من
امستردام إلى تل ابيب مرورا برام الله
على
زبيدات – سخنين
مدينة
امستردام غنية عن التعريف.
فهي ليست عاصة
هولندا واكبر مدينة فيها فحسب بل هي من
اكثر المدن شعبية في العالم من الناحية
السياحيةايضا. وقد
توجتها الاطراف المختصة بالسياحة عالميا
لعدة سنوات في المكان الاول في السياحة
أوروبيا وعالميا. ولعل
اكثر ما يجذب السواح اليها (وخصوصا
من منطقة الشرق الاوسط)
هو لبراليتها
وانفتاحها على السياحة الجنسية وعلى
المخدرات الخفيفة المتاحة.
ولكن بالطبع تقدم
استردام للسائح اكثر من ذلك بكثير فهي
المدينة التي تحتوى على اكبر عدد من
المتاحف من بين المدن الاوروبية،بعض هذه
المتاحف يحتوي على كنوز فنية لا تقدر بثمن
كلوحات فان غوخ وريمبراندت وغيرهما هذا
بالاضافة الى القنوات والمنتزهات والنوادي
التي تضفي عليها جوا مثاليا لكل من يفكر
في قضاء عطلة ممتعة.
بالمقابل
مدينة تل ابيب هي الاخرى مدينة غنية عن
التعريف خصوصا بالنسبة لنا نحن ابناء
الشعب الفلسطيني. فهي
تحاول جاهدة تقليد امستردام في العديد
من النواحي السياحية ولعل ابرزها المهرجان
الدولي السنوي للمثليين جنسيا حتى اصبحت
تل ابيب تعتبر،بحق أو من غير حق، عاصمة
المثليين العالمية. هنا
حسب رأيي ينتهي التقليد والتشابه بين
المدينتين. فلا
اظن ان تل ابيب تستطيع أن تضاهي أو ان تقلد
امستردام في المتاحف والمعارض والمهرجانات
والنوادي الراقية.
ولكن
هذه المقارنة العرضية كانت كافية لكي
تطلب تل ابيب من امستردام التوقيع على
اتفاقية توأمة بين المدينتين وان تجد
اصواتا كافية في امستردام لقبول مثل هذا
الطلب خصوصا في هذه المرحلة حيث تمت اعادة
انتخاب نتنياهو كرئيس لاكثر حكومة يمينية
وتعثر المفاوضات السياسية مهما كانت
فاشلة مسبقا وللخروج من العزلة الدولة
السياسية وتزايد اصوات المقاطعة والعقوبات
عليها.
في
هولندا لا يتم انتخاب رئيس البلدية
بانتخابات عامة مباشرة كما يجري في البلاد.
رئيس البلدية في
هولندا هو موظف دولة يتم اختياره بواسطة
مناقصة حسب مؤهلاته بغض النظر عن انتماءاته
الحزبية والسياسية. ولكن
يتم انتخاب اعضاء المجلس البلدي الذين
يتمتعون بصلاحيات واسعة على عكس اعضاء
البلديات عندنا الذين يشكلون جوقة خاصة
تردد اللحن الذي يعزفه الرئيس.
فاتفاقية التوأمة
ليست من صلاحيات رئيس البلدية ولا يستطيع
فرضها بينما لا يشكل المجلس البلدي اكثر
من ختم لقرار الرئيس كما يجري عادة عندنا.
فالاتفاقية يجب
ان تنال موافقة المجلس بعد مناقشتها في
جلسة علنية مفتوحة تتاح الفرصة للمواطنين
المشاركة في ارائهم (ولكن
طبعا من غير الدخول في النقاش والتصويت).
وعندما عرضت اتفاقية
التوأمة للنقاش في جلسة البلدية عرضت
آراء الجمهور في البداية حيث تكلم ما لا
يقل عن ثمانية من ممثلين عن لجان تضامن
من بينها لجنة يهودية مناهضة للصهيونية
تسمى:”صوت
يهودي آخر" ولجنة
تمثل الجالية الفلسطينية ومواطن يمثل
نفسه ولكنه مهتم بحقوق الانسان.
جميع هؤلاء عبروا
عن رفضهم وعن امتعاضهم لاتفاقية التوأمة
المعروضة. فجميعهم
اكدوا بانه لا يمكن تقديم حبل النجاة
لاسرائيل في هذه المرحلة بالذات حيث تتوغل
في هضم حقوق الفلسطينيين وتستمر في بناء
الجدار العازل واحكام الحصار على غزة
والتمادي في بناء المستوطنات متحدية بذلك
كافة القرارات الدولية وترفض اية تسوية
سلمية. فقد
حاول رذيس البلدية فان دير لان أن يفصل
عملية التوأمة بين البلديتين عن سياسة
الدولة ولكن جميع المتحدثين انه في اسرائيل
لا يمكن الفصل بين سياسة الحكومة والسياسة
المحلية فالبلديات هي وسيلة لتنفيذ
السياسة الحكومية حتى وان كان رئيس البلدية
من حزب معارض كما هو الحال في تل ابيب،
هذا بالاضافة إلى ان تل ابيب نفسها فامت
وتوسعت على انقاض مدينة يافا الفلسطينية
التاريخية على انقاض قرى فلسطينية مهجرة
اخرى.
تدخلات
ممثلي لجان التضامن والمواطنين خلطت
الاوراق الى درجة أدت إلى تغيير آراء
العديدين من اعضاء المجلس البلدي وانتقالهم
من المعسكر المؤيد الى المعسكر المعارض،
حتى ان عدد من ممثلي الحزب الذي نينتمي
اليه رئيس البلدية (حزب
العمل الهولندي) وهو
بالمناسبة الحزب الشقيق للحزب الذي بنتمي
اليه رون خولدائي، قد غيروا رأيهم واعلنوا
انهم سوف يصوتون ضد الافتراح.
سيتم التصويت
النهائي في بداية الشهر القادم حيث يتوقع
اسقاط اتفاقية التوأمة.
ما
هو دور رام الله اذن في الموضوع؟ في نهاية
جلسة ولاقناع المجلس البدي بقبول الاقتراح
سحب رئيس البلدية من قبعته ارنب رام الله
حيث اعلن انه بالموازاة مع توقيع اتفاقية
التوأمة مع تل ابيب سوف توقع بلدية امستردام
اتفاقية تعاون مع بلدية رام الله مما سوف
يساهم في اعادة الثقة بين الطرفين
الاسرائيلي والفلسطيني وربما لتجديد
العملية التفاوضية بينهما، وبأن رام الله
قد رحبت بهذا الاقتراح على لسان ممثلها
في هولندا. وكاد
البعض أن يقع بالفخ: فإذا
كان الفلسطينيون موافقين الا يكون من
الوقاحة أن يعارض الاخرون؟.
لقد تعودنا على
رخص سلطة رام الله ولم تعد تفاجئنا.
يبدو انها سعيدة
بوقوفها على الهامش واكتفائها بالفتات.
هذا ما حدث مؤخرا
بسحب افتراح طرد اسرائيل من الفيفا،
وبالترحيب بمقترحات لوران فابيوس، وزير
الخارجية الفرنسي التي رفضتها اسرائيل
وغيرها من المواقف المخزية السابقة
واللاحقة.
سلطة
أوسلو وصمة عار على جبين القضية الفلسطينية.