انتصار
جديد هزيمة مستمرة
على
زبيدات – سخنين
بحثت
كثيرا عن تعريف موضوعي، متفق عليه إلى حد
ما لكلمة انتصار. لم
أجد تعريفا كهذا، وربما لا يوجد اصلا
تعريف كهذا. ولكني
بالمقابل وجدت تعريفات كثيرة جلها ذاتية.
وعندما اقول ذاتية
لا اقصد انها فردية بل قد تكون صادرة عن
مجموعة دينية، حركة سياسية، حكومة، دولة
أو اية جهة اخرى. ووجدت
أيضا أن تصنيف كلمة انتصار يتم حسب معايير
مختلفة: فهناك
الانتصار الحقيقي مقابل الانتصار المزيف،
وهناك الانتصار الساحق أو العظيم وهناك
الانتصار المتواضع أو النسبي وهناك
الانتصار على النفس وهو عند البعض الانتصار
الحقيقي والعظيم وهناك الانتصار على
العدو وهناك الانتصار السياسي والعسكري
وغيره من الانتصارات.
النتيجة هي أن كل
تعريف يعبر في نهاية المطاف عن مشاعر
وتطلعات مصدره، تشترك كافة التعريفات
ببعض السمات فجميعها تحتوي على بعض الحقيقة
التي تصبح كل الحقيقة بالنسبة لصاحب
الانتصار، وجميع التعريفات تبرز جوانب
معينة تجعلها رئيسية مع انها قد تكون
ثانوية والعكس صحيح فهناك جوانب رئيسية
يتم تهميشها.
كان
لا بد من هذه المقدمة المملة من أجل التقييم
الاولي لاتفاق وقف النار الاخير، ومن اجل
الاجابة على السؤال: هل
ما حدث هو انتصار للمقاومة في غزة وهزيمة
لاسرائيل؟ الجواب يتعلق بمن تسأل:
المقاومة الفلسطينية
بكافة تنظيماتها وعلى رأسهم حركة حماس
تؤكد انه انتصار عظيم مبني على الحقائق
التالية: صمود
اسطوري لاكثر من خمسين يوما، منع العدو
الصهيوني من تحقيق أي هدف من اهدافه
المعلنة: نزع
سلاح المقاومة، القضاء على الصواريخ
والانفاق، اعادة الهدوء والامن لمستوطنات
الجنوب. من
يعتبر هذه الامور هي الاهم فمن حقه أن
يعلن الانتصار ويحتفل به.
هذه النظرة تلاقت
مع نظرة الطرف الاسرائيلي الذي يقف على
يمين نتنياهو والذي يقول:
ان فشل اسرائيل في
تحقيق اهدافها هو هزيمة لها وانتصار
لحماس. ولكن
من يعتبر أن منع اسرائيل من تحفيف اهدافها
هو امر مهم ولكن يوجد هناك امور لا تقل
اهمية وربما تفوقها مثل الثمن الذي تم
دفعه من شهداء وجرحى ومهجرين وتدمير للبنى
التحتية، وغياب الافق التحرري على المدى
البعيد سوف يرى الانتصار بعيون اخرى وبحجم
آخر.
في
هذه الايام، الفلسطيني الذي يشكك في عظمة
هذا الانتصار سوف يعرض نفسه الى حملة شرسة
تبدأ باتهامه بالمزاودة على المقاومة أو
بالعمل على تقويض الروح المعنوية للشعب
وتنتقل الى تهمة ادمان الانهزامية وقد
تنتهي بتهمة خدمة العدو والتعامل معه وقد
تشمل كل هذه التهم مجتمعة.
قلائل هم الذين
يتطوعون لمواجهة مثل هذه الحملة، وأنا
سوف اكون منهم.
لا
استطيع أن ادعي الانتصار واحتفل به وقد
قدمت أكثر من ٢٠٠٠ شهيدا أكثر من ربعهم
من الاطفال مقابل قتل بعض الجنود واخافة
العدو في الطرف الاخر.
