ملعون
من يعيدها للنوم
علي
زبيدات – سخنين
ما
حدث في قرية ابو سنان مؤخرا أضاء ضوءا
احمرا عند الجميع: لجنة
متابعة، احزاب سياسية، مؤسسات مدنية،
جمعيات اهلية، وجهاء، شخصيات دينية
ومدنية. لم
يبق احد إلا وعبر عن دهشته وجزعه واستنكاره
لما حدث. اتفق
الجميع، وبشكل استثنائي، على ان ما حدث
هو فتنة. والفتنة
كما هو معروف أشد من القتل لذلك تهافتوا
إلى اطلاق النداءات والشعارات الداعية
الى إطفاء فتيل الفتنة، اخماد واحتواء
الفتنة، وأد الفتنة في مهدها.
ودعوا الى التعقل
واصلاح ذات البين وتهدئة الخواطر واعادة
المياه إلى مجاريها واعتماد لغة الحوار
والتسامح ورص الصفوف والوحدة من اجل انقاذ
البلد الواحد، البيت الواحد الذي يأوي
الجميع. ورددوا
بصوت واحد: الفتنة
نائمة لعن الله من ايقظها.ولكنهم
لم يشيروا إلى موقظها وبقي مجهول الهوية،
ربما استيقظت لوحدها بعد ان نالت قسطها
من النوم، وربما لم تستيقظ أصلا وتعاني
من اضطراب يجعلها تمشي أثناء نومها.
لست
أنا من ايقظ الفتنة، ويا ليتني استطيع
ذلك وليلعني الله والناس اجمعين.
لم ولن اغني للفتنة
او اقص عليها القصص حتى تعود وتغط في نومها
لتريحنا وتستريح، من جهتي، لتبق مستيقظة
لانه في هذه الحالة فقط يمكن محاربتها
والقضاء عليها مرة واحدة وللأبد.
الفتنة
في ابو سنان اسمها الطائفية وقد يكون
الخوض بها الان كدخول حقل الغام محفوف
بالمخاطر ولكن لا مناص من ذلك.
وهي ليست من صنع
ابو سنان. قبل
عدة سنوات رفعت رأسها في الناصرة وفي
المغار والرامة وظهر شبحها في سخنين وعكا
وحيفا وغيرها من القرى والمدن العربية.
لقد آن الاوان أن
ننادي الاشياء باسمائها.
التعامي عنها لا
يعني انها لم تعد موجودة ودفن الوجوه
بالرمال يعمينا عن رؤيتها ولكنه لا يجعلها
تختفي أو تزول. الطائفية
موجودة وتملأ ارضنا وفضاءنا.
والطائفية لا تعني
أن ينتمي الشخص الى طائفته وأن يفتخر بها،
يخدمها ويدافع عنها، الطائفية تعني ان
ينظر هذا الشخص إلى العالم من خرم ابرة
طائفته، تعني خوفه الوهمي من الآخر، من
الطوائف الاخرى، تعني التقوقع داخل جدران
الطائفة. الطائفية
تعني تقديم مصالح الطائفة على مصالح
الوطن. الطائفية
تعني أن يكون الانتماء الى الطائفة اقوى
من الانتماء إلى الوطن.
المعادلة التي
امامنا والتي كشفتها احداث ابو سنان بسيطة
وواضحة: كلما
تقهقر المد الوطني كلما طغى المد الطائفي.
لا أظن اني اظلم
احدا اذا قلت: ان
الذين يذرفون الدموع اليوم على ما يجري
في ابو سنان وينادون بعودة الطائفية الى
سباتها هم الذين خلقوا الطائفية عن وعي
أو عن غير وعي. الانتخابات
المحلية، خصوصا في البلدات التي تسكنها
عدة طوائف، هي مصنع للطائفية ينزلق الى
مستنقعها ليس فقط القوائم العائلية بل
الاحزاب التي تتغنى بالدين وبالقومية
والاشتراكية ايضا. انتخابات
الكنيست هي الاخرى مصنع للطائفية، احزاب
عريقة تحدد مرشحيها بناء على اعتبارات
طائفية والجميع يعرف ذلك.
الحركات والمؤسسات
الدينية هي الاخرى تشكل دفيئات خصبة لنمو
الطائفية. الفشل
في توحيد كافة الطوائف الفلسطينية حول
برنامج وطني تحرري هو السبب الرئيسي في
ترعرع الطائفية وفلتانها من عقالها.
طبعا
الدولة تستفيد من الطائفية ولذلك تعمل
على تغذيتها ورعايتها ولكنها ليست المسبب
الرئيسي لها. وعلينا
أن نكف عن التنصل من المسؤولية وتحميلها
للغير. لقد
نجحت الدولة الى حد كبير بالاستفراد
بالطائفة الدرزية مستخدمة اسطورة "حلف
الدم" الذي
يربط بين العصابات الكولونيالية وجزء
أصيل من سكان البلد، التي التقت باسطورة
اخترعها الوصوليون من داخل الطائفة
الدرزية حول الاخلاص للدولة من منطلق
وقوف الدروز مع "الحيط
الواقف" ضاربين
بذلك تاريخ الدروز النضالي ضد الاستعمار
الاجنبي المشهود له بعرض الحائط.
وها هي الدولة تحقق
نجاحات في الاستفراد بالبدو وتشدد الحملة
لسلخ الطوائف المسيحية عن شعبها، هذا
ناهيك عن مئات بل الاف المتطوعين في اذرع
الدولة الامنية من الطائفة الاسلامية.
المصيبة اننا امام
هذا الواقع المظلم قد رفعنا الراية
البيضاء. ففرحنا
باقامة لجنة السلطات العربية التي تستثني
البلدات الدرزية والبدوية التي اقامت
بدورها منتدى السلطات الدرزية ومنتدى
السلطات البدوية وكأن كل من السلطة المحلية
في سخنين وبير المكسور وبيت جن قادمة من
كوكب آخر. متى
كانت هناك محاولة جدية واحدة لتوحيد
السلطات المحلية العربية على اساس وطني
وليس على اساس طائفي؟
ليكن
واضحا ومما لا يقبل الجدل أن كل شخص يخدم
في اذرع الدولة الامنية من جيش وشرطة وحرس
الحدود ومخابرات، طوعا أو الزاما، هو جزء
لا يتجزأ من آلة القهر الصهيونية بغض
النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها.
وعلى جميع الطوائف
ان تتكاتف وتتعاون لتكنيس هذه الشوائب
من ساحاتها. في
بعض الحالات الوضع على غاية الصعوبة
والتعفيد كما هو في الطائفة الدرزية ولكن
في هذه الحالات بالذات تتطلب بل تحتم
تكثيف الجهود. يجب
الوقوف قلبا وقالبا مع الرافضين لسياسة
سلخهم عن شعبهم ويحاربون التجنيد الاجباري.
التراجع عن هذا
الموضوع في السنوات الاخيرة صب في مصلحة
الطائفية وسياسة فرق تسد التي تمارسها
الدولة. مناهضة
التجنيد الاجباري وتصعيد النضال ضده يقع
على عاتق الجميع وليس على عاتق الشبان
الدروز الذين يتعرضون للضغوطات والعقوبات
فقط.
لقد
استيقظت الفتنة الطائفية وكشفت عن وجهها
البشع فلا تحاولوا حملها برفق واعادتها
الى سريرها الدافىء لانها سوف تستيقظ من
جديد. يجب
اراهقها ومنعها من النوم حتى ينهار قواها
ويتم تكنسيها الى مزبلة التاريخ.
No comments:
Post a Comment