اوبرا
الثلاثة قروش تعرض في الامم المتحدة
على
زبيدات – سخنين
استعرت
اسم مسرحية برتولت بريخيت (The
three penny opera) لوصف
المهرجان المسرحي التراجوكوميدي الدولى
الذي نشهده منذ اسبوعين على منصة الجمعية
العامة للامم المتحدة في دورتها السبعين.
لست هنا بصدد الخوض
في مدى راهنية المسرحية التي كتبها واخرجها
الكاتب الالماني بريخت في عام ١٩٢٨
ومقارنتها بالمسرحية التي يكتبها ويخرجها
اليوم زعماء كرتنا الارضية.
للتذكير فقط، تدور
كلتا المسرحيتين حول فقدان القيم والاخلاق
خصوصا في السياسة في عالم يسيطر عليه
الفساد، حيث كبار رجال السياسة والثروة
يعيشون على هواهم، لا يحاسبهم أو يلاحقهم
احد، بينما يتعرض الصغار الذين يتصارعون
من اجل البقاء لملاحقة مستمرة.
كل ما ابتغبته من
استعارة العنوان هو التأكيد على ان
المسرحية الراهنة رخيصة بكل المقاييس
حتى أن قيمتها بالكاد تصل الى ثلاثة قروش
(ربما
كان للقرش بعض القيمة في عام ١٩٢٨).
اكتب
هذه المقالة قبل الاستماع إلى خطابي محمود
عباس وبنيامين نتنياهو اللذين بالكاد
يلعبان دور كومبارس في هذه المسرحية.
فلن تخيف قنبلة
عباس احدا كما لن تقنع فلذكة نتنياهو
احدا.
لنبدأ
من النهاية، عندما اقول أن عباس ونتنياهو
يقومان بدور الكومبارس في هذه المسرحية
الدولية فهو ليس استخفافا بهذا الدور
ابدا، خصوصا بالنسبة لنا نحن الذين نسكن
في هذه البقعة من الارض.
فكل ممثل مهما كان
كبيرا في اعيننا يشعر بقيمة هائلة اذا ما
شارك احد النجوم العالميين مهما كان دوره
تافها.
عندما
يصرح محمود عباس مرارا وتكرار بأن التنسيق
الامني مع اسرائيل هو مقدس ويتعهد ألا
تكون هناك انتفاضة جديدة طالما بقى في
منصبه فأي قنيلة يمكن أن يلقيها؟ في احسن
الحالات ستكون قنبلة صوتية حول التحرر
من بعض قيود أوسلو التي تحررت منها اسرائيل
منذ زمن طويل أو حول تقليص التنسيق الامني
في بعض المواضيع الهامشية.
قد يطالب الامم
المتحدة مجددا بالاعتراف بدولة فلسطين
وقد ويطالب بايقاف الاستيطان ووضع جدول
زمني للانسحاب الاسرائيلي ويهدد باللجوء
الى محكمة العدل الدولية لمقاضاة السرائيل
وربما سيطلب التصويت على هذه المطالب
لكي ينتقل الملف الى مجلس الامن ليحظى
بالفيتو الامريكي. وبماذا
سيرد نتنياهو على هذه المطالب أو على هذه
الافتراءات من وجهة نظره؟ سيقول بانه
يمد يده للسلام ويطالب بالعودة الى طاولة
المفاوضات ويتهم الطرف الاخر بعرقلة
المساعي السلمية والتحريض والكراهية.
هذه المقاطع
المملة الى درجة الغثيان من المسرحية لن
تحظى اعجاب أحد.
من
اعظم انجازات محمود عباس منذ ترؤسه للسلطة
الفلسطينية انه جعل من القضية الفلسطينية
برمتها قضية هامشية ليس على الصعيد الدولي
فحسب بل اقليميا ومحليا ايضا.
وهذا ينعكس على
المناقشات الجارية في الجمعية العامة.
احتلت مسألة سوريا
أو على الاصح مسألة النزاع الدولي على
سوريا بين عملاقي الهيمنة الامبريالية
الاولوية دوليا ومحليا في هذه المرحلة.
كنا في الماضي
نقول: القضية
الفلسطينية هي القضية العربية الاولى
وكانت اكثر الانظمة عمالة لا تجرؤ على ان
تقول عكس ذلك. هل
ما زال احد يذكر كيف طرد الرئيس التونسي
الحبيب بورقيبة من فلسطين بعد أن القى
خطابا في اريحا عام ١٩٦٥ يدعو فيه إلى
قبول قرار التقسيم والتوصل إلى اتفاق
سلمي مع اسرائيل؟ وكيف في الوقت نفسه عمت
المظاهرات الغاضبة معظم العواصم العربية؟
اليوم ، تقيم معظم الدول العربية علاقات
حميمة ومتينة سرا ام علنا مع اسرائيل،
ليس هذا فحسب بل اصبحت كل قضية محلية هي
القضية الاولى لكل دولة عربية على حدة او
لمجموعة من الدول. مثلا
بالنسبة لدول التعاون الخليجي الذي ترأسه
السعودية الصراع في اليمن استوجب التدخل
العسكري الامر الذي لم تفكر به اطلاقا في
فلسطين، وكذلك التدخل بالصراع في سوريا
والعراق. الصراع
على السلطة في مصر جعل من اسرائيل حليفا
استراتيجبا ومن فلسطين عدوا.
النزاع المغربي
الجزائري او المغربي الصحراوي هو الاهم
بالنسبة للمغرب العربي.
وهكذا في باقي
الدول العربية الاخرى. قد
يقول البعض: ولكن
الشعوب العربية ما زالت تعتبر القضية
الفلسطينية قضيتها الاولى.
ربما، ولكن ما دامت
هذه الشعوب ترزح تحت انظمة استبدادية
تقمع ابسط الحريات لن يتغير على هذا الواقع
شيئا. شعب
فاقد الحرية لا يستطيع ان يساعد شعبا آخرا
للحصول على حريته مهما كانت العلاقات
التاريخية القومية والدينية والثقافية
التي تربطهما ببعضهما البعض.
من هذا المنطلق
سيكون خطاب عباس اليوم هامشيا مهما بلغت
اوهامه بأهميته. ولا
اظن اني ساضطر إلى تغيير كلامي هذا بعد
الاستماع للخطاب.
لقد
استمعنا إلى خطابات الكبار:
أوباما وبوتين،
نجما المسرحية التي لا تساوي حتى قرشا
واحدا. وهنا
تبرز نبوءة بريخت حيث توكل لاكبر مثيري
الحروب في عصرنا الراهن مهمة الحفاظ على
السلم العالمي. في
الصراع الشرس للهيمنة على العالم، سيكون
الطرفان مستعدين للقتال حتى المواطن
السوري الاخير بحجة انقاذ الشعب السوري،
وسوف يتنقلان بصراعهما هذا على طول الكرة
الارضية وعرضها.
الطريق
الوحيد امام الشعوب المضطهدة لنيل حريتها
واستقلالها هو طريق رفض الهيمنة ورفض
التبعية وتوحيد النضال ضد هذا النظام
الامبريالي العالمي المتوحش.