بعبع تراث بن غوريون وبيغن
علي زبيدات – سخنين
مرة أخرى أجد نفسي وكافة المؤسسات "الوطنية"
سياسية كانت أم ثقافية على طرفي نقيض. من لجنة المتابعة العليا
مرورا بنواب الكنيست العرب وحتى الاتحاد القطري للجان أولياء أمور الطلاب العرب
ولجنة متابعة التعليم العربي والمجلس
التربوي العربي وجمعية الثقافة العربية والمركز العربي للحقوق والسياسات ومعهد
مسار للأبحاث والتخطيط. جميع هذه المؤسسات وربما مؤسسات أخرى لم يتسنى لي الاطلاع
على ردود فعلها هبت تطالب وزير التربية والتعليم الإسرائيلي العدول عن ارض تعليم تراث
دافيد بن غوريون ومناحم بيغن على المدارس العربية في السنة الدراسية القادمة. أما
موقفي فهو بكل بساطة وبكل صراحة : من الضروري بل من الواجب على المدارس العربية أن
تدرس "تراث" بن غوريون وبيغن للطلاب العرب.
ها هو النائب جمال زحالقة يطالب الوزير بالعدول عن قراره
لأنه يمس بمشاعر الطلاب العرب وبذاكرتهم التاريخية وبالهوية. أما مجمد حيادري رئيس
لجنة متابعة قضايا التعليم العربي وعلى ذمة صحيفة الصنارة يقول:" إننا لا
نعترض على شخصية بن غوريون وبيغن ومع الاحترام لكل القيادات اليهودية والإسرائيلية
ولكن من المعروف أن كلا الاثنين قياديان صهيونيان وهذا موضوع لا يفيد طلابنا" ويتابع بأن أهم ما في الأمر
ألا يتم فرض الموضوع فرضا على المدارس العربية ويطالب الوزير بإشراكه بكل الأمور
التي تتعلق باتخاذ القرارات المتعلقة بالمدارس العربية وطرح بديلا للمدارس العربية
كإدوارد سعيد وعبد الرحيم محمود. أما مدير مركز دراسات وبعد أن يتهم الوزير بفرض
الرواية الصهيونية على طلابنا والسطو على ذاكرتهم التاريخية والجماعية والاستخفاف
بكرامة شعبنا يقترح بديلا للمدارس العربية
موروث توفيق طوبي وأميل توما وتوفيق زياد. أقول لرئيس لجنة متابعة التعليم العربي
إن معرفة "تراث" بن غوريون وبيغن الدموي مفيد جدا لطلابنا.
ما هو تراث بن غوريون وبيغن الذي أفزع كل هذه المؤسسات
بهذا الشكل؟ طبعا الرواية الصهيونية تجعل من بن غوريون بطلا قوميا ومن أهم
المؤسسين للدولة والذي أعلن عن "استقلالها" ومن بيغن مناضلا عنيدا من
أجل استقلال "الشعب اليهودي" في "بيته القومي". هل تظن
مؤسساتنا السياسية والثقافية أن طلابنا من الغباء بحيث يصدقون الرواية الصهيونية؟
ألا يوجد لدينا نحن رواية أخرى أكثر صدقا وأكثر مصداقية من الرواية الصهيونية؟ ألا
نستطيع مقابل الصفحتين أو الثلاثة التي سوف تعممها وزارة التعليم على المدارس
العربية كتابة صفحتين أو ثلاثة تروي روايتنا وتقوض أسس الرواية الصهيونية الزائفة؟
إذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذه اللجان ومراكز الدراسات ومعاهد الأبحاث؟ وهل
ينبغي على طلابنا أن يجهلوا تاريخ من صنع نكبتهم؟ ولماذا لا تقوم للجان أولياء أمور
الطلاب استغلال صلاحياتها وإدخال الرواية الفلسطينية في الدراسة غير المنهجية في
المدارس؟ من الذي سيعلم تراث بن غوريون وبيغن أليسوا معلمي التاريخ والمدنيات؟ وهل
جميعهم من الجبن بحيث يعلمون ما يستلمون من الوزارة بدون التنويه ولو بالإشارة للرواية
الفلسطينية الأقرب بما لا يقاس للحقيقة؟
أنا مع أن يعلم تراث بن غوريون وبيغن في المدارس العربية
بحذافيره وكما تريده وزارة التعليم الإسرائيلية حرفيا ولكن في الوقت نفسه يجب سرد
الرواية الفلسطينية القادرة على تعرية وفضح هذا التراث الزائف وتقوض قيمه المشوهة.
ليس لدى بن غوريون أي تراث إنساني تقدمي يمكن الافتخار
به. تراثه ليس بأكثر من تاريخ طويل من نهب وسلب الأرض الفلسطينية وتشريد أهلها. فهو
المسئول الأول عن النكبة، وعن تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية، عن تهجير أكثر من
نصف الشعب الفلسطيني، تستحوذ عليه إيديولوجية فاشية عنصرية وعمالة للاستعمار
القديم والحديث. يكفي هنا أن نذكر العدوان الثلاثي على مصر ومجزرة كفر قاسم. أما
تراث بيغن فلا يقل من حيث انعدام الإنسانية والتقدمية فيه عن تراث زميله بل يزيد عليه.
يكفي أن نذكر هنا بعض الجرائم التي اقترفها قبل وبعد قيام الدولة: قيادة المنظمة الإرهابية
الفاشية "الاتصل" المسئولة عن مجزرة دير ياسين وعشرات المجازر الأخرى
وعن تفجير فندق الملك داوود في القدس وقتل الكونت برنادوت وبعد ذلك بسنوات وبعدما
أصبح رئيسا للحكومة عن حرب الإبادة التي شنها على لبنان وكانت ذروتها مجزرة صبرا
وشاتيلا.
ليعلموا هذا "التراث" الفاسد والملوث أينما
ومتى يشاءون. فالتراث الحقيقي هو ليس إلا نضال شعبنا المتواصل من أجل العودة
والتحرير.