بالنسبة لي لا يشكل
الخوف ثمنا كافيا لحياة أي شهيد.
ولا اعتبر تهجير
المستوطنين من مستوطناتهم الى منتزهات
وفنادق انتصارا اذا دفعت ثمن ذلك تهجير
٤٠٠ ألف فلسطيني بعضهم يهجر للمرة الرابعة
او الخامسة. اي
انتصار هذا عندما اطلق ٥٠٠٠ صاروخ لاصيب
هدفا هنا وهدفا هناك باضرار طفيفة بينما
يطلق العدو صاروخا واحدا يزيل برجا كاملا
من على وجه الارض؟ يمكن الكلام عن انتصار
عندما يصبح هناك نوع من التكافؤ والتناسب،
عندما يعلم العدو ان القتل والدمار
والتهجير ليس احادي الجانب.
عندما يعلم ويذوت
انه يملك في تل ابيب لوحدها اكثر من ١٥٠
برجا اكبر من برج الظافر وبرج الباشا في
غزة وان هذه الابراج مهددة بالزوال.
قلت
في الماضي مرارا وأكررها هنا مرة اخرى:
اسرائيل لم تحقق
اى انتصار منذ اكثر من اربعين سنة، منذ
حرب لبنان الاولى. لان
طبيعة الحرب قد تغيرت جذريا، فهي لا تحارب
ضد جيوش نظامية بل ضد جماهير مدنية بعضها
مسلح باسلحة خفيفة. ولكن
اسرائيل ما زالت اسيرة لغرورها وعنجهيتها
بعد انتصارها عام ١٩٦٧.
الحذار من الوقوع
في مثل هذه العقدة الاسرائيلية.
تهويل الانتصار
والمبالغةفي بالاحتفال به لن يرفع معنويات
الجماهير بقدر ما قد يصيبها بالغرور.
لنتكلم
عن الصمود الاسطوري، عن التضحيات باهضة
الثمن، عن البطولات في مواجهة القنابل
والصواريخ بالاجساد العارية، عن الايمان
المطلق بعدالة القضية، عن عشق الحياة
والحرية. الانتصار
قادم لا محالة ولا حاجة لاستباقه.
واخيرا،
الفت انتباه المحتفلين بالانتصار الى
اربعة نقاط تعيدهم الى ارض الواقع وتتيح
لهم رؤية الهزيمة المستمرة القابعة وراء
أوهام الانتصار:
١)
السكوت او حتى
القبول بالموقف العربي المخزي وخصوصا
المصري الذي تراوح بين الوساطة غير النزيهة
وبين التعاون مع الكيان الصهيوني.
لا تنسوا، السيسي
هو عراب هذا الاتفاق.
٢)
منح الثقة مرة اخرى
لسلطة اوسلو. محمود
عباس هو الذي اعلن عن الهدنة وكأنها انجاز
تاريخي له شخصيا. وبعد
شهر سوف تترأس سلطته المفاوضات حول المطالب
الرئيسية. لا
شم أن لعاب كبير المفاوضين وطاقمه آخذة
بالسيلان.
٣)
لم ترتق الجماهير
الفلسطينية في الضفة الغربية الى مستوى
الاحداث ولم تمارس مسؤولياتها في تقاسم
حمل العبء مع جماهير غزة.
عشرون سنة من سلطة
اوسلو افسدت قطاعات واسعة من شعبنا في
الضفة.
٤)الفلسطينيون
في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨
أثبتوا انهم عمليا جزء يتجزأ من الشعب
الفلسطيني على عكس الشعارات التي نرددها.
المؤسسة الاسرائيلية
وعكاكيزها المحلية (ومنها
من يحتفل بالانتصار اليوم)
هي المسؤولة عن
هذا التجزيء.
لن
يكون هناك نصر حقيقي على الكيان الصهيوني
بدون الانتصار على هذه الافات التي ما
زالت مستشرية.