عمليات
واتفاقيات
علي
زبيدات – سخنين
حسب
كافة المصادر الاخبارية، لا يوجد هناك
علاقة مباشرة بين العملية الارهابية في
مطار اتاتورك في اسطنبول والتي اودت بحياة
حوالي ٥٠ شخصا بالاضافة إلى عدد من الجرحى
وبين اتفاقية المصالحة التي وقعتها
الحكومتين التركية والاسرائيلية في اليوم
نفسه. أي
أن هذه العملية لم تأت لا من قريب ولا من
بعيد كرد على تلك الاتفاقية.
ولكن حسب رأيي يوجد
هناك علاقة متينة بينهما، علاقة تبدو غير
مرئية للوهلة الاولى ولكنها تصبح أوضح
كلما نظرنا إلى الصورة شاملة ومن كافة
جوانبها حتى تصبح واضحة وضوح الشمس.
لا اقصد بذلك أن
الذين اقترفوا هذا العمل الاجرامي في
المطار والذي راح ضحيته الابريياء هم من
الفلسطينيين أو ممن تربطهم أية علاقة
بفلسطين، أو ان ما قاموا به كان نوعا من
الانتقام للعلاقات الحميمة المتجددة بين
الدولة التركية والاسرائيلية أو للغدر
بفلسطين وخصوصا بقطاع غزة من وجهة معارضي
الاتفاقية. ما
اقصده هنا باختصار هو أن العملية والاتفاقية
كل على حدة ومجتمعتان تشكلان عناصر اولية
مركبة ليس للسياسة التركية فحسب بل للسياسة
السائدة في دول المنطقة باسرها ايضا:
عمليات اجرامية
رهيبة من جهة واتفاقيات قذرة من جهة اخرى.
وهي نفسها تصبح
بالنسبة للآخرين عمليات بطولية من جهة
واتفاقيات تحقق انجازات عظيمة من جهة
اخرى. الامر
يتعلق بمن تسأل. فمثل
عملية مطار اسطنبول الاخيرة حدث في السابق
الكثير، في تركيا نفسها وفي سوريا، العراق،
لبنان، مصر، الاردن، فلسطين وغيرها من
الدول. وسوف
يحدث في المستقبل العديد من مثل هذه
العمليات. فما
هو الجديد إذن؟ اما بالنسبة للاتفاقية،
ولا ادري اذا كان هذا الاسم يليق بها اصلا،
ففي كل يوم يوجد اتفاقية، بعضها يبقى سرا
او انها لا تصل اصلا إلى وسائل الاعلام.
غالبا ما لا يلتزم
بها اي طرف، كل طرف يفسرها على هواه، ينفذ
ما يريده بشكل انتقائي ويخرق ما يريده.
وبعد فترة تزول
ويطويها النسيان ولن تجد من يسميها اتفاقية
الا الصحف القديمة، اليس هذا ما حدث
لاتفاقيات أهم من اتفاقية تركيا واسرائيل؟
كإتفاقية كامب ديفد وأوسلو على سبيل
المثال وغيرها الكثير؟.
لقد
كتبت منذ زمن طويل وبالتحديد في الاجواء
التي تلت احداث سفينة مرمرة عندما سطع
نجم اردوغان وأخذ يلعب دور الفارس المنقذ،
انه لم يتغير شيء جذري على تركيا فما دامت
عضوا مركزيا في الحلف الاطلسي، تحتضن
قواعد عسكرية امريكية وتسلح جيشها بالسلاخ
الغربي فانها لن تخرج من دائرة هذا الحلف
مهما فعلت ومهما اختلفت مع باقي حليفاتها.
وما دامت تهضم حقوق
٢٠ مليون كردي وتمارس ضدهم ابشع اشكال
القمع والاضهاد فهي لا يمكن ان تكون نصيرا
حقيقيا لشعب مشرد ومضطهد كالشعب الفلسطيني.
كتبت في ذلك الوقت،
وها انا اكتب حاليا أن النظام التركي قبل
مرمرة هو نفسه بعد مرمرة.
