قرار
التقسيم ومحاولات محوه من الذاكرة
علي
زبيدات – سخنين
في
مثل هذه الايام قبل ثمانية وستين عاما
وبالتحديد في ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر
١٩٤٧ أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة
قرار رقم ١٨١ المعروف بقرار تقسيم فلسطين
إلى دولتين: عربية
ويهودية. اجحاف
هذا القرار في حق الفلسطينيين بفقأ العيون.
حيث شكل الفلسطينيون
في ذلك العام حوالي ثلثي السكان هذا بالرغم
من الهجرة الصهيونية المكثقة خلال السنوات
الماضية. ومع
ذلك منح هذا القرار(على
الورق) لسكان
البلاد الاصليين ٤٢،٨٨٪ من مساحة فلسطين
لاقامة دولتهم التي لم تقم ابدا.
بينما نال ثلث
السكان وغالبيتهم العظمى من المستوطنين
الجدد ٥٥،٤٧٪ من البلاد لاقامة دولتهم
التي بدأت بالتوسع حال الاعلان عنها حتى
التهمت كامل الارض الفلسطينية.
رفضت
الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني هذا
القرار جملة وتفصيلا إذ لا يعقل أن يتخلى
شعب عن اكثر من نصف وطنه لان البعض على
بعد عشرات الالاف من الاميال قرر ذلك بدون
أن يحمل نفسه عناء سؤال صاحب الشأن، بحجة
ايجاد حل لمجموعة من الناس في ضائقة لم
يكن السكان الاصليون طرفا في خلقها.
لقد كان قرار
التقسيم تتويجا لقرارات مجحفة سابقة بدأت
بوعد بلفور ومرورا بصك الانتداب.
وكان فاتحة لعملية
تطهير عرقي بدأت فورا ووصلت اوجها في عام
النكبة ١٩٤٨.
على
كل حال، لست هنا بصدد سرد تاريخي لما حدث
ذلك الوقت فالنتيجة معروفة للقاصي والداني
ولو اختلفنا قليلا او كثيرا في تحليل
اسبابها وظروفها. ما
يهمني هنا أن قرار التقسيم حفر في الذاكرة
الفلسطينية الجمعية كمناسبة مشؤومة جنبا
إلي جنب مع تصريح بلفور والاعلان عن اقامة
دولة اسرائيل. الاحزاب
الهامشية التي وافقت على قرار التقسيم
في حينه ما زالت هامشية حتى اليوم بالرغم
من أن بعضها ما زال ناشطا على الساحة
الفلسطينية والاسرائيلية، والتنظيمات
الفلسطينية التي تبنت فيما بعد حلولا
اسوأ من قرار التقسيم وبسطت سيطرتها على
منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة اوسلو
لم تستطع بدورها أن تمحو هذه الذكرى من
الذاكرة الفلسطينية.
في
الحقيقة، محاولات محو هذه الذكرى بدأت
فلسطينيا منذ سنوات طويلة وبالتحديد بعد
تبني منظمة التحرير الفلسطينية لما يسمى
بالبرنامج المرحلي في اعقاب قرارات المجلس
الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة
عام ١٩٧٤. اذ
عقدت هذه الدورة في اجواء الحلول التصفوية
التي قادها كيسنجر في مؤتمر جنيف وجذب
البها معظم الزعامات العربية.
وكانت الزعامة
الفلسطينية تنتظر الدعوة التي لم تصل
ابدا للانضمام إلى مؤتمر جنيف وذلك بسبب
معارضة اسرائيل وامريكا من حيث الاساس.
غير ان الاتجاه
العام لسياسة منظمة التحرير الجديدة كان
الابتعاد بقدر الامكان عن ارهاصات رفض
قرار التقسيم لصالح ما سمي في البداية
السلطة الوطنية والتي تطورت الى مفهوم
الدولة الفلسطينية. المحطة
التالية في هذا الاتجاه كان خطاب غصن
الزيتون والبندقية الذي القاه عرفات في
الامم المتحدة في نهاية السنة نفسها، وقد
كان واضحا أن الرهان الاستراتيجي اصبح
على غصن الزيتون وليس على البندقية.
المحاولة
الجدية لمحو ذكرى قرار التقسيم جاءت في
نهاية عام ١٩٧٧ عندما تبنت الجمعية العامة
قرارا بجعل ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر
"اليوم
الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني".
فاذا تخلى الشعب
الفلسطيني عن رفضه المطلق لقرار التقسيم
فلا ضير في ان تتم مكافأته بقرار اجوف لا
يسمن ولا يغني من جوع.
ما
زلت اذكر عندما أحيت الفصائل الفلسطينية
في سجن الرملة المركزي ذكرى قرار التقسيم
للمرة الاخيرة، حيث كانت الامم المتحدة
على وشك اصدار قرارها حول يوم التضامن
الدولي والذي اتخذ بالفعل بعد ذلك بأيام
معدودة على ان يدخل حيز التنفيذ في عام
١٩٨٨. وبالفعل
في ذلك العام رفضت حركة فتح في السجن احياء
هذه الذكرى تحت اسم قرار التقسيم وبدل
ذلك احتفلت به كيوم دولي للتضامن مع الشعب
الفلسطيني بصفته انجازا عظيما.
بينما تم اخماد
الاصوات القليلة المعارضة.
اذن،
منذ عام ١٩٨٨ والمؤسسات الرسمية الفلسطينية
لا تحيي ذكرى قرار التقسيم بل تحتفل بيوم
التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني.
ففي هذا اليوم تعقد
الامم المتحدة جلسة خاصة في مكاتبها في
نيويورك أو جنيف أو فينا تخصصها للقضية
الفلسطنية مذكرة بالقرارات الصادرة عنها
من قرار ٢٤٢ و٣٣٨ و١٣٩٧ و ١٥١٥ و ١٨٥٠
ولكنها تشطب قرار ١٨١ لكي لا تذكر
الفلسطينيين به. بالطبع
الاحتفال بهذا اليوم لا يقتصر على جلسة
الامم المتحدة فهناك الاحتفالات والمهرجانات
والمعارض وعرض الافلام وتوزيع المطبوعات
وغيرها وغيرها.
غدا
بعد أن تقرؤوا وتسمعوا وتشاهدوا الاحتفالات
والخطابات والتصريحات لا تنسوا انه في
هذا اليوم قبل ٦٨ عاما وافق هذا العالم
المنافق الذي يدعوم للاحتفال، على سلبكم
وطنكم.