كفى
انتصارات وهمية
علي
زبيدات – سخنين
بعد
سنوات طويلة تمتد على مدى قرون تكبدنا
خلالها هزائم لا تعد ولا تحصى تمخضت عن
ضياع فلسطين كاملة وتشرد شعبها في شتى
انحاء العالم، احتفلنا في فترة أقل من
شهر بتحقيق انتصاريين "تاريخيين"
ونستعد للاحتفال
بانتصار "تاريخي"
ثالث في المستقبل
القريب وعلى وجه التحديد بعد حوالي شهر
ونصف من اليوم. طبعا،
لعل من نافل القول أن هذين الانتصارين
(والانتصار
الثالث القادم) لم
يحررا حتى شبرا واحدا من أرض فلسطين ولم
يعيدا حتى لاجئا واحدا الى بيته.
ولماذا هذا؟ لأنها
وبكل بساطة انتصارات وهمية، انتصارات
كاذبة، تماما مثل الحمل الكاذب حيث تريد
المرأة الواقعة تحت ضغط من حولها أن تلد،
أن تصبح أما بعد سنوات طويلة من الزواج
ومن كثرة القيل والقال واليأس والحزن
فتنفخ البطن ويضفي الوحم جوا حميميا
لاستقبال المولود، ولكن سرعان ما تأتي
النهاية: لا
ولد ولا يحزنون، انه حمل كاذب.
بأي
انتصار احتفلت حركة حماس وخلفها باقي
الفصائل بعد العدوان الاسرائيلي على قطاع
غزة؟ من هم أولئك الذين نزلوا الى الشوارع
في غزة وفي مدن فلسطينية أخرى يحتفلون
بالانتصار؟ هل احتفل ال١٦٠ شهيدا وال١٤٠٠
جريحا الذين لم تجف دماءهم بعد أيضا بهذا
الانتصار؟ هل عائلة الدلو التي ابيدت عن
بكرة ابيها تقريبا احتفلت هي الاخرى بهذا
الانتصار؟ وماذا عن الدمار الرهيب الذي
لم تنج منه مؤسسة واحدة؟ وهل تكفي أموال
قطر الموعودة لتحولها الى انتصار؟ كان
أحرى بقيادة حماس وغيرها أن تفتح المآتم
وتستقبل المعزين وليس الاحتفال بانتصار
وهمي.
ما
هي الانجازات التي حققها هذا الانتصار
التاريخي؟ زيارة رئيس الحكومة المصرية
لغزة لمدة ساعة ونصف؟ أم زيارة بعض وزراء
الخارجية العرب الذين يسبحون في فلك
السياسة الامريكية – الاسرائيلية ويتآمرون
على القضية الفلسطينية؟ أم الموقف المخزي
للنظام "الثوري"
الاخوانجي في مصر
الذي لعب دور الوسيط بدل أن يتخذ موقفا
منحازا الى جانب المقاومة؟ أم تصريحات
مشعل للتلفزيون الامريكي ولكل من يريد
أن يسمع بقبوله دولة فلسطينية بحدود ١٩٦٧
علىى غرار تصريحات عباس بما يرضي حلفاءه
الجدد من الخليج؟. وهل
حقا كان اتفاق الهدنة أو التهدئة أو وقف
اطلاق النار سموه ما شئتم، حسب شروط حماس؟
هل رفع الحصار وفتحت المعابر؟ هل توقفت
الانتهاكات الاسرائيلية؟
الانجاز
الحقيقي الوحيد لهذا الانتصار الوهمي هو
أن دولة إسرائيل مرة أخرى تنجو بجرائمها.
لن يكون هناك من
يحاسبها على اعمال القتل والتدمير، حتى
ولا غولدستون آخر.
ما
أن انتهت الاحتفالات بالانتصار الوهمي
الاول حتى دقت طبول الاحتفال بالانتصار
الوهمي الثاني: انتصار
الدولة غير العضو، انتصار الدولة المراقب.
ماذا لو رحبنا بوعد
بلفور ووفرنا على انفسنا قرنا من الشقاء؟
ولماذا ننعت وعد بلفور بالشؤم ونعتبر
القرار الفارغ من أي مضمون انتصارا
تاريخيا؟ على الاقل وعد بلفور اشترط اقامة
الوطن القومي اليهودي في فلسطين بعدم
المساس بالحقوق المدنية والدينية لباقي
الطوائف. ماذا
اشترط قرار الاعتراف بالدولة غير العضو
غير التنازل عن كافة الثوابت؟ ماذا استفدنا
من اعتراف ١٣٨ دولة بدولة فلسطين الوهمية؟
أنا شخصيا أفضل اعتراف دولة واحدة بحق
الشعب الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه من
كل هذه الاعترافات. اللوم
بالطبع لا يقع على ال١٣٨ دولة بل يقع على
من ذهب الى نهاية العالم لكي ينال مثل هذا
الاعتراف البائس. واللوم
اكثر يقع على كل من اعتبر هذا الاعتراف
انتصارا تاريخيا واحتفل به.
ولا اقتصر هنا على
رئيس السلطة الفلسطينية الذي بادر وقاد
هذه الخطوة ومن حوله من المنتفعين، بل
أشمل باقي الفصائل بدءا بحماس وانتهاء
بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومرورا
بباقي الفصائل "اليسارية"
والاحزاب العربية
الاسرائيلية التي طبلت وزمرت ورقصت لهذا
“الانتصار”.
الانتصار
الوهمي الثالث الذي لم يأت بعد وننتظره
بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر هو الانتصار
الذي سوف تحققه الاحزاب العربية في
انتخابات الكنيست الصهيوني.
تشير استطلاعات
الرأي أن هذه الاحزاب سوف تحافظ على قوتها
وتمثيلها وهذا بحد ذاته في نظرها يعد
انتصارا. وربما
سوف تحقق بعض الاحزاب تقدما طفيفا قد يصل
الى انجاح مندوب آخر، هذا بالرغم من أنف
المنادين بالمقاطعة. وطبعا
بعد الانتصار سوف تحلو الاحتفالات
فاستعدوا. لا
تسألوا بعد تحقيق هذا الانتصار اذا ما
زادت العنصرية في أروقة الكنيست التهابا.
واذا ما انهمر وابل
من القوانيين العنصرية على رؤوسنا واذا
ما كان مجرد وجودنا مهددا وعلى كف عفريت.
كل هذا لا يهم ما
دمنا نعيش في نشوة الانتصار الوهمي وطالما
يعمل نوابنا بلا كلل أو ملل كشهود زور على
ديمقراطية الدولة العبرية.
مع
مثل هذه الانتصارات من يريد هزائم؟
No comments:
Post a Comment