حكاية "المقاومة الشعبية السلمية"
علي زبيدات – سخنين
في الآونة الأخيرة كثرت التصريحات الصادرة عن أقطاب السلطة الفلسطينية وخصوصا عن رئيسها محمود عباس والتي تدعو للجوء إلى المقاومة الشعبية السلمية في مقاومة الاستيطان والجدار والاحتلال بشكل عام. وقد تزامنت دعوته الأولى أثناء ذهابه إلى الأمم المتحدة لحصاد ما سمي في حينه باستحقاق أيلول للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي حينه نظمت بعض المسيرات الهزيلة تتناسب مع هذه الخطوة الهزيلة والهزلية في آن واحد وكلنا يعرف ماذا كان مصير هذه الخطوة "التاريخية" وكل ما رافقها من "مقاومة شعبية"، حيث أسدل الستار عليها نهائيا وأصبحت نسيا منسيا.
اليوم، يعود إلينا السيد محمود عباس مرة أخرى لكي يبشرنا أن المصالحة بين فتح وحماس تمت على أساس الاتفاق على نبذ المقاومة "المسلحة" واللجوء فقط إلى "المقاومة الشعبية السلمية" ولتجميلها أضاف:على طريقة الربيع العربي. كما تضمنت اتفاقية المصالحة على ضرورة أن تستمر الهدنة ليس في قطاع غزة وحسب بل يجب أن تشمل الضفة الغربية أيضا. لنتجاوز التناقض الصارخ بين استمرارية "الهدنة" واتساع رقعتها من جهة وبين مفهوم المقاومة من جهة أخرى، ولنتجاوز تصريحات قيادة حماس المتناقضة أيضا بين صحة أو عدم صحة هذه التصريحات ولنتساءل بل نسأل السيد عباس وأركان سلطته: ما الذي منعهم حتى الآن من اللجوء إلى "المقاومة الشعبية السلمية"؟ وكيف يمكن أن نصدق مثل هذه الدعوة وهو يصرح في كل مكان وزمان وفي كل مناسبة ومن غير مناسبة أن الخيار الوحيد هو المفاوضات والمزيد من المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات؟ كيف نصدق مثل هذه الدعوة وهو يقول لكل من يريد أن يسمع أنه ما دام رئيسا لهذه السلطة لن تكون هناك انتفاضة ثالثة أو أية انتفاضة من أي نوع كانت؟ وأخيرا كيف نصدق مثل هذه الدعوة وأجهزة أمن السلطة التي دربها دايتون بتمويل أمريكي – أوروبي – عربي تمنع أي تظاهرة ضد الاحتلال بالقرب من المستوطنات أو الحواجز الرئيسية؟
في الحقيقة، ثورات الشعوب والمقاومة بشكل عام ليست من باب الترف أو من باب المتعة. فهي مليئة بالألم والتضحيات والدمار والمصائب. كنا نتمنى ألا يكون هناك حاجة أصلا لأي شكل من أشكال المقاومة أو الثورات أو الحروب التحررية. أي كنا نتمنى ألا يكون أصلا أي احتلال أو اضطهاد أو ظلم وهي الأمور التي تولد المقاومة على أشكالها. ولكن هذا الحلم لا وجود له على أرض الواقع. فلو لم يقدم الشعب الجزائري مليون شهيد لكانت الجزائر حتى اليوم ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي ولولا الحرب طويلة الأمد وبالغة الدمار التي خاضها الشعب الفيتنامي لما نال حريته واستقلاله ولولا ثورة عبد الناصر لما تأممت قناة السويس بالرغم من الثمن الذي تم دفعه خلال العدوان الثلاثي على مصر.
فلسطين لا تشذ عن هذه القاعدة. لو لم تكن هناك نكبة واقتلاع شعب بأكمله من أرضه، ولو لم يكن هناك احتلال دائم وإذلال دائم وحصار دائم لما كانت هناك ضرورة لأية مقاومة شعبية أو غير شعبية.
يبرر رجالات "المقاومة الشعبية السلمية" طراز آخر زمن دعوتهم هذه أولا: لإحراج دولة إسرائيل أمام العالم: ولكن ما العمل وإسرائيل لا تشعر بأي إحراج؟ فهي ماضية في سياستها تعمل ما تشاء في أي وقت تشاء وكيف تشاء؟. وثانيا: من أجل كسب تعاطف وتأييد الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. إلا أن هذا التعاطف حتى الآن لا يساوي قشرة بصل. وأخيرا يبررون هذه الدعوة باختلال موازين القوى لصالح إسرائيل وكأن موازين القوى عندما قررت التنظيمات الفلسطينية خوض تجربة الكفاح المسلح لم تكن مختلة لصالح إسرائيل.
