من وحي السنة الجديدة
علي زبيدات - سخنين
هل يمكن توديع العام المنصرم واستقبال العام الجديد دون الخوض بالتهاني التقليدية التي نكررها عاما بعد عام؟ متى سوف نكف عن ترديد عبارة: كل عام وأنتم بخير؟ هل نحن بخير؟ متى أخر مرة شعرنا بخير؟ وكل عام؟، أو مثلا قولنا: أعاده الله علينا والسلام يخيم على ربوع بلادنا، أو الكلام عن المحبة والتسامح والسعادة وباقات الورد واطفاء الشموع وإشعال الشموع؟ طبعا ممكن
وهل من الممكن توديع العام المنصرم واستقبال العام الجديد بدون تكرار البيت الخالد لأبي الطيب المتنبي: عيد بأي حال عدت يا عيد؟ وبدون البكاء على الأطلال ولعن الزمان؟ طبعا ممكن ولكنه ليس من السهل.
هذا ما سأحاول فعله من خلال هذه السطور. منذ سنوات عديدة ويوجد هناك من كان يقول: لم تمر علينا سنة أسوأ من هذه السنة، ويحمد ربه على انها اشرفت على الرحيل من غير رجعة. ونراه بعد سنة يقف ليقول الكلمات نفسها. واليوم سوف يقف الكثيرون ليقولوا: هذه السنة، 2016 هي أسوأ سنة عرفناها. ويعد الساعات حتى تنتهي سيبدأ بالبحث عن كلمات براقة وكأنه يريد أن يخدع العام الجديد.
كما أن الموت يشكل مناسبة لا تعوض بالنسبة للكثير من الواعظين لعرض بضاعتهم عن هول الموت وعذاب القبور كذلك قدوم العام الجديد يشكل مناسبة لا تعوض بالنسبة للمتنبئين والمحللين على أشكالهم الذين يغزون الفضائيات والمواقع والمجلات لعرض تنبؤاتهم التي سرعان ما تتبخر وينساها الجميع بمن فيهم من تنبأ بها.
الزمن ينساب من غير انقطاع وبدون أن يتوقف في آخر يوم. وما تقسيمنا له لسنوات أو لشهور أو لايام سوى تقسيم مجازي. الزمن يجري في طريقه غير عابئ بتقسيماتنا الوهمية هذه، ما بدأ قبل انتهاء السنة قد يستمر مع بداية السنة الجديدة والسنة التي بعدها. حصار غزة على سبيل المثال ها هو يدخل عامه العاشر والمجال مفتوح، أعمال القتل والدمار في سوريا على وشك أن تنهي عامها السادس، أما أعمال القتل والدمار في العراق فلم تتوقف منذ عشرين عاما على الأقل. ولكن بما أننا جميعا بشر وفي نهاية المطاف لا نستطيع أن نستوعب الزمن إلا إذا قسمناه لسنوات ومشتقاتها فلا مانع أن نلقي نظرة على بعض الاحداث التي واكبتنا هذا العام والتي سوف ترافقنا الى العام الجديد وربما لأعوام كثيرة قادمة. وهنا لا يوجد لدي أية نية للمقارنة أو للمفاضلة بين سنة وأخرى.
الأحداث العالمية التي شغلت العالم هذه السنة كثيرة، تناولتها معظم وسائل الإعلام والتي سوف يبقى ظلها يلاحقنا في السنة أو السنوات القادمة، ولكل طرف اولوياته لاختيار أهمها. منهم من يقول أن انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية هو أهم حدث لهذا العام، لأنه لا يتلخص في انتخاب رئيس جديد بل يتوقعون نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة. فحتى اليوم لم ينتخب مثل هذا الرئيس العنصري. البعض يعتبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو أهم حدث وقع في هذه السنة، لأنه يشير إلى انهيار النظام الأوروبي ككل. البعض الآخر يدعي أن تقدم اليمين المتطرف في شتى أرجاء أوروبا هو أهم الأحداث إذ يعيد للأذهان ما حل في هذه القارة في المنتصف الأول من القرن الماضي. والبعض، وخصوصا من سكان القارة العجوز يردد بأن أهم حدث في العام المنصرم هو تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين جالبا معه الارهاب الذي يثير مخاوفهم القديمة الجديدة.
بالنسبة لي أهم الأحداث ما يجري في سوريا وبعد ذلك في فلسطين ومن ثم في باقي أرجاء العالم العربي، فإذا استطعت أن اتحرر من حدود الزمان فلا استطيع ان اتخلص من حدود الجغرافيا والتاريخ. بالنسبة لسوريا لم يعد هناك حاجة لأي تحليل أو تفسير. البلد يدمر أمام أعيننا: اقتلاع وتهجير نصف السكان، عشرة ملايين إنسان، قتل نصف مليون مواطن، تدمير مدن بكاملها وفي مقدمتها مدينة حلب التي تحدت الزمن لآلاف السنين. هذه هي الحقائق عارية قبل أن نبحث عن المسؤول. العالم بأسره جاء إلى سوريا لكي يصفي حساباته ويقضي أيام اعياده على أنقاضها. بشار الأسد وله حصة الأسد في عملية التدمير يود أن يدخل التاريخ كمن تصدى للمؤامرة الكونية على سوريا وانقذها من مخالب الارهاب، ليكن، ولكنه "انقذها" جثة هامدة. هل يوجد هناك من تصل به الوقاحة ويقول للشعب السوري: كل عام وانتم بخير؟
أفي فلسطين، أهم حدث وقع هذه السنة أنه لم يحدث هناك أي شيء يذكر. قرار الأمم المتحدة ضد الاستيطان؟ أو ربما مؤتمر فتح وتجديد البيعة لمحمود عباس قبل ذلك ؟ أو ربما خطاب كيري الاخير بعد ذلك؟ كل هذه الأحداث تتقزم أمام حدث النكبة الذي يخيم على البلاد منذ سبعين عاما.
سوريا ومعها فلسطين ومن ورائهما العالم بأسره عليها أن تمسك بتلابيب الزمان، تطرحه أرضا وتقف جاثمة على صدره حتى تشرق شمس الحرية. صامدون هنا.