ضد
الثقافة والمثقفين
علي
زبيدات – سخنين
كثر
الكلام في الآونة الاخيرة عن الثقافة وعن
ضرورة تطويرها وتفعيلها لكي تأخذ دورها
الطبيعي في التغيير المجتمعي ولكي تخلصنا
من حالة الركود السياسي والاجتماعي الجاثم
على صدورنا منذ عقود طويلة.
كما كثر الكلام عن
دور المثقفين أو على الاصح عن غياب دور
المثقفين في عملية التغيير التي تجتاح
المنطقة وخصوصا غياب دورهم القيادي أو
حتى الارشادي في بلدان ثورات الربيع
العربي. وكلما
قرأت أكثر في هذا الموضوع كلما ازدادت
قناعتي بأن الثقافة المقترحة أسوأ من
انعدام الثقافة وغياب دور المثقف أمر
محمود ومن المفضل أن يبقى ينظر في برجه
العاجي.
لست
هنا بصدد تعريف الثقافة أو بصدد الكلام
عن اهميتها ودورها بالنسبة لشعب يناضل
من أجل عودته وحريته، فقد أسهب بعض
الكتاب"المثقفين"
مشكورين في ذلك من
خلال سرد مقتبسات من ادوارد سعيد ونوعام
تشومسكي وانطونيو غرامشي وفوكو وغيرهم.
لا ادري على وجه
التحديد لماذا شعرت انه كلما كثرت
الاقتباسات عن الثقافة كلما تقلصت الثقافة
وتلاشت من أمامي. وتذكرت
على التو قول لينين:"المثقفون
أقدر الناس على ارتكاب الخيانة لانهم
اقدر الناس على تبريرها".
طبعا السياق هنا
ليس ارتكاب الخيانة من أي نوع كانت ولكن
السياق هو قدرتهم على التلاعب بالمصطلحات
وتزييف المصطلحات.
مثلا
يقول احد المثقف المعتبرين:
من أخطر المصطلحات
في الحركات الثورية هي "الثوابت"
و"الاجماع"
اذ كيف يمكن ذلك
في عالم متحرك وغير ثابت وفي عالم يشجع
التعددية الفكرية؟ تبرير منطقي ومفحم
اليس كذلك؟ ماذا افعل أنا الذي كنت دائما
وما زلت انتقد الحركات الثورية وخصوصا
الفلسطينية منها لأنها لا تتمسك ب"الثوابت"
هذا اذا كان لديها
ثوابت اصلا، واذا تمسكت بثوابت فبشكل
لفظي وخارجي، هل اصبح متهما بالجمود
العقائدي؟ التفكير الميكانيكي بعكس
التفكير الجدلي يضع "الثوابت"
في تناقض تام مع
التغيير، مع انها في الحقيقة تجسد محصلة
التغيرات في مرحلة معينة.
فاذا كانت العودة
من ثوابت الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة
ذلك لانها جاءت بسبب التحولات التي طرأت
عليه في عام النكبة وما تلاه.
وهي لن تبقى من
"الثوابت"
بعد التحرير.
وصحيح انه لا يوجد
هناك "اجماع"
مطلق ولكن هذا لا
يعني الا تطمح الحركات الوطنية بتحقيق
اجماع نسبي يتلاءم مع متطلبات المرحلة.
وهذا الاجماع
النسبي بدوره قابل للتغيير على الدوام.
دور
المثقف الملتزم وطنيا، وكما يسميه غرامشي
بالمثقف العضوي ليس التحرر من قيود"الثوابت"
والتمرد على
"الاجماع"
بل المساهمة في
صنع ثوابت متينة على اسس وطنية تقدمية و
انسانية واخلاقية تنسجم مع ضرورات المرحلة
التي يمر بها الشعب والطموح الى اجماع
نسبي يضمن السير قدما بنضال الشعب حتى
تحقيق اهدافه.
نعم،
يجب على المثقف الثوري الملتزم الا يقبل
بوجود بقرات مقدسة حتى وان كانت تسمى
ثوابت، ولكن هذا لا يعني أن يقبل بوجود
بقرات هزيلة وسقيمة. المثقف
الثوري الملتزم بقضايا شعبه لا يقبل
الاشياء مسلمة وعليه ان يضع كل شيء امام
المحك العملي ولكن في الوقت نفسه عليه أن
يعلم بأنه لا يملك اجوبة نهائية في أية
مسألة وعليه أن يتعلم التعايش مع الاخرين
رغم الاختلاف في الرأي.
مع
كل الاحترام لجميع المفكرين المثقفين
الذين تم ذكرهم آنفا من غرامشي وحتى ادوارد
سعيد وتشومسكي ولكن يجب وضع وفهم مساهماتهم
حول الثقافة والمثقفين في سياقها التاريخي
والجغرافي والسياسي. طبعا
على المثقف الحقيقي أن ينتقد وأن يتحدى
السلطة والقوة المسيطرة في مجتمعه وفي
بلده وفي العالم وعلى كافة الاصعدة.
والسؤال الذي يطرح
نفسه هنا: هل
يوجد في عالمنا العربي مثقفون حقيقيون؟
ينتقدون ويتحدون خارج صوامعهم؟
المأساة
أن ثقافتنا المهيمنة هي ثقافة الهزائم
والنكسات المتكررة والتخلف الاجتماعي
المتراكم ومعظم مثقفينا إما ممن ساهموا
في صنع هذه الثقافة المهزومة وإما أبناء
واحفاد مخلصين لها. في
الحقيقة، لا اري بارقة أمل في التحركات
"الثقافية"
الاخيرة والدعوة
الى ضرورة اقامة منتدى فكري خصوصا وان
المبادرين الى ذلك هم من بين الذين اتحفونا
قبل سنوات بالتصورات المستقبلية والوثائق
التطبيعية والذين يريدون تحديد علاقتنا
بالدولة من خلال اقناعنا بأن "ليس
كل ما هو اسرائيلي رديئا وكل ما هو ضد
اسرائيل جيدا". وهذه
هي الخطوة الاولى على طريق قبول الهيمنة
الاسرائيلية على ثقافتنا كوسيلة لإبقائنا
رعايا في ظل الدولة الصهيونية.
نعم لثقافة وطنية
تقدمية ثورية انسانية ولتسقط باقي
الثقافات.