الانتخابات
والذكرى
علي
زبيدات – سخنين
تحيي
جماهيرنا في هذا الجزء من الوطن المحتل
على مستوى قطري وبشكل جمعي ثلاث مناسبات
هي: يوم
الارض، ذكرى النكبة وذكرى هبة القدس
والاقصى. وكان
إحياء هذه المناسبات يتعرض دوما إلى حالة
من المد والجزر، وفي معظم الاحيان، على
الاصح، إلى القليل من المد والكثير من
الجزر. وذلك
لاسباب عديدة اهمها حسب رأيي الطبيعة
المحافظة للهيئات القيادية على كافة
المستويات من لجنة المتابعة العليا
واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية
العربية مرورا بالاحزاب السياسية وحتى
لجان وهيئات ما يسمى بالمجتمع المدني.
ولكن بالرغم من
هذه القيادات وليس بفضلها كانت الجماهير
الفلسطينية تشارك بقدر الامكان في احياء
هذه المناسبات لانها كانت وما زالت تمس
وجدانها وصراعها من أجل البقاء.
وكانت الفئات
الاكثر وعيا والتزاما من جماهير شعبنا
تطالب بالاعتراف بهذه المناسبات الثلاثة
كمناسبات وطنية يتم إحيائها على الاقل
باعلان الاضراب العام.
للأسف الشديد
النجاح في هذا المجال محدود جدا والغلبة
في النهاية كانت إلى جانب الهيئات القيادية
المحافظة.
اليوم
نخطو خطوة اخرى الى الوراء.
فقد فاجأتنا وسائل
الاعلام المحلية بأن اللجنة الشعبية في
سخنين والتي تضم كافة الفعاليات السياسية
بالاضافة للبلدية ولممثلي ذوي الشهداء
قد قررت الغاء المسيرة التقليدية والتي
لم تنقطع منذ عام ٢٠٠٠ وفي كثير من السنوات
كانت المسيرة المركزية للجماهير العربية
وذلك بسبب قربها من الانتخابات المحلية
وخوفا من وقوع "احتكاكات
بين الاطراف المتنافسة خصوصا بين الشباب
الذين يصعب السيطرة عليهم"
. وقرأت في الوقت
نفسه أن اللجنة الشعبية في عرابة هي الاخرى
تناقش الغاء المسيرة للاسباب نفسها.
وربما كانت هناك
مدن وقرى فلسطينية اخرى ستقتدي بهذا
النموذج.
كنت
قد كتبت في الماضي وفي مناسبات عديدة ضد
محاولات تحجيم هذه الذكرى ابتداء من الاسم
الذي اطلق عليها. فمعظم
وسائل الاعلام تسميها هبة اكتوبر، بعضها
يستعمل هبة القدس والاقصى أو حتى يوم
القدس والاقصى ومنها من يكتفي بذكرى
الشهداء ال١٣ الذين سقطوا في احداث أكتوبر
٢٠٠٠. وطالبت
بأن يكون الاسم الرسمي:
"ذكرى انطلاقة
انتفاضة القدس والاقصى"
والتي تعرف شعبيا
بالانتفاضة الثانية. وكنت
اعرف مسبقا ان مصير هذه التسمية الفشل
ليس فقط جراء معارضة القيادات التقليدية
ولا مبالاة الاوساط التقدمية بل ايضا لأن
السلطة الفلسطينية قد شنت حربا شرسة على
هذه الانتفاضة حتى وصفها ابو مازن بأنها
اكبر خطأ وقد دمرتنا، وفي كل مرة تذكر فيه
هذه الانتفاضة يتعهد بألا تكون هناك
انتفاضة ثالثة مهما كانت الظروف.
وبما
أن الانسان لا يستطيع أن يحقق كل ما يتمناه
قبلت كالآخرين بالشكل الراهن للذكرى على
امل أن يتصاعد النضال وينتقل الى اشكال
ارقى مستقبلا. ولكن
أن يحصل هذا التراجع؟ حتى الخوف من تنظيم
مسيرة؟ ولماذا؟ ليس بسبب تهديدات سلطوية
ولكن بسبب الانتخابات المحلية وامكانية
حدوث احتكاكات نحن في غنى عنها.
هذا الكلام غير
مقبول مع كل الاحترام لعائلات الشهداء
فالذكرى اصبحت ملكا للجماهير كما اصبح
الشهداء انفسهم ملكا للجماهير.
قد تكون هناك
احتكاكات وقد تكون هناك مشاكل ولكن اصابع
الاتهام يجب ان توجه في هذه الحالة للذين
خلقوا هذه الاحتكاكات وليس للمسيرة.
ومن لا يستطيع أن
يسيطر على اتباعه لا يستحق أن يكون مسؤولا
عن بلد بكامله.
طبعا
يوجد اشكال اخرى للذكرى.
يمكن زيارة الاضرحة
ووضع اكاليل الورود، ويمكن زيارة ذوي
الشهداء، ويمكن تخصيص ساعات تثقيفية في
المدارس والتي ثبت حتى الان انها مجرد
ضريبة كلامية لا تطبق .
ولكن هل هذه الاشكال
كافية وتليق بهذه الذكرى؟
في
المستقبل قد تأتي الانتخابات متزامنة مع
ذكرى يوم الارض مثلا فهل يجب الغاء مسيرة
يوم خوفا من وقوع "احتكاكات"؟
. فاذا
تقبلنا هذا المنطق فمن الافضل أن نلزم
بيوتنا بعد أن نوصد ابوابها فهذه هي
الطريقة الافضل الانجع للابتعاد عن
النزاعات والمشاحنات.
أنا
شخصيا أفضل مسيرة شعبية مع "احتكاكات"
على الغاء المسيرة
بالمرة. وكم
كنت اتمنى أن تكون هناك احتكاكات في جميع
مناسباتنا الوطنية بشرط أن توجه للعنوان
الصحيح، للذين فرضوا علينا ذكرى هذه
المناسبات المأساوية.