تعلم
كيف تقول كلمة "لا"
علي
زبيدات – سخنين
قد
يقول البعض حالما يقع بصره على هذا العنوان:
ما هذا الكلام
السخيف؟ من منا لا يعرف كلمة لا؟ أليست
جميع مصائبنا من كثرة ما رددنا هذه الكلمة؟
فقد قلنا لا لقرار التقسيم فخسرنا معظم
فلسطين. وقلنا
لا لقرار مجلس الامن ٢٤٢ وهكذا خسرنا كل
فلسطين. وبعد
ذلك تبنينا نظرية اللاءت الثلاثة التي
تقول: لا
صلح، لا اعتراف ولا تفاوض مع اسرائيل.
هل ما زال احد يذكر
هذه اللاءات التي صدرت عن الانظمة المهزومة
في مؤتمر الخرطوم حتى تنقذ نفسهامن
المحاسبة ومن تحمل مسؤولية الهزيمة؟ ما
صدقنا حتى جاءت اجواء اوسلو وتحررنا من
هذه اللاءات وكل لا. فالصلح
اصبح خيارنا الاستراتيجي وقدمنا كل ما
نملك من كلمات "نعم"
للوصول اليه ولكن
للاسف الشديد اسرائيل رفضت الصلح معنا
وردتنا خائبين، ولكنها قبلت منا بكل ترحاب
وسرور التخلي عن لاء الاعتراف ولاء
المفاوضات التي استبدلناها بنعم مطلقة.
جاءت اتفاقيات
أوسلو وعلمتنا أن نقول نعم خصوصا وأن مصر
قد سبقتنا وقالت نعم في كامب ديفيد وخرجت
من اللعبة، ولحقتها الاردن مع انها كانت
خارج اللعبة اصلا. فهل
هناك من يلومنا عندما لحقنا حالنا وقلنا
نعم لقرار ٢٤٢ و٣٣٨ وباقي القرارات
وللمفاوضات التي لا تنتهي ولاوهام سلام
اتفاقيات أوسلو؟
هذه
هي باختصار حكاية القيادة الفلسطينية (
وربما الجماهير
الفلسطينية ايضا) التي
محت من ذاكرتها كلمة "لا"
واستبدلتها بكلمة
"نعم"
بطريقة تذكرني
بقصص سمعتها من العديد من الاخوة والرفاق
في السجون الاسرائيلية ممن لم يستطيعوا
الصمود أكثر تحت وطأة التعذيب واختاروا
الاعتراف ببعض التهم الموجهة اليهم على
أمل عدم الاعتراف بالتهم الرئيسية.
ولكن النتائج كانت
دائما عكسيا والاعترافات تتالت حتى
نهايتها المأساوية، كما يقول مثلنا
الشعبي: مسبحة
وفرطت.
الواقع
الان، يشير الى أن الزعامة الفلسطينية
قد انكسر عمودها الفقري حتى عجزت عن قول
لا أمام هذا السيل الجارف الذي يطالبها
بالتنازلات والمزيد من التنازلات.
لنأخذ بعض الحالات
على سبيل المثال: بعد
تعثر مفاوضات اوسلو، الامر الذي كان
متوقعا، اجتمعت الدول العربية في بيروت
عام ٢٠٠٢ واصدرت مبادرتها الشهيرة للسلام
واعدة دولة اسرائيل بالعلاقات الطبيعية
مع جميع الدول العربية اذا ما وافقت على
الانسحاب من الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧
واقامة الدولة الفلسطينية.
ويبدو أن الزعماء
العرب قد شاهدوا فلم "العراب"
الامريكي قبل اصدار
مبادرتهم هذه وكأنهم قدموا لاسرائيل
"اقتراحا
لا يمكن رفضه". سارعت
الزعامة الفلسطينية بالترحيب وقبول
مبادرة العربية، غير أن دولة اسرائيل
التي تعلمت أن تقول لا ألقت بها في سلة
المهملات. فيما
بعد "طورت"
الدول العربية
مبادرتها لكي تتلاءم مع ميول اليمين
الصهيوني الذي بسط هيمنته بقبولها مبدأ
تبادل الاراضي الذي يتيح ضم الكثل
الاستيطانية في الضفة الغربية لاسرائيل.
ومع ذلك بقيت هذه
الاخيرة متمسكة بتعنتها الرافض.
وفيما بعد تنازلت
الدول العربية مدعومة فلسطينيا عن حق
عودة اللاجئين كمطلب اساسي إلى جانب
العديد من الاغراءات كالعلاقات السرية
والعلنية والتعاون في القضايا الامنية
والمخابراتية والاقتصادية وغيرها.
ولكن اسرائيل تعلمت
جيدا كيف تقول "لا"
وتصر عليها لانها
تعرف أن الطرف الاخر لا يعرف الا أن يقول
نعم.
على
ضوء وصول مفاوضات ربع القرن الاخير إلى
طريق مسدود جاءت المبادرة الفرنسية، هذا
اذا استطعنا ان نسميها مجازا مبادرة،
ومتى كانت فرنسا قادرة على أن تطلق مبادرات
أصلا بينما فشلت قوى عظمى مثل امريكا
وروسيا في انجاح المفاوضات التي رعتها
لسنوات طويلة. مرة
اخرى احتضنت الزعامة العربية والفلسطينية
هذه المبادرة بحرارة بينما رفضتها اسرائيل
مع انها لا تكلفها شىء.
فكل ما تقوله هذه
المبادرة هو عقد مؤتمر دولي لاستئناف
المفاوضات على أمل أن يتوصل الطرفان الى
تسوية بدون تدخل اي طرف آخر.
وأخيرا
وليس آخرا مبادرة عبد الفتاح السيسي
للسلام على غرار السلام المصري – الاسرائيلي
الذي حقق وسوف يحقق حسب قوله الانجازات
العظيمة للبلدين. مرة
اخرى خرجت القيادة الفلسطينية من جلدها
تقبيلا واحتضانا لهذه المبادرة خصوصا
وان اسرائيل لم ترفضها مباشرة وعلنا.
وشرعت كافة الاطراف
بالتحضير لمؤتمر قمة يجمع السيسي ونتنياهو
ومحمود عباس، ومن اجل ذلك اعلن رئيس
الحكومة الاسرائيلية نيته بتوسيع حكومته
لتضم المعسكر الصهيوني المعتدل .
حتى تكلم عدد من
المراقبين والمحللين عن قيام تحالف ثلاثي
مصري – اسرائيلي – فلسطيني ليس لحل النزاع
العربي الاسرائيلي فحسب بل لمحاربة
"الارهاب"
في المنطقة ايضا.
ولكن نتنياهو
كعادته علم السيسي ومحمود عباس، كما علم
اوباما وهلاند من قبل، درسا في أن يقول
"لا"حتى
عندما لا قولها علنا، بعد أن ابقى بالمعسكر
الصهيوني خارج حكومته وادخل ليبرمان الذي
هدد بتفجير السد العاللي واغراق مصر مع
سكانها.
من
أجل هذه الاسباب ولاسباب عديدة اخرى يجب
أن نعود ونتعلم كيف نقول "لا"
من الولادة وحتى
الممات.