Wednesday, December 19, 2012

انتخابات الكنيست وصراع الهوية

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000012334 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000012318
انتخابات الكنيست وصراع الهوية
علي زبيدات – سخنين

استطيع أن اتفهم الحملة الشرسة التي تشنها الاحزاب العربية الاسرائيلية التي تخوض انتخابات الكنيست على المقاطعين لهذه الانتخابات. في نهاية المطاف، بالنسبة لهذه الاحزاب وبالنسبة للمقاطعين جمهور الهدف واحد. كل صوت مقاطع هو خسارة مباشرة لهذه الاحزاب. هناك صراع، وصراع عنيف بين هذين التوجهين لا يمكن نكرانه أو حتى اخفائه. لذلك ليس غريبا أن تضع الاحزاب العربية الاسرائيلية المقاطعين، من حيث الخصومة والعداء، في المكان الاول ومن ثم الاحزاب الصهيونية. فإذا كانت المقاطعة بشتى اشكالها تصل الى النصف تقريبا بينما لا تتجاوز نسبة المصوتين للاحزاب الصهيونية مجتمعة ال ١٢٪ فمن الطبيعي، من وجهة نظر هذه الاحزاب، أن يكون الهجوم على فكرة المقاطعة وعلى المقاطعين أشرس.
قلت اتفهم هذه الحملة الشرسة ودوافعها ولكن هذا لا يعني قبولها. على العكس من ذلك تماما ارفضها رفضا قاطعا جملة وتفصيلا. بالنسبة للاحزاب المشاركة في الانتخابات الصوت هو المهم، بالنسبة للمقاطعة المبدئية الانسان وراء الصوت أو بتعبير أدق الانسان صاحب الصوت و هو المهم. الصراع في هذه المنطقة من العالم شئنا أم أبينا هو صراع على الهوية وعلى الوعي بهذه الهوية. تتفق جميع هذه الاحزاب على أن مهمتها الاولى هي رفع نسبة التصويت بين الجماهير الفلسطينية ومن أجل ذلك ترى بكافة الوسائل وسائل مشروعة بما في ذلك تشويه وتزييف افكار المقاطعة. على سبيل المثال لا الحصر: احد هذه الاحزاب (هو مجازا حزب) يقول أن التصويت للكنيست هو واجب وطني ولكنه نسي أن يقول هل هو واجب وطني صهيوني إسرائيلي أم فلسطيني. حزب آخر يؤكد أن عدم التصويت هو تقوية لليمين الصهيوني ولكنه لا يرى أو لا يريد أن يرى حقيقة أن التصويت بحد ذاته هو الذي يقوي اليمين الصهيوني. حزب آخر يصرح: "سوف نقاطع هذه الانتخابات إذا ما تم شطب قائمتنا". هذا يعني أن المقاطعة كلام هبل ما دمنا مقبولين ومشاركين وتصبح موقفا مبدئيا اذا تم شطبنا فقط. يا له من منطق يعجز عنه حتى أرسطو. أما رئيس القائمة العربية الموحدة فقد بز جميع رفاقه في الافتراء على المقاطعة، مع ان سهامه كانت موجهة بالاساس لاخوانه في الحركة الاسلامية الشمالية التي تتخذ كعادتها موقفا خجولا الى جانب المقاطعة. يقول في بيان نشره على الملأ:"المقاطعة هي خلل خطير في منهجية التفكير وقصور واضح في استشراف الواقع بكل تعقيداته". غريب، يتهم نصف المجتمع بأنه يعاني من خلل خطير في تفكيره، أي يتهمه بالتخلف أو الجنون (وهل يوجد تفسير آخر للخلل الخطير في منهجية التفكير؟) وفي الوقت نفسه يدعي بأنه أفضل من يمثل أبناء هذا المجتمع ويلهث وراء الفوز بأصواتهم.
كما قلت، الصراع في هذه المنطقة من العالم هو صراع على الهوية الوطنية وعلى الوعي بهذه الهوية. من هذا المنطلق تختلف المقاطعة المبدئية عن كافة الاحزاب المشاركة بغض النظر عن الفوارق فيما بينها. تقول هذه الاحزاب مجتمعة وكل على حدة: لا نسمح لأحد بأن يزاود علينا وعلى تمسكنا بهويتنا وانتمائنا لشعبنا وعلى نضالنا من أجل الحصول على حقوقه كاملة. حسن جدا، ولكن من حقنا أن نفهم هويتنا الوطنية ونعي هذه الهوية بشكل يختلف تماما بل يتناقض مع المفهوم التي تروج له هذه الاحزاب. بالنسبة لهذه الاحزاب لا يوجد هناك تناقض أو لم يعد هناك تناقض بين أن يكون المرء فلسطينيا واسرائيليا في الوقت نفسه. ولعل حزب التجمع الوطني الديمقراطي كان افضل من عبر عن هذا الواقع السريالي عندما رفع شعار: "هوية قومية ومواطنة كاملة". نحن نقول بكل بساطة إن هويتنا القومية تتناقض تناقضا مباشرا ومطلقا مع مطالبتنا بمواطنة كاملة في دولة اسرائيل ولا يهم اذا سمت هذه الدولة نفسها دولة يهودية ديمقراطية أو دولة الشعب اليهودي أو دولة المواطنين أو دولة جميع مواطنيها. لا يمكن التلاعب بمركبات الهوية الوطنية وتحويلها الى كوكتيل يتكون من عناصر متناقضة تلبي رغبات ومصالح فئوية. يمكن تبرير كل شيئ في العالم وفي بعض الحالات يمكن ايجاد مبررات جيدة، ولكنها تبقى مبررات لا أكثر ولا أقل. الاحزاب العربية تردد الاسطوانة المشروخة: نحن جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية ولكننا نعيش في ظروف خاصة تحتم علينا التعامل معها للحفاظ على بقائنا وعلى مستقبلنا. وهذه المبررات تلقى آذان صاغية من البعض. بالنسبة لهذه الاحزاب الاندماج في الدولة لا تمت بصلة للأسرلة والانضمام الى أعلى هيئة تشريعية للدولة الصهيونية تفسر بطريقة مهينة لعقولنا على انها مناهضة للصهيونية. وهكذا يختلط الحابل بالنابل وتتكون هوية مزيفة مليئة بالشوائب بحجة الحفاظ والتمسك بالهوية الوطنية.
من المستحيل أن تكون خادما لسيدين كما تقول المسرحية الكوميدية الشهيرة. ومن غير اللائق الرقص في عرسين في آن واحد كما يقول المثل الشعبي. الهوية الوطنية لا تقاس بالشعارات البراقة والخطابات الساخنة. ولا تقاس بحجم الاعلام التي ترفع في المسيرات وعلى سطوح النوادي. الهوية الوطنية تقاس بمدى وعيك لكافة مكوناتها وبمدى محافظتك على نقائها. نحن نؤمن بأن الكنيست الصهيونية لا تشكل اعلى هيئة تمثيلية صهيونية فحسب بل هي زبدة الفكرة الصهيونية على أرض الواقع. وكل اقتراب منها هو مس بهويتنا الوطنية. لذلك مقاطعة انتخابات الكنيست هي واجب وطني فلسطيني.

No comments: