضافة ما هو جديد. كل ما اطمح اليه هو أن أوفق في التعبير عن دهشتي في كل شهر نوفمبر من كل سنة في ذكرى هذه الأحداث الثلاث.  لم التق، حتى اليوم، بفلسطيني واحد مهما كان انتماؤه التنظيمي ووعيه السياسي يحب وعد بلفور. وأكاد أجزم، حتى المتعاونين مع الصهيونية فكرا وممارسة، قبل قيام دولة إسرائيل وبعدها، لا يجدون كلمة واحدة يمتدحون بها هذا الوعد بل يشمئزون منه هذا لإجحافه ودناءته بكل المقاييس المتعارف عليها.  ما عجزت عن فهمه طوال هذه المدة تلك المفارقة والانفصام في شخصية الفلسطينيين والعرب عموما الذين يرفضون وعد بلفور جملة وتفصيلا وفي الوقت نفسه يلهثون وراء تسويات وحلول أسوأ من وعد بلفور بدرجات.  نموذج واحد،على سبيل المثال لا الحصر، كيف يجرؤ رئيس السلطة الفلسطينية مقاضاة بريطانيا ومطالبتها بتقديم الاعتذار عن هذا الوعد بينما هوعلى أتم الاستعداد للقبول بتسوية أقل بدرجات مما نص عليه هذا الوعد.
قرار التقسيم هو الآخر استقبل بالاستنكار والغضب من معظم طبقات الشعب. الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي أصبح فيما بعد الحزب الشيوعي الإسرائيلي كان التنظيم الوحيد الذي وافق على هذا القرار بالرغم من معارضته للتقسيم طوال سنوات حتى أتته الأوامر من موسكو بالرضوخ. وقد دفع ثمنا باهظا مقابل موافقته من نبذ وعزلة وحتى التخوين ولم تشفع له نضالاته السابقة. ما زالت الجماهير الشعبية الفلسطينية في قرارة نفسها تمقت وترفض هذا القرار الذي يفتقر إلى أبسط معايير العدالة. إذ كيف يعقل قبول التنازل عن أكثر من نصف الوطن لمجموعة من المستوطنين لا تتعدى ثلث السكان الأصليين؟ إلا أن القيادة الفلسطينية، مستغلة صمت الجماهير الشعبية ومن خلال لهثها وراء أي حل يؤمن لها بعض السلطة وبعض الامتيازات انتهت إلى التحسر على قرار التقسيم مما حدى للموافقين في حينه أن يرفعوا رؤوسهم قائلين: ألم نقل لكم؟ ألم نحذركم من مغبة رفضكم لقرار التقسيم؟ لقد كان بالإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه  لأن حزبنا يتمتع ببعد النظر وقد أدرك أبعاد المؤامرة، لقد أضعتم فرصة العمر. والان يتفق الجميع على قبول أقل من نصف ما عرضه عليهم قرار التقسيم. واكثر من ذلك، بذلوا كل جهدهم لمحو قرار التقسيم من الذاكرة الفلسطينية بعد أن حولوه بناء على وعود سرابية من قبل ما يسمى المجتمع الدولي إلى "يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني". أي تضامن هذا؟ وأين هو؟
بين هذين الحدثين (الوعد والقرار)  خدعونا أو على الأصح خدعنا أنفسنا وسمحوا لنا بالاحتفال بيوم الاستقلال. في عام 1988 أصدرنا وثيقة إستقلال حيث لطش شاعرنا القومي معظم أفكارها من وثيقة الاستقلال الإسرائيلية، ووقف رمزنا الوطني وهو يعلن الاستقلال وقفة بن غوريون عندما أعلن عن "استقلال" إسرائيل. من أجل ذلك تم إجهاض الانتفاضة الأولى بحجة استثمارها سياسيا، وتم الاحتفال باعتراف 135 دولة بهذا الاستقلال الوهمي، حتى الأمم المتحدة اعترفت بها إلى حد ما وازداد عدد السفارات الفلسطينية في قارات العالم. على حد علمي هذا هو الاستقلال الوحيد في العالم وفي التاريخ القديم والحديث حيث يستطيع جندي معفن واحد أن يدوس ببسطاره العسكري عليه ويتابع سيره دون أي احتجاج.

في كل نوفمبر من كل سنة يوجد أمامنا مأساة وخلفنا مأساة وبينهما فرحة مزيفة. أما آن الأوان لهذا المسلسل التراجي-كوميدي العدمي أن ينتهي؟

1 comment:

Anonymous said...

اول مرة اسمع عن حكاية لطش درويش افكار وثيقة الاستقلال الاسرائيلية سأبحث في الموضوع اكثر وان كنت لا استغرب ان يكون ذلك قد حصل بما انه تربى في الحزب الذي وقع على هذه الوثيقة قبل ان يخرج ويتم التطبيل له كشاعر الثورة