وأن النظام التركي
قبل الاتفاقية الاخيرة هو نقسه بعدها.
والحالة هذه لا
يمكن دمغه بالخيانة لانه لم يكن في يوم
من الايام متهما بالاخلاص مثله مثل غيره،
فهو يبحث أولا وقبل كل شيءعن مصلحته كنظام،
وليس كشعب او كبلد. وكباقي
الانظمة يسير على هدى المبدأ المكيافيلي
الذي يقول: لا
علاقة بين الاخلاق والسياسة، فاذا كان
الوعد الذي اعطي ضرورة في الماضي فالوعد
المنتهك هو ضرورة في الوقت الحاضر.
نعم، وعد اردوغان
برفع الحصار عن غزة والا لن يعيد العلاقات
إلى طبيعتها مع اسرائيل.
كان هذا الوعد
ضروريا قبل ٦ سنوات عندما اراد أن يجعل
من تركيا قوة اقليمية. في
الوقت الحاضر لم يعد هناك ضرورة فاصبح
بالامكان التخلي عنه.
بنود
الاتفاقية كما نشرتها وسائل الاعلام
المختلفة ليست ذات اهمية، فهناك من يؤيدها
بحماس ويرى فيها انجازا عظيما وهناك من
يرفضها على اعتبار قبولها خيانة عظمى
وهناك من يتأرجح بين هذين القطبين.
الموقف المسطح
المطلوب من الجميع ان يتخذوه ازاء
الاتفاقيات هو بشكل عام اما االقبول أو
الرفض. لا
يشعر المفكرون والسياسيون والمحللون
الذين يتبنون مثل هذا الموقف في أي فخ
يقعون. فاذا
قبلوها على الصعيد المحلي فسيجدون انفسهم
في صف نتنياهو ومعظم وزرائه وان رفضوها
فسيجدون انفسهم في صف ليبرمان وبينيت
وشاكيد. وفلسطينيا
يوجد هناك اصطفاف جديد ملفت للنظر جمع
حماس وسلطة اوسلو في صف القبول بينما
وجدت بعض الفصائل الاخرى نفسها في صف
الرفض. طبعا،
هذا لا يعني عدم وجود بعض الحقيقة في مواقف
كلا الطرفين، ولكن احيانا بعض الحقيقة
يكون اسوأ بما لا يقاس من غيابها تماما.
بالنسبة لاسرائيل،
فقد حصلت على اعتراف تركي (ومن
خلفه على اعتراف حمساوي واوسلوي)
بحقها في حصار غزة.
وكل مساعدة "انسانية"
يجب ان ترسي في
ميناء اشدود اولا وتمر تحت الرقابة
الاسرائيلية قبل ان تتوجه نحو غزة وكل
هذا خاضع لحسن النوايا الاسرائيلية
واعتباراتها الامنية. حصل
الجنود الاسرائيليون مقابل ٢٠ مليون
دولار على صك براءة وعدم الملاحقة.
وهو ميلغ زهيد اذا
ما قارناه مثلا بما دفعه القذافي في حينه
لضحايا لوركربي حيث بلغت التعويضات ٢،٧
مليار دولار. هذا
بالاضافة لمد انبوب الغاز وبيع الغاز
المسروق الى تركيا ومنها الى الدول
الاوروبية الاخرى. على
الساحة الفلسطينية، حصلت حماس على بعض
الفتات الذي يمكنها من اطالة عمر سلطتها
تحت الحصار، ويبدو ان بعض هذا الفتات سيجد
طريقه الى الضفة الغربيه الامر الذي من
شأنه ضخ بعض الحياة في شرايين سلطة اوسلو
التي ينخرها الفساد.
المطلوب
ليس انتظار العملية القادمة او الاتفاقية
القادمة وتحديد الموقف منها، بل المطلوب
هو خلق حالة ثورية شاملة تكنس كافة الانظمة
التي تنتج هذه العمليات والتفاقيات الى
مزبلة التاريخ.