لعل أكثر ما يغيظ في دعاة المقاومة الشعبية السلمية الجدد هو ذلك التناقض الوهمي والتعسفي الذي أدخلوه بين شتى أشكال المقاومة. وكأنه يوجد من يعارض المقاومة الشعبية السلمية، وكأن أشكال المقاومة الأخرى تتناقض مع المقاومة الشعبية السلمية بدل أن تكملها. وهذا ليس فقط تشويها للواقع وللحقيقة بل هو افتراء على مسيرة المقاومة الشعبية نفسها خصوصا على الانتفاضة لأولى والثانية. فالحجر الذي يقاوم دبابة أصبح مقاومة غير سلمية ويجب أدانته ونبذه. وصواريخ القسام البدائية التي تحاول الرد على غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية المدججة بالقنابل والصواريخ أصبحت صواريخا عبثية. وربما كانت بالفعل صواريخا عبثية ولكن بما أن الوضع بمجمله عبثي إلى أقصى حدود العبثية فقد أصبحت ألأكثر منطقيا.
إن شعبا مسحوقا، مضطهدا لا يسعى إلى تسليح نفسه وإعداد نفسه لخوض مسيرة طويلة ومؤلمة من التضحيات والنضال إن شعبا كهذا يستحق أن يعامل معاملة العبيد.
لقد منحت جميع الشرائع السماوية والإنسانية الشعب المضطهد الحق في أن يستعمل جميع أشكال النضال من أجل الحصول على حريته. عدالة السلاح تنبع من عدالة القضية التي يستعمل من أجل تحقيقها. من هذا المنطلق نميز بين الحروب الرجعية الاستعمارية المرفوضة مطلقا وبين الحروب الثورية التقدمية. لا يمكن وضع العنف الرجعي الذي تمارسه الأنظمة ضد شعوبها وشعوب غيرها والعنف الثوري التحرري الذي تمارسه هذه الشعوب من أجل الحرية في سلة واحدة.
علي زبيدات – سخنين
في الآونة الأخيرة كثرت التصريحات الصادرة عن أقطاب السلطة الفلسطينية وخصوصا عن رئيسها محمود عباس والتي تدعو للجوء إلى المقاومة الشعبية السلمية في مقاومة الاستيطان والجدار والاحتلال بشكل عام. وقد تزامنت دعوته الأولى أثناء ذهابه إلى الأمم المتحدة لحصاد ما سمي في حينه باستحقاق أيلول للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي حينه نظمت بعض المسيرات الهزيلة تتناسب مع هذه الخطوة الهزيلة والهزلية في آن واحد وكلنا يعرف ماذا كان مصير هذه الخطوة "التاريخية" وكل ما رافقها من "مقاومة شعبية"، حيث أسدل الستار عليها نهائيا وأصبحت نسيا منسيا.
اليوم، يعود إلينا السيد محمود عباس مرة أخرى لكي يبشرنا أن المصالحة بين فتح وحماس تمت على أساس الاتفاق على نبذ المقاومة "المسلحة" واللجوء فقط إلى "المقاومة الشعبية السلمية" ولتجميلها أضاف:على طريقة الربيع العربي. كما تضمنت اتفاقية المصالحة على ضرورة أن تستمر الهدنة ليس في قطاع غزة وحسب بل يجب أن تشمل الضفة الغربية أيضا. لنتجاوز التناقض الصارخ بين استمرارية "الهدنة" واتساع رقعتها من جهة وبين مفهوم المقاومة من جهة أخرى، ولنتجاوز تصريحات قيادة حماس المتناقضة أيضا بين صحة أو عدم صحة هذه التصريحات ولنتساءل بل نسأل السيد عباس وأركان سلطته: ما الذي منعهم حتى الآن من اللجوء إلى "المقاومة الشعبية السلمية"؟ وكيف يمكن أن نصدق مثل هذه الدعوة وهو يصرح في كل مكان وزمان وفي كل مناسبة ومن غير مناسبة أن الخيار الوحيد هو المفاوضات والمزيد من المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات؟ كيف نصدق مثل هذه الدعوة وهو يقول لكل من يريد أن يسمع أنه ما دام رئيسا لهذه السلطة لن تكون هناك انتفاضة ثالثة أو أية انتفاضة من أي نوع كانت؟ وأخيرا كيف نصدق مثل هذه الدعوة وأجهزة أمن السلطة التي دربها دايتون بتمويل أمريكي – أوروبي – عربي تمنع أي تظاهرة ضد الاحتلال بالقرب من المستوطنات أو الحواجز الرئيسية؟
