أوهامكم
تقتلنا
علي
زبيدات – سخنين
من
يريد أن يقوم بعمل، أي عمل، سوف يجد أكثر
مما يحتاجه من تبريرات ومسوغات تضفي على
عمله هذا فناعا من الضرورة والفائدة تؤدي
إلى تسويقه ومن ثم قبوله بغض النظر عن
طبيعته، اهدافه ونتائجه.
وقد تبدو بعض هذه
التبريرات والمسوغات للوهلة الاولى جيدة
ومنطقية وعقلانية، وقد تجد العديد من
المصدقين والمتقبلين. ليس
من السهل ان يقوم شخصب بالتخلي عن قناعاته
أو بتغييرها، حتى عندما تثير هذه القناعات
بينه وبين نفسه الشكوك والتساؤلات.
من اجل التخلي عن
القناعات او تغييرها يحتاج الانسان الى
قدرات فكرية ووجدانية كامنة هائلة خصوصا
عندما تكون هذه القناعات حقيقية تجعله
يتفوق على نفسه.
لقد
مر على حل الكنيست لنفسها وتعيين تاريخ
لانتخابات جديدة شهران ونصف ونيف، قضت
الاحزاب العربية معظم هذه الفترة في
محاولات حتى استطاعت أن تتوصل الى صيغة
مشتركة مكنت اربعة منها تشكيل قائمة
مشتركة لخوض هذه الانتخابات، وانطلقت
بحملتها الانتخابية منذ اسبوعين بالتقريب.
ظن الكثيرون ان
الفترة التي تفصل بين حل الكنيست لنفسها
واجراء انتخابات جديدة، تخللتها محاولات
مضنية لتشكيل القائمة المشتركة، قصيرة
جدا قد ابقىت وقتا ضيقا للدعاية الانتخابية،
التي يفضل المشاركون دعوتها بالحملة أو
المعركة الانتخابية. ولكن
بعد مشاهدة كل ما نشر من مقاطع فيديو
دعائية وقراءة كل او معظم ما كتب من تقارير
وتصريحات ومقابلات واجتماعات ومؤتمرات
صحفية توصلت الى نتيجة عكسية مفادها ان
فترة الدعاية الانتخابية طويلة جدا تكاد
لا تنتهي، وتمنيت لو يأتي ١٧ اذار غدا
لكي نطوي هذه الصفحة ونعود الى حياتنا
الطبيعية مهما كانت روتينية ومملة.
لقد
قال اقطاب ومركبات القائمة المشتركة في
هذه الفترة الوجيزة كل ما ارادوا قوله
واكثر، وها هم يكررون ما يقولونه في كل
مكان تقودهم اليه اقدامهم حتى حفظنا ما
يقولونه عن ظهر قلب: عن
الوحدة التاريخية، ومنع اليمين من العودة
للسلطة وارساله للمقاعد الخلفية، ومواجهة
العنصرية والفاشية، والنضال ضد الاحتلال
والاستيطان والتمييز والفقر والبطالة،
والنضال من اجل السلام العادل والمساواة
والعدالة الاجتماعية. هل
نسيت شيئا؟
وللامانة
اقول ان المقاطعين وانا واحد منهم قد
قالوا هم ايضا كل ما ارادوا قوله وهم اليوم
يكررون انفسهم. لقد
انتبهت مؤخرا ان كل ما كتبته في الشهرين
المنصرمين حول مقاطعة انتخابات الكنيست
الصهيوني كنت قد كتبته قبل سنتين، قبيل
الانتخابات الماضية وقبل ست سنوات وها
انا اكرر ما قلته، وزملائي في المقاطعة
هم ايضا لم يأتوا بجديد لانه لا جديد تحت
الشمس في هذا الموضوع.
كنت
سأوافق بدون تحفظ مع كلمات كتبها ونشرها
المرشح الاول للقائمة المشتركة أيمن
عودة:”خصمنا
الاساسي اليوم هو اليأس وغريمنا الاساسي
اليوم اللامبالاة وقلة الحيلة، ولدينا
فرصة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة...”.
ولكن يبدو انه لكل
منا يأسه الخاص، ولامبالاته الخاصة وقلة
حيلته الخاصة. انا
شخصيا يئست من اقناع المقتنعين المؤمنين
بإن انتخابات الكنيست هي "واجب
وطني"،
ولا ابالي لمن سيصوتون فكل الاصوات سوف
تصب في نهاية المطاف بحضن الكنيست الدافئ،
واشعر ليس بقلة الحيلة فحسب بل بانعدامها،
فالعين بصيرة واليد قصيرة.
بشيء واحد اختلف
جذريا ومبدئيا مع كلمات ايمن عودة وهي ان
الكنيست هي الزجاجة والانتخابات هي طريق
الدخول لعنق الزجاجة وليس للخروج منها.
هل يمكن اتباع
سياسة "النأي
بالنفس" ؟
مع الاعتذار لرئيس مجلس الوزراء اللبناني
نجيب الميقاتي.
اذا
كانت "ديمقراطية"
الثورة في تونس قد
تمخضت عن انتخاب الباجي قايد السبسي احد
اقطاب الفساد في النظام البائد، واذا
كانت "ديمقراطية"
ثورة الملايين في
مصر قد ادت الى انتخاب عبدالفتاح السيسي
الذي سبق اسلافه خلال سنة واحدة من الحكم،
واذا كانت "الديمقراطيات"
المعروضة علينا
في العالم العربي أسوأ من انظمة الاستبداد
فلماذا نستغرب ممن يؤمن بان زيادة تمثيله
في الكنيست الصهيوني هو طريق الخلاص؟
لا
تقل للمغني غني حتى تنطلق حنجرته بالغناء
من تلقاء نفسه، ولا تقل للمزمر زمر حتى
يتناول مزماره بنفسه وتنطلق انفاسه ملئ
السماء، ولا تقل للراقص ارقص حتى يقفز
لوحده الى حلبة الرقص ويطلق لقدميه العنان.
قريبا سوف تلمسون
اوهام واقعيتكم وسوف نغني ونزمر ونرقص
جميعا خارج الكنيست.