أولا
هدم ومن ثم إعادة بناء
علي
زبيدات – سخنين
أذكر
أنني في سنوات الثمانين والتسعين كنت
مشاغبا سياسيا أكثر من اليوم.
وكنت زبونا
كثير التردد على أحد القضاة العرب الذين
خرجوا إلى التقاعد في محكمة الصلح في عكا.
وفي إحدى المرات
قال القاضي موجها كلامه لي:
لقد آن الأوان
أن تبدأ بالبناء وتكف عن الهدم.
فأجبت بدون أن
يطلب مني أحد الكلام:
في كثير من
الحالات يجب أن تهدم أولا ومن ثم تبني.
وقد كلفتني
وقاحتي هذه عقابا مضاعفا.
طبعا
لست أنا من اخترع نظرية ضرورة الهدم أولا
حتى تصبح عملية البناء مجدية وناجحة.
تصوروا أن يبني
أحدهم عمارة ضخمة مؤلفة من عدة طوابق على
بيت قديم تكاد أسسه لا تحمله.
وقد يكون للبيت
القديم قيمة معنوية كبيرة بالنسبة لصاحبه.
ولكن إذا أراد
أن يبني بيتا جديدا بمواصفات متطورة تسد
حاجاته المتقدمة فلا مناص أمامه سوى
التضحية بهذه القيمة المعنوية.
زفت
لنا وسائل الاعلام المحلية مؤخرا خبر
اقرار لجنة المتابعة بالاجماع وبعد مشورات
طويلة ومضنية مشروع اعادة بنائها.
ويشمل هذا
المشروع اقامة سبع لجان منبثقة عن لجنة
المتابعة وتستثنى لجنة متابعة التعليم
العربي لأنها ما زالت مسألة خلافية بين
الاحزاب المختلفة من جهة وبين لجنة
المتابعة واللجنة القطرية للمجالس المحلية
العربية من جهة أخرى.
وأقرت عقد
مؤتمرها الوطني ومن بعده تنتقل لجنة
المتابعة من دور التنسيق بين والاحزاب
والسلطات المحلية الى موقع القيادة
الوطنية الموحدة للجماهير العربية
والتمثيلية أمام موسسات الدولة والمؤسسات
الدولية.
مما
لا شك فيه أن جماهيرنا العربية التي هي
جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني
بحاجة ماسة إلى هيأة قيادية وطنية و
تمثيلية. أي
بحاجة إلى بناء قوي وصامد وحديث.
والسؤال الذي
يطرج نفسه هنا:
كيف يمكن أن
تبني بناء متينا كهذا من غير أن تهدم
الجدران المهترئة والسطح الآيل الى السقوط
المتواجدة في صلبه؟
سوف
تقوم سبع لجان.
سبع لجان بدون
أسنان.أي
حبر على ورق.
هل تتدكرون
المثل الذي يقول:
اذا اردت أن
تقبر أمرا فشكل له لجنة.
رئيس اللجنة
سيبقى بالتوافق هو هو.
أعضاء اللجنة
سيبقون كما خلقوا:
ممثلي أحزاب
وأعضاء كنيست ورؤساء سلطات محلية.
حتى لو تقرر
في المستقبل (حتى
الان لا يوجد اتفاق)
انتخاب رئيس
اللجنة واعضائها فهل سيغير هذا من الصورة
شيئا؟ لا اظن ذلك.
فكلنا يعرف ان
الانتخابات في هذه البلاد هي مدرسة للفساد
والرشوات والمصالح الشخصية أصف الى ذلك
في مجتمعنا هي وصفة اكيدة لتأجيج النزاعات
العائلية والطائفية.
إعادة
البناء: هي
كلمة جميلة قد تخدع أوساطا واسعة.
وقد جربها
شعبنا في كافة اماكن تواجده ولسنوات طويلة
حتى اصبحت كلمة سحرية يرددها اليساري
واليميني والقومي والاسلامي والاشتراكي.
أقصد بها "إعادة
بناء" منظمة
التحرير الفلسطينية.
المطلوب:
هدم ثم هدم ثم
هدم ثم بناء.
كلمة "إعادة"
تصبح مجازا.
البناء الجديد
هو جديد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
أنا
شخصيا أؤمن بأن اللجنة الوحيدة التي تستحق
قيادة وتمثيل الجماهير هي اللجنة التي
تنبثق من رحم نضال هذه الجماهير.
من خلال العمل
الثوري الذي يهدف إلى تحرير الجماهير.
مثل هذه اللجنة
ليست بحاجة الى شرعية توافقية ولا شرعية
انتخابية فاسدة، تكفيها شرعيتها الثورية.
No comments:
Post a Comment