في الحقيقة، ثورات الشعوب والمقاومة بشكل عام ليست من باب الترف أو من باب المتعة. فهي مليئة بالألم والتضحيات والدمار والمصائب. كنا نتمنى ألا يكون هناك حاجة أصلا لأي شكل من أشكال المقاومة أو الثورات أو الحروب التحررية. أي كنا نتمنى ألا يكون أصلا أي احتلال أو اضطهاد أو ظلم وهي الأمور التي تولد المقاومة على أشكالها. ولكن هذا الحلم لا وجود له على أرض الواقع. فلو لم يقدم الشعب الجزائري مليون شهيد لكانت الجزائر حتى اليوم ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي ولولا الحرب طويلة الأمد وبالغة الدمار التي خاضها الشعب الفيتنامي لما نال حريته واستقلاله ولولا ثورة عبد الناصر لما تأممت قناة السويس بالرغم من الثمن الذي تم دفعه خلال العدوان الثلاثي على مصر.
فلسطين لا تشذ عن هذه القاعدة. لو لم تكن هناك نكبة واقتلاع شعب بأكمله من أرضه، ولو لم يكن هناك احتلال دائم وإذلال دائم وحصار دائم لما كانت هناك ضرورة لأية مقاومة شعبية أو غير شعبية.
يبرر رجالات "المقاومة الشعبية السلمية" طراز آخر زمن دعوتهم هذه أولا: لإحراج دولة إسرائيل أمام العالم: ولكن ما العمل وإسرائيل لا تشعر بأي إحراج؟ فهي ماضية في سياستها تعمل ما تشاء في أي وقت تشاء وكيف تشاء؟. وثانيا: من أجل كسب تعاطف وتأييد الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. إلا أن هذا التعاطف حتى الآن لا يساوي قشرة بصل. وأخيرا يبررون هذه الدعوة باختلال موازين القوى لصالح إسرائيل وكأن موازين القوى عندما قررت التنظيمات الفلسطينية خوض تجربة الكفاح المسلح لم تكن مختلة لصالح إسرائيل.
لعل أكثر ما يغيظ في دعاة المقاومة الشعبية السلمية الجدد هو ذلك التناقض الوهمي والتعسفي الذي أدخلوه بين شتى أشكال المقاومة. وكأنه يوجد من يعارض المقاومة الشعبية السلمية، وكأن أشكال المقاومة الأخرى تتناقض مع المقاومة الشعبية السلمية بدل أن تكملها. وهذا ليس فقط تشويها للواقع وللحقيقة بل هو افتراء على مسيرة المقاومة الشعبية نفسها خصوصا على الانتفاضة لأولى والثانية. فالحجر الذي يقاوم دبابة أصبح مقاومة غير سلمية ويجب أدانته ونبذه. وصواريخ القسام البدائية التي تحاول الرد على غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية المدججة بالقنابل والصواريخ أصبحت صواريخا عبثية. وربما كانت بالفعل صواريخا عبثية ولكن بما أن الوضع بمجمله عبثي إلى أقصى حدود العبثية فقد أصبحت ألأكثر منطقيا.
إن شعبا مسحوقا، مضطهدا لا يسعى إلى تسليح نفسه وإعداد نفسه لخوض مسيرة طويلة ومؤلمة من التضحيات والنضال إن شعبا كهذا يستحق أن يعامل معاملة العبيد.
لقد منحت جميع الشرائع السماوية والإنسانية الشعب المضطهد الحق في أن يستعمل جميع أشكال النضال من أجل الحصول على حريته. عدالة السلاح تنبع من عدالة القضية التي يستعمل من أجل تحقيقها. من هذا المنطلق نميز بين الحروب الرجعية الاستعمارية المرفوضة مطلقا وبين الحروب الثورية التقدمية. لا يمكن وضع العنف الرجعي الذي تمارسه الأنظمة ضد شعوبها وشعوب غيرها والعنف الثوري التحرري الذي تمارسه هذه الشعوب من أجل الحرية في سلة واحدة.
No comments:
Post